لماذا رفض النبي أعمال الجاهلية

حال العرب قبل الإسلام

وصل العرب إلى مرحلةٍ كبيرةٍ من التدهور الأخلاقيّ النّاتج عن التدهور العقديّ، وما ذلك إلّا لأنّهم فقدوا استشعار مراقبة الله تعالى لهم، ففسدوا وأفسدوا في الأرض، ودخل الانحراف معظم أخلاقهم، فدخلت حياتهم المنكرات على اختلافها، فكان من ذلك أن دخل إليهم شرب الخمر ولعب الميسر وما يتبعهما من المنكرات في حياتهم، فكانوا يشربون الخمر ويتّخذون لها ساقياً، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)،[١] وممّا وصلوا إليه افتخارهم أنّ لهم الولاية على المسجد الحرام، وتكبّرهم عليهم بذلك، وكانوا يحقّرون الفقراء والضعفاء؛ ومن ذلك قول الله تعالى: (وَكَذَٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولُوا أَهَٰؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا ۗ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ)،[٢] ثمّ نهى الله عن ذلك، وبيّن لهم أنّ علامة التمايز بينهم هي التّقوى، وألغى جميع مظاهر التكبّر التي كانوا يستعلون بها على غيرهم، وكانوا كذلك يقومون بدفن البنات؛ خشية أن يُلحقن بهم العار في كبرهنّ، وسادت بينهم بعض الأنواع من الزواج التي هي أشبه بالدّعارة، فكانوا يجمعون بين الأختين، ولا يحرمون زوجات آبائهم فيتزوّجوهنّ بعد وفاة الآباء أو طلاقهن منهم، وكانوا يرثون نساء الميت ويمنعوهنّ من الزواج، فنزل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا ۖ وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ).[٣][٤]

نظرة الإسلام لأخلاق الجاهليّة

اختلف الإسلام في موقفه تجاه ما كانوا يفعلونه في الجاهليّة، فمنها ما قضى عليها وقابلها بالرفض، ومنها ما شجّهعا وأقرّها ودعا إليها، وسما بها الإسلام فعادت بالنفع على الدين والناس، وما هدف الإسلام من ذلك إلّا لتهيئة نفوسهم لقبول التكاليف والتدرج معهم فيها، والحرص على القيام بالأوامر واجتناب النواهي، فدعا الإسلام إلى وحدانيّة الله تعالى، ورفض جميع أشكال الشرك واعتبر عبادة الأصنام كفراً، حتى لو كانت حجتهم في عبادتها أنّها تقرّبهم إلى الله، وإذا قلنا إنّ الإسلام يدعو إلى وحدانيّة الله عزّ وجلّ، فإن قضيّة نبوّة سيدنا محمد مرتبطةٌ بها ارتباطاً وثيقاً، والتفريط في نبوّة سيدنا محمد يعدّ تفريطاً في القضية الأساسيّة وهي التوحيد، وحرّم الإسلام شرب الخمر والسرقة، وقد اتبع الإسلام نظام التدرّج في التشريع عندما حرّم شرب الخمر؛ ممّا أدى إلى إقلاعهم جميعهم عنها، وقولهم: (انتهينا، انتهينا) لمّا سمعوا قوله تعالى: (فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ)،[٥] وقد أقرّ الإسلام ما رأى فيهم من الفضائل الإنسانيّة التي كانوا يتبعونها قبل مجيء الإسلام، ومن ذلك حلف الفضول الذي شهده رسول الله، فقد رأى فيه مثالاً شريفاً للأحلاف الإنسانيّة، وأمّا الذي تسامى به الإسلام موقفه من الشعر، فمن المعروف أنّ العرب أمّةٌ شاعرةٌ، ولمّا جاء الإسلام لم يُحرّم الشعر على إطلاقه، فحرّم منه ما فيه كلامٌ بذيءٌ وخارجٌ عن قواعد الدين، وأقرّ ما التزم حدود الأدب والشرع، فكان ممّا أقره الإسلام ودعا إليه: الكرم، والشجاعة، والنجدة، ونصرة المظلوم، وممّا حرمّه: السّرقة، والزّنا، والخمر والميسر، وأمورٌ قد سما بها الإسلام وهذّبها؛ كملَكة الشِعر، وما أضاف الإسلام إلى هذه المحاور من الأوامر الإسلاميّة، التي تعارف المسلمون على تطبيقها؛ ممّا أدى إلى صناعة جيلٍ تقيٍّ، نشر كلمة الله، وجاهد بنفسه وماله في سبيل الله.[٦]

الحياة الثقافيّة والدينيّة في الجاهليّة

كان المستوى الثقافي للعرب يتناسب مع بعدهم عن الدول المتحضّرة من حولهم من جهة، ومع عيشهم في الصحراء من جهةٍ أخرى، وكان لذلك الأثر الأكبر في تعلّمهم التنجيم والكهانة، ورواية الشِعر ونقده، وعلمهم بالأنساب، وكان لاختلاطهم بالفرس والرّوم وكلّ من دار حولهم من الأمم أثرٌ في معرفتهم لقصص الملوك والأبطال، وربّما تشرّبوا كثيراً من ثقافاتهم وعلومهم، أمّا اللغة فقد وصلوا في تمييز الجيد منها من الرديء منزلةً رفيعةً، وممّا يدلّ على ذلك كتابتهم للمعلّقات ونصبها على جدران الكعبة، وأسواق المبارزات الشعريّة التي كانوا يقيمونها دائماً، حتّى أنّ الكثير منهم استدلّوا بنزول القرآن الكريم على العرب بكثرة علمهم ومعرفتهم، فليس من المعقول أن ينزل القرآن الذي اتصف بالبلاغة والبيان على قومٍ اتصفوا بالجهل، أمّا فيما يخص الحياة الدينيّة، فلا خلاف بين الكتاب أنّ العرب ومنذ الحكم الخزاعي لهم في مكّة كانوا وثنيين يعبدون ما ينحتون من الهياكل والأصنام، وكانت لهم بيوتٌ يحجّون إليها، وينصبون أصنامهم حولها، ومن تلك البيوت؛ البيت الحرام، وهناك بيت الطائف، وبيت صنعاء وغيرها، والفرق بين البيت الحرام وغيره؛ أنّ البيت الحرام كان الناس يقصده من كلّ مكانٍ، بمعنى أنّه عامٌّ، أمّا غيره فلا يقصده سوى من هم حوله من القبائل، أيّ محليٌّ، ومن المعلوم أنّ الوثنيّة كانت دخيلةً عليهم، وأوّل من أدخلها هو عمرو بن لحي الخزاعي، جلبها إلى الشام من شبه الجزيرة العربيّة، وكان العرب قبل ذلك يسيرون على نهج سيدنا إبراهيم عليه السّلام، وهو الدين الحنيف القائم على توحيد الله تعالى، وكان من ثقافة العرب أنّهم تعصّبوا لقبائلهم، فيشعر الواحد منهم أنّ الدم الذي يجري في عروقه هو نفسه الدم الذي يجري في عروق كافّة أفراد قبيلته، مع إحساسه أنّ مصلحة قبيلته هي مصلحته، وأنّ حياته هي حياتها، وتعصّبوا أيضاً للتقاليد، وحافظوا على ما توارثوه من عاداتٍ عن آبائهم، ولا فرق عندهم بين الحسن منها والقبيح.[٧]

المراجع

  1. سورة المائدة، آية: 90.
  2. سورة الأنعام، آية: 53.
  3. سورة النساء، آية: 19.
  4. “أخلاق العرب قبل الإسلام”، ar.islamway.net، 23-4-2017، اطّلع عليه بتاريخ 1-10-2018. بتصرّف.
  5. سورة المائدة، آية: 91.
  6. جابر قميحة (9-4-2014)، “موقف الإسلام من قيم الجاهلية”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 1-10-2018. بتصرّف.
  7. عبدالعزيز غنيم (2-2-2014)، “جوانب من حياة العرب في الجاهلية”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 1-10-2018. بتصرّف.