حياة حسان بن ثابت

الصّحابة رضي الله عنهم

الصّحابي عند العلماء هو من التقى بالنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وآمن به ومات على إسلامه وإن تخلل إسلامه ردّة على الأرجح، والمقصود بلقاءه النبيّ أي وإن لم يره، فقد يمنع من ذلك مانع كالعمى، ومثاله: ابن أمّ مكتوم -رضي الله عنه- فقد كان أعمى فلم يرَ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، إلّا أنّه يعدّ من صحابته، والمراد بشرط الإيمان به إخراج من التقاه وهو على الكفر كأبي جهل، فهم لا يعدّون من الصّحابة، أمّا اشتراط موته على الإسلام فيخرج به من أسلم والتقى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- مسلماً ثمّ ارتدّ ومات على الكفر كعبيد الله بن جحش، وأمّا إن ارتدّ عن الإسلام ثمّ عاد إليه قبل مماته سواءً في حياة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أو بعد وفاته فإنّه يعدّ من الصحابة، ومثال ذلك: الأشعث بن قيس، وأجمع أهل السنة والجماعة على أنّ أفضل الصّحابة هما: أبو بكر وعمر بن الخطّاب رضي الله عنهما، يليهما عثمان بن عفّان ثمّ علي بن أبي طالب، ثمّ من تبقّى من العشرة المبشرين بالجنّة، وبعدها يأتي أهل بدر ثمّ أهل أحد ثمّ أهل بيعة الرضوان رضي الله عنهم.[١][٢]

حسّان بن ثابت

كان حسّان بن ثابت -رضي الله عنه- أحد صحابة رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- ونال عنده مرتبة خاصّة لِما كان له من ملَكة نظم الشعر، فكان شاعر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يدافع عنه ويهجو خصمه ويمدح دعوته بما فتح الله عليه من قصائد وأبيات، يكنّى حسّان بن ثابت بأبي الوليد، وهو من قبيلة الخزرج التي هاجرت إلى المدينة من اليمن، فسكنت فيها مع قبيلة الأوس، وهو من بني النجار أخوال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لذلك تربطه بالرّسول صِلة قرابة، عاش في الجاهليّة ستين سنة، وعاش مثلهم في الإسلام، كانت الأوس والخزرج في نزاع دائم قبل الإسلام، وكانوا كثيراً ما يتحاربون فيما بينهم، فكان حسان -رضي الله عنه- شاعر الخزرج يمدحهم بشعره ويهجو قبيلة الأوس حتى اشتهر شعره في الجزيرة العربية.[٣]

كان حسان -رضي الله عنه- متّصلاً بالغساسنة يكتب لهم الشعر في مدحهم، فيعطونه بذلك أعطيات كريمة، واستفاد حسّان من اتصاله بالملوك بمعرفة فنون المدح والهجاء، وازداد بذلك شعره قوّة وجزالة في الألفاظ، وبذلك كان على أتمّ الجاهزيّة ليكون شاعر الإسلام وشاعر رسوله فيدافع عنه ويردّ على أعدائه، وعندما سمع حسّان -رضي الله عنه- عن الإسلام وكان في عمر الستين سارع لاعتناقه وقبوله، وبدأ يدافع عنه بلسان شعره الفصيح، حتى إنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- لمّا حثّ الأنصار مرّةً أن ينصروه بألسنتهم كما نصروه بأنفسهم، ردّ حسّان عليه بالقول: (أنا لها يا رسول الله)، ولم يكن الشاعر الوحيد إلى جانب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.[٣]

حرص حسّان -رضي الله عنه- على هجاء قريش بأنسابهم والحروب التي خاضوها وخسروا فيها، فتلك الأمور ممّا كانت تقع من قريش موقعاً عظيماً وتزعجها، ولو أنّه هجاهم بكفرهم وتكذيبهم لَما أهمهم ذلك، ولذلك كان لسان حسّان هو سيفه الذي يدافع به عن الإسلام والمسلمين، فلم يشهد مع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- معركة ولا غزوة، حيث ورد عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ حسّان -رضي الله عنه- مؤيّد بروح القدس، حيث قال: (إنَّ رُوحَ القُدُسِ لا يَزالُ يُؤَيِّدُكَ، ما نافَحْتَ عَن اللهِ و رسولِهِ)،[٤] وقال أيضاً عن هجاء حسان -رضي الله عنه- لقريش: (هجاكم حسانُ فشَفَى واشْتَفَى)، توفّي حسّان بن ثابت -رضي الله عنه- عام 54 للهجرة، وكان ذلك في عهد معاوية بن أبي سفيان وقد ناهز المئة والعشرين عاماً من عمره.[٥][٣]

كان من شعر حسّان -رضي الله عنه- في مدح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:[٣]

نبي أتانا بعد يأس وفترة من الرسل
والأوثان في الأرض تعــــــبد
فأمسى سراجاً مستنيراً وهادياً
يلوح كما لاح الصقيل المهند
وأنذرنا ناراً وبشر جـنة
وعلمنا الإسلام، فالله نحمد
وأنت إله الخلق ربي وخالقي
بذلك ما عمرت في الناس أشهد

فضل الصحابة

ورد في النّصوص الشرعيّة ما يدلّ على مكانة الصحابة وفضلهم رضي الله عنهم، منها:[٦]

  • نهى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عن سبّ الصحابة رضي الله عنهم، وأخبر بأنّ نفقة أصحابه مهما قلّت أعظم من نفقة غيرهم من المسلمين الذين يأتون بعدهم مهما كثرت، حيث ورد في صحيح مسلم أنّه قال: (لا تسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيدِه لو أنّ أحدَكم أنفق مثلَ أحدٍ ذهباً ما أدرك مدَّ أحدِهم، ولا نصيفَه).[٧]
  • أخبر الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ زمن الصّحابة -رضي الله عنهم- هو خير زمن وخير من الأزمان التي تتبعه، حيث قال: (خَيرُ النَّاسِ قَرني، ثمَّ الذينَ يلونَهُم، ثمَّ الذينَ يلونَهُم، ثمَّ الذينَ يلونَهُم ثلاثاً ثمَّ يجيءُ قُومٌ مِن بعدِهِم يتسَمَّنونَ ويحبُّونَ السِّمنَ يعطونَ الشَّهادةَ قبلَ أن يُسْألوها).[٨]
  • مدح الله -تعالى- في القرآن الكريم ووعدهم بجنات النعيم، فقال: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).[٩]

المراجع

  1. د.عبد الله بن حمود الفريح (2014-1-21)، “معرفة الصحابة والتابعين”، www.alukah.ne، اطّلع عليه بتاريخ 2018-3-28. بتصرّف.
  2. د. سامية منيسي (2016-11-26)، “تعريف الصحابي”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-3-28. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت ث “حسان بن ثابت شاعر الرسول”، www.islamstory.com، 2006-5-1، اطّلع عليه بتاريخ 2018-3-28. بتصرّف.
  4. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 2086، صحيح.
  5. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 7019، صحيح.
  6. د. نايف بن أحمد الحمد، “فضائل الصحابة رضوان الله عليهم”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-3-28. بتصرّف.
  7. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2540، صحيح.
  8. رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عمران بن الحصين، الصفحة أو الرقم: 2302، صحيح.
  9. سورة التوبة، آية: 100.