أين دفن عمرو بن العاص
الصحابيّ عمرو بن العاص
شهد عصر الرسول صلى الله عليه وسلّم دخول أفواج من المشركين إلى الإسلام، حتى أصبح للرسول عليه الصلاة والسلام صحابة من خير رجالات قريش، الذين ضحّوا بحياتهم بعد إسلامهم في سبيل جعل كلمة الله تعالى هي العليا، ورفع الراية الإسلامية على رؤوس القمم، هاهو الصحابي الجليل عمرو بن العاص، رضي الله عنه، يسطر في تاريخ الإسلام أسمى معاني الشرف والبسالة والرجولة، الرجل الذي قدّم أعظم التضحيات لفتح بلاد المسلمين، ولدحر عدو الإسلام، ووصف عمرو بن العاص، بداهية قريش، ورجل العالم، وكان خير مثال يضرب للذكاء والفطنة، والحزم ومناعة الرأي.
نسبه ولقبه
هو عمرو بن العاص بن سيد بني سهم، بن وائل السهمي، المكنّى بأبي عبدالله، ولد عام 592 م، وتوفي عام 682 م، عن عمر يناهز 80 عاماً، وتربطه بالصحابي الجليل عقبة بن نافع علاقة أخوية ( أخوه من الأم).
أطلق الفاروق عمر بن الخطاب لقب “أرطبون العرب” على عمرو بن العاص، نظراً لشده دهائه، إذ كان من أدهى دهاة عصره، ورويت عن حدة ذكائه ودهائه قصص تشبه الخيال، ويمتاز بعقلية قيادية حربية.
عمرو بن العاص قبل الإسلام
قامت قبيلة قريش قبل أن يعلن عمرو بن العاص إسلامه بإرساله إلى الحبشة، ليلتقي ملك الحبشة النجاشي، ليطالبه بتسليم المسلمين الذين قد خرجوا من مكة مهاجرين إلى الحبشة هرباً من قريش وأعادتهم إلى مكة المكرمة ليتم فرض العقاب عليهم وإرجاعهم إلى دينهم الأول، وردّهم عن دين محمد صلى الله عليه وسلّم، ولم يلاقي عمرو بن العاص إستجابة لطلبه من النجاشي.
إسلام عمرو بن العاص
توّجه عمرو بن العاص مع خالد بن الوليد وعثمان بن طلحة إلى المدينة المنوّرة بعد هزيمة المسلمين لقريش في غزوة الأحزاب، ليعلن إسلامه وكان ذلك في السنة الثامنة للهجرة،عندما أسلم عمرو بن العاص قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن مكة قد ألقت إلينا أفلاذ كبدها”، أي خيرة أبنائها، وتبع إسلام الصحابة عمرو بن العاص، وخالد بن الوليد، وعثمان بن طلحة رضوان الله عليهم جميعاً إسلام الكثير من أهل مكة، وقويت على إثر إسلامهم شوكة الإسلام، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أسلم عمرو بن العاص: “أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص”.
قال عمرو بن العاص عندما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي فقلت: “ابسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه، قال فقبضت يدي، فقال: مالك يا عمرو؟ قلت: أردت أن أشترط، قال: تشترط بماذا؟، قلت: أن يغفر لي، قال: أما علمت أنّ الإسلام يهدم ما كان قبله؟ وأنّ الهجرة تهدم ما كان قبلها؟ وأنّ الحج يهدم ما كان قبله؟” وما كان أحد أحبّ إليّ من رسول الله ولا أجل في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت، لأنني لم أكن أملأ عيني منه إجلالاً له، ولو متّ على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة”.
عمرو بن العاص في الحروب
قاد عمرو بن العاص رضي الله عنه في أول مهمة كلّفه بها رسول الله صلى الله عليه وسلّم سرية “ذات السلاسل”، ليمشي خلفه 300 مجاهداً في سبيل الله، وذلك لتفريق جموع أعداء الإسلام الذين نووا عزو المدينة المنورة، لتكون المفاجأة بأنّ جيش الأعداء الغزاة يفوق السرية المسلمة عدداً، فقام الرسول صلى الله عليه وسلم بتكليف أمين الأمة الصحابي الجليل أبي عبيدة عامر بن الجراح بقيادة 200 من المهاجرين والأنصار واللحاق بسرية ذات السلاسل التي يقودها عمرو بن العاص كإمداد لهم، وكان من ضمن المجاهدين الذين لحقوا بسرية ذات السلاسل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب.
