كيف ماتت فاطمة الزهراء

السيدة فاطمة الزهراء

هي فاطمة بنت محمّدٍ بن عبدالله بن عبد المُطّلب بن هاشم بن عبد مناف، الهاشميّة، القُرشيّة، سيّدة نساء أهل الجنّة، وأصغر بنات رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، وأمّها هي أمّ المؤمنين خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها-، وُلِدت فاطمة الزهراء -رضي الله عنها- قبل بعثة النبيّ -عليه الصلاة والسلام- بخمس سنواتٍ، وكانت تُكنّى بأمّ أبيها، وبالزهراء، وقد تزوّجها عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- في العام الثاني للهجرة بعد غزوة بدر، فأنجبت منه: الحسن، والحُسين، ومُحسن، وأمّ كلثوم، وزينب -رضي الله عنهم-،[١] ولا بُدّ من الإشارة إلى أنّ فاطمة الزهراء -رضي الله عنها- ضربت أروع الأمثلة في حُسن الخُلق، والأدب، والتربية؛ فقد نشأت في بيت النبوّة، وبعد أن تزوّجت كانت نِعْم الأمّ، ومثالاً يُقتدى به في الدعوة إلى الإسلام، وتربية الأبناء، وأداء حقوق الزوج، وبرّ الوالدين؛ إذ كانت قائمةً على خدمة أبيها، واقفةً معه في دعوته، وكفاحه، وصموده، ولم تغفل عمّا يجب عليها من عبادة الله -سبحانه-، فكانت تتبتّل إلى ربّها بالصلاة، وقيام الليل، وتلاوة القرآن الكريم، زهدت في الحياة الدنيا، وصبرت على ما فيها، واحتسبت ذلك كلّه عند ربّها.[٢]

قصة وتاريخ وفاة السيدة فاطمة الزهراء

كانت وفاة فاطمة الزهراء -رضي الله عنها- بعد وفاة النبيّ -عليه الصلاة والسلام- بستّة أشهرٍ، وبالتحديد في عهد أبي بكر الصدِّيق -رضي الله عنه-، فقد ورد في الحديث عن أبي بكر -رضي الله عنه-: (…وعَاشَتْ بَعْدَ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ…)،[٣][٤] وذهب محمد بن علي إلى أنّ وفاتها كانت بعد وفاة النبيّ -عليه الصلاة والسلام- بثلاثة أشهرٍ، وبيَّن ابن بريدة أنّها عاشت بعد النبيّ -عليه الصلاة والسلام- سبعين يوماً، وقال عمرو بن دينار: “تُوفِّيت فاطمة بعد رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بثمانية أشهر”، وممّا يدلّ على أنّها أوّل أهل بيت رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- لحوقاً به ما ورد عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، أنّ فاطمة حدّثتها أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أسَرَّ إلَيها، فقال: (إنَّ جِبْرِيلَ كانَ يُعَارِضُنِي القُرْآنَ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً، وإنَّه عَارَضَنِي العَامَ مَرَّتَيْنِ، ولَا أُرَاهُ إلَّا حَضَرَ أجَلِي، وإنَّكِ أوَّلُ أهْلِ بَيْتي لَحَاقًا بي. فَبَكَيْتُ، فَقالَ: أما تَرْضَيْنَ أنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ أهْلِ الجَنَّةِ، أوْ نِسَاءِ المