أول يوم في السنة الهجرية

ذكرى الهجرة

تعّد ذكرى الهجرة النبوية في نفوس المسلمين وتاريخهم، ذكرى ذات أهمية عظيمة وبالغة، لما لها من مكانة و أثر في نشر الدعوة الإسلامية،
الهجرة النبوية، خير هجرة عرفتها البشرية منذ بدء الخلق، فقد هاجر خير خلق الله تعالى إلى المدينة المنوّرة لتكون خطوة أولى في نشر الدعوة الإسلامية، ليبدأ بعدها الإسلام ببسط نفوذه في مناطق واسعة من بعد هذه الذكرى الإسلامية عظيمة الأثر والمكانة، ويستذكر المسلمون في كل سنة، هذا الحدث العظيم، الذي يذكّرنا بأن في مثل هذا اليوم قبل آلاف السنين قد هاجر فيه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلّم في سبيل الله تعالى، فتحمّل الآلام والعذاب و ضرب خير مثال في الصبر والتضحية في سبيل الله تعالى.

قبل الهجرة النبوية

ألحق مشركو قريش ومكة بالمسلمين الأذى والظلم، بسبب إسلامهم واتباعهم ملّة محمد صلى الله عليه وسلّم، فأُجبروا على ترك أموالهم وديارهم والتوّجه إلى المدينة المنوّرة للنجاة بحياتهم وهرباً من ظلم مشركي قريش، هاجر عدد من المسلمين سراً، من بينهم عمر بن الخطاب لكن هجرته كانت علنية، حيث خرج إلى قريش ومعه نفر من المسلمين، يخبرهم بهجرته علناً وعلى الملأ، فقال لهم: ” يا معشر قريش، من أراد أن تثكله أمه وييتم ولده أو يُرمل زوجته فليلقني وراء هذا الوادي”، ولم يستطع أحد اللحاق به إلى وراء الوادي، وكانت هذه الهجرة التي سبقت هجرة النبي صلى الله عليه وسلّم بأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وكان ذلك بعد أن ضَمن الرسول عليه الصلاة والسلام الأمان، حيث دعاه أهل المدينة المنورة إلى الهجرة وأن يسكن بينهم بأمان.

لم يبقَ في المدينة المنورة من الصحابة رضوان الله عليهم إلا رسول الله عليه الصلاة والسلام وأبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب رضوان الله عليهم جميعاً، فقد أشار الصدّيق على الرسول صلى الله عليه وسلّم باللحاق بقوافل المهاجرين إلا أن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام قد قال له: “لا تعجّل، فقد يجعل لك الله صاحباً”.

الهجـرة النبوية

جاء أمر الله تعالى إلى رسوله الكريم صلى الله عليه وسلّم بالهجرة، وأن يرافقه في هجرته أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وقد أنزل الله تعالى الوحي (جبريل عليه السلام) إلى سيدنا محمد ليخبره بألا يبيت في فراشه الليلة، لِما تدّبرّه وجوه قريش من مكيدة للتخلّص من الرسول صلى الله عليه وسلّم، وكان أعداء الإسلامِ ورسولِ الإسلام صلى الله عليه وسلّم قد دبروّا مكيدة، بأن جمعوا من كل قبيلة رجلاً ليقتلوا محمداً صلى الله عليه وسلّم، حتى يوّزع دمه على القبائل، لكن قدرة الله تعالى سبقتهم وردت كيدهم في نحورهم.

أمر الرسول صلى الله عليه وسّلم علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه بأن يبيت تلك الليلة في فراشه، وأسجى عليه بعباءته الخضراء اللون، ونفّذ ذلك كرّم الله وجهه، وعند حلول الليل جاء أعداء الإسلام لينفذوا خطتهم فحاصروا بيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم لحظة خروج الرسول من منزله، فنثر التراب في أعينهم وهو يقرأ سورة يس، حتى وصل الآية الكريمة “فأغشيناهم فهم لا يبصرون”، وتمكّن بذلك من النجاة من كيد قريش، وبعد أن نجا الرسول، ذهب تأثير التراب من عيون الأعداء، فلما دخلوا إلى منزل الرسول صلى الله عليه وسلّم، وجدوا علياً رضي الله عنه في فراش الرسول صلى الله عليه وسلم، فأخبرهم بأنه قد غادر مكة، فهمّوا باللحاق به ظانين بأنهم سيتمكنّوا منه.