مّن الله تعالى على المسلمين بالنصر في هذه المعركة بقيادة عمرو بن العاص، وتمكّن المسلمون من دحر عدوهم ورّد العدوان عن المدينة المنورة، رافضاً بأن يتبع المسلمين أعداءهم ليلاحقوهم، ومن مواقف ذكائه وفطنته، رفضه لحاق المسلمين بأعدائهم وإشعال النار للتدفئة في الليلة التي باتوا فيها في ساحة المعركة، وعند عودته إلى المدينة استفسر الرسول صلى الله عليه وسلم عن سبب ذلك فكان جوابه : قال: “كرهت أن يتبعوهم فيكون لهم مدد فيعطفوا عليهم، وكرهت أن يوقدوا ناراً فيرى عدوّهم قلتهم ”
شارك عمرو بن العاص في فتوحات بلاد الشام، وفي معركة اليرموك، وفتح فلسطين، فتمكّن من فتح غزة، وسبسطية، ونابلس، وبيني، وعمواس، وبيت جبرين، ورفح، ويافا، وعندما كان الفاروق عمر بن الخطاب يستذكر حصار بيت المقدس، يقول “رمينا أرطبون الروم بأرطبون العرب” وقال كلامه هذا لما أبداه عمر بن العاص من الذكاء والبراعة في الحرب.
عمرو بن العاص فاتح مصر
توّلى عمرو بن العاص قيادة 4000 جنديّ في جيوش المسلمين المتوجهة إلى فلسطين والأردن لفتحها، وبالطبع، تمّكن من استغلال الموقف بشدة ذكائه بأن طلب من الفاروق عمر بن الخطاب أن يفتح مصر حتى يتمكّن المسلمين من حماية حدود بلاد الشام من هجمات الرومان، وعلى الفور وافق عمر بن الخطاب على ذلك وسلّمه زمام الأمور وولاّه قيادة الجيش المتوّجه لفتح مصر، وتمكّن من إتمام مهمته بنجاح وفتح مصر، ووّلي أميراً على مصر لفترة ثم قام عثمان بن عفان بعزله وتسليم الولاية للصحابي الجليل عبدالله بن أبي السرح.
يقال بأن الخليفة عمر بن الخطاب قد قام باستشارة كبار الصحابة في الأمر رأوا ألا يدخل المسلمين في حرب قاسية، وقام عمر بن الخطاب بكتابة رسالة إلى عمرو بن العاص جاء فيها ” إذا بلغتك رسالتي قبل دخولك مصر فارجع، وإلا فسر على بركة الله”، وحين وصل البريد إلى عمرو بن العاص وفطن إلى ما في الرسالة، فلم يتسلمها حتى بلغ العريش، فاستلمها وفضها ثم سأل رجاله: أنحن في مصر الآن أم في فلسطين؟، فأجابوا: نحن في مصر، فقال: إذن نسير في سبيلنا كما يأمر أمير المؤمنين”.
وفاة عمرو بن العاص
توفي عمرو بن العاص في مصر في عام 682 م، عن عمر يناهز 90 عاماً، ودفن في مصر قرب المقطم وهو حي من أحياء القاهرة الجديدة في عصرنا الحالي، تاركاً خلفه ابن واحد اسمه عبدالله.
بقي عمرو بن العاص يردد: عجباً لمن نزل به الموت وعقله معه كيف لا يصفه؟”، فلما جاءت سكرات الموت قال ابنه عبد الله بن عمرو بن العاص بأنه قد ذكّره بقوله، مطالباً أباه أن يصف له الموت، وقال: صفه، قال: ” يا بني الموت أجلّ من أن يوصف ولكني سأصف لك أجدني كأنّ جبال رضوى على عنقي، وكأن في جوفي الشوك، وأجدني كأن نفسي يخرج من إبرة”، وحين اشتدت السكرات واقتربت الروح من الصعود إلى خالقها فقال: “اللهم إنّك أمرت بأمور ونهيت عن أمور تركنا كثيراً مما أمرت ورتعنا في كثير ممّا نهيت اللهم لا إله إلا أنت “.