كيف خلق سيدنا ادم عليه السلام
مقدمة
خلق الله الكون في ستة أيام، وأودع في السماء ملائكة يقومون بالتسبيح والصلاة ليلاً ونهاراً، لا يكلون ولا يملون، يقومون على الطاعات والعبادات، ويحافظون على عهد الله سبحانه وتعالي، فقد خلقهم الله من أجل هذه الغاية السامية التي تحقق لهم الوعد بأن يكونوا في الجنة خالدين فيها أبداً، وكان وعد الله مفعولا، ومع هذه المخلوقات العظيمة فقد خلقها سبحانه من نورٍ، فكلما مشت أنارت ما حولها من خير الله وقدرته، وكان تسبيحها منتشراً في السموات السبع، ولا يكاد يوجد موطئ قدمٍ إلا وتجد فيه ملائكةً يسبحون بحمد الله ويستغفرون له، ويطالبون برحمته التي وسعت كل شيءٍ، وكان الملائكة يعلمون أن الله سبحانه لا يحتاج لكل صلواتهم وعباداتهم ورغم ذلك لم يتوقفوا عن العبادة، وما زالوا حتى يومنا هذا يقومون لله ليلاً ونهاراً، ومع خلق الملائكة كان لا بد من خلق النقيض، وهو ابليس لعنة الله عليه، خلقه الله من نار، وكان يصول ويجول في سموات الله سبحانه، وكان مطيعاً لله، ولم يكن يعصِ الله فيما يأمره، وكانت هذه هي المخلوقات التي أودعها الله قبل خلق الإنسان.
كيف خلق سيدنا آدم عليه السلام
بعد أن خلق الله الملائكة والجن وابليس، أراد الله سبحانه لحكمةٍ لا يعلمها إلا هو، أن يخلق خليفةً له في هذا الكون، فجمع الله سبحانه الملائكة والجن، وأطلعهم على الخبر الذي أراده أن يكون، فقال لهم إني جاعلٌ في الأرض خليفة، وكان هذا الأمر أشبه بالصاعقة التي نزلت على رأس الملائكة، فتساءلوا كيف يجعل الله له خليفةً في الأرض وهو سبحانه القادر على تولي أمور الدنيا والآخرة والسماء والأرض بدون أن يخلفه فيها شيئاً، فجاء تساؤلهم ليستفسروا عن الأمر، فأطلعهم الله على الأمر بأنه يريد أن يكون في الأرض خليفة ليعمر فيها، ويكون بمثابة الحاكم عليها، وأن يعبد الله مخلصاً له الدين حنيفاً، وبالفعل أتم الله خلق آدم، فجمع من كل أطياف الأرض قبضةً من قبضاته، هذه القبضة جمعت طيناً من الأرض، فجبله الله سبحانه وتركه حتى يجف، وبعد أن جف نفخ فيه من روحه ليكون بذلك إنساناً سوياً مستقيماً، وهذا كله باطلاع الملائكة ومعرفتها، فعلّمه الله سبحانه كل المعاني والعبر وحتى الأسماء كما أورد في كتابه العزيز في سورة البقرة، فعلّمه الأسماء وبدأ يسأله أمام الملائكة، وآدم عليه السلام يجيب على كافة التساؤلات بدون أن يتلعثم بكلمة واحدة، مما جعل الملائكة تعجب به، فأمرهم الله بالسجود له، فقامت الملائكة فسجدت له على سبيل التكريم لا التعظيم، أما إبليس فقد استشاط غضباً من اهتمام رب العالمين بهذا المخلوق الذي خلقه الله من طين، فأمره الله أن يسجد، إلا أن إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين، عندها طرده الله من رحمته، وأمره أن يخرج من الجنة التي أودعها الله لعباده الصالحين، ولكن إبليس لم يسكت بل توعد بأن يهلك نسل آدم عليه السلام بالذنوب، وأن يخرجه من الجنة كما أُخرج هو منها.
خلق حواء من ضلع آدم
ولأن الله يعرف الغريزة التي أودعها في الإنسان، وهي غريزة البقاء، فقد خلق الله حواء عليها السلام من ضلع آدم الأعوج، وهو نائم، حتى لا يشعر بالألم عندما تخرج، وقد فسر العلماء لاحقا هذا التصرف، والذي أعاده العلماء إلى طبيعة الرجل الذي يكره عندما يشعر بالألم، على عكس المرأة التي كلما شعرت بالألم من شيء ما، كلما أحبته أكثر، لذلك كان لا بد للمرأة أن تتألم في المخاض والولادة حتى تستشعر حب الأبناء، ولا تتخلى عنهم بسهولة، وكانت هذه قصة خلق آدم وحواء معاً، ليستقرا في الجنة، ويعيشا النعيم الذي بشرهما به الله سبحانه، وقد أوفى الله بوعده لهما، وكان الشرط الوحيد لذلك أنهما لا يأكلا من الشجرة، والسبب راجع إلى اختبار صبرهما وقدرتهما على التحمل.
خروج آدم من الجنة
بعد أن ثبتت أركان آدم وزوجته في الجنة، لم يرق الأمر لإبليس لعنة الله عليه، فبدأ يحوم حولهما، والغل يملأ قلبه، ولا يريد إلا أن يكون السبب الرئيس في إبعاد آدم عن الجنة كما أصابه من الضر بسبب عدم الرضا على السجود لآدم، مما دفعه إلى ايجاد الحيلة المناسبة لهذا الأمر، فبدأ يوسوس لحواء ليخبرها أن هذه الشجرة التي أراد الله أن يبعدكم عنها ما هي إلا شجرة الخلود، والتي من المفترض أن تحميكما من الأمراض، وتبقيكما في أبهى الحلل، فاستجابت حواء عليها السلام لوسوسة الشيطان، ولم تكن تعرف بخبايا النية السوداء التي أودعت في قلبه، لتطلب من آدم عليه السلام أن يقطف لها من ثمار شجرة الخلود، والتي تعتقد أنها كذلك، وما أن استجاب لها، حتى كشفت عورتهما، وسقطا من الجنة إلى الأرض، وبقيا يخسفا عليهما من ورق الجنة يواريا بهما ما ظهر من عورتهما، وبعد أن عرف آدم الحيلة التي انطلت عليه وعلى زوجته بدأ يستغفر الله، ويطلب منه المسامحة، ولكن الله كان يعلم جيداً أن ابليس سيقدر على آدم، لذلك توعد أهل الأرض بأن من يساير إبليس في أفعاله فإن له العذاب خالدا مخلداً فيه، أما المؤمن فسوف يكون له المقام الأول في حضرة الجنة ونعيمها.
الكد والسعي من أجل البقاء
لم يكن في يد آدم عليه السلام إلا التعب والجد من أجل الوصول بحياة كريمة كالتي عاشها في الجنة، ومع ذلك فقد بقي أعواماً طويلةً جداً يعاني من التعب والإرهاق، ولم يرقَ لمستوى الحياة التي عاشها في الجنة، فكان يستغفر الله كل يوم، على أمل أن يعيده الله إلى الجنة، ولكن الله أمره بالعمل الجاد والكد والسعي للوصول إلى جنته التي أصبحت صعبة المنال بالنسبة إليه بعد أن خالف أوامر الله، وبقي على هذا الحال حتى أنجب طفلين وطفلتين، ولكي يستطيعا البقاء فقد قام بتزويج بناته لأبنائه، حتى يضمن أن يكمل النسل مسيرته، وألا يتوقف عنده وعند زوجته وأبنائه، ومن هنا بدأت العداوة تتسرب في قلوب الأخوة، وبدأ الشيطان يسيطر على قابيل، حتى أغواه بأن يقتل أخيه هابيل، وأن يواريه التراب، لتكون هذه أولى الجرائم التي ارتكبت على الأرض، والتي يحمل قابيل وزرها، ووزر كل جريمة قتل حدثت فيما بعد على كوكب الأرض.
استقرار الحياة على الأرض
أما الحياة على الأرض بعد وفاة آدم عليه السلام فقد انقسمت إلى عدة أقسام، ومن أهم هذه الأقسام هي أقوامٌ لم يعرفوا الله مطلقاً، وكان لا بد من إرسال الرسل من أجل هدايتهم لطريق الحق، وابتعادهم عن طريق الشيطان، وكان الشيطان للإنسان بالمرصاد في كل أمر يقوم به، حتى أنه استطاع أن يقلب الأسر على بعضها، وأن يدمر العلاقات بين الآخرين، فانتشرت الجرائم والحروب، وكان دور الرسل عميقاً في تعزيز الإيمان في قلوب الناس، أما الملحدين الذين كفروا وعذبوا الرسل فلم يجدوا من الهداية سبيل، ولهم عذاب جهنم هم ومن وسوس لهم، وستكون العاقبة وخيمة لكل من تسول له نفسه بالعبث في الحياة الدنيا على حساب الآخرة.