في غار ثـور

كان أمر الرسول صلى الله عليه وسلّم لأبي بكر الصديق رضي الله عنه بمرافقته في هجرته، أمراً في غاية السرور والسعادة بالنسبة له، فقد انتظر ذلك بفارغ الصبر، خرج الرسول صلى الله عليه وسلّم وصاحبه أبو بكر الصديق، حتى وصلا غار ثور ودخلا إليه، بقدرة الله تعالى نسج عنكبوت بيت له على باب الغار بعد أن دخل الرسول صلى الله عليه وسلّم وأبو بكر الصديق إلى الغار، ورقدت حمامة على باب الغار بعد أن وضعت بيضها في ساعة الحال بعد دخولهما الغار، بدأ رجال قريش يبحثون ملياً عن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلّم وصاحبه ليقتلاهما، ووقف أعداء الإسلام بباب غار ثور أثناء وجود رسول الله صلى الله عليه وسلّم وصاحبه بداخله، وحينها قال أبو بكر الصديق لصاحبه: ” يا رسول الله لو أن أحدهم ينظر إلى قدميه لأبصرنا”، فرّد عليه صاحبه صلى الله عليه وسلّم: يا أبا بكر، ما ظنك باثنين ثالثهما الله تعالى، وقال مطمئناً إياه :”لا تحزن إن الله معنا”.

وبهذا تمّكن الرسول صلى الله عليه وسلّم وصاحبه الصدّيق من النجاة من كيد المشركين، والمضي قدماً في هجرته إلى المدينة المنورة، إذ استقبله أهلها بالفرح والسرور وأنشدوا “طلع البدر علينا” احتفالاً بوصول الرسول صلى الله عليه وسلّم إليهم، وكان ذلك في الأول من شهر محرّم، والذي يحتفل به المسلمون كرأس السنة الهجرية، لم يهاجر الرسول صلى الله عليه وسلّم هرباً أو خوفاً، ولا طمعاً بسمعة أو مال أو جاه، فقد عرضت عليه قريش المال والجاه والسلطان على أن يترك ما هو عليه، لكنه رفض ذلك، وقال مقولته الشهيرة لعمه أبو طالب: ” يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أترك هذا الدين لما تركته”.

رأس السنة الهجرية والتقويم الهجري

يحتفل المسلمون في الأول من محرم من كل عام برأس السنة الهجرية، حيث يستذكرون في هذا اليوم العظيم سيرة النبي صلى الله عليه وسلّم العطرة، ويستشعرون معاناته وما لحق به من الأذى لينشر الدين الإسلامي ورفع كلمة الله تعالى، ويعتبر شهر محرّم، أول شهر في الرزنامة الهجرية (التقويم الهجري) الإسلامي، والذي تعتمده بعض الدول بدلاً عن التقويم الميلادي في معاملاتها الرسمية والحياة اليومية، كالسعودية بالأخص، ويمتاز التقويم الهجري بأنه أقصر من الميلادي بفترة تصل ما بين (11-12 يوم)، وأيضاً بأن شهر محرّم ليس له فصلٌ ثابتٌ في السنة الهجرية كرأس السنة الميلادية، من الممكن أن يصادف رأس السنة الهجرية أي موسم من مواسم السنة.

التقويم الهجري

قام الفاروق الخليفة عمر بن الخطاب بإنشاء التقويم الهجري، ويعد التقويم الهجري مرجعاً زمنياً يعتمد عليه القرآن الكريم، قال تعالى: “إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين” سورة التوبة آية 36، والأشهر الحرم هي : شهر رجب، ذو القعدة، ذو الحجة، محرم، وسميّت بالحرم لأن الله تعالى حرّم القتال والصيد فيها.

الأشهر في التقويم الهجري

  • شهر محرّم: وهو أول شهر في شهور السنة الهجرية.
  • شهر صفر: وسمي بذلك لأن العرب كانوا يتوّجهون للحرب والقتال، ويتركون ديارهم خالية منهم.
  • ربيع الأول.
  • ربيع الآخر.
  • جمادى الأولى وسمّي بذلك نظراً لوقوعه في فصل الشتاء حيث تجمّد المياه.
  • جمادى الآخرة.
  • رجب وهو من الأشهر الحرام.
  • شهر شعبان.
  • شهر رمضان وهو شهر الصوم.
  • شوال.
  • ذو القعدة: وهو من الأشهر الحرم، وسميّ بذلك لأن المجاهدين يقعدون عن غزواتهم وفتوحاتهم.
  • ذو الحجة: وهو الشهر الذي يؤدي به المسلمون فريضة الحج وفيه عيد الأضحى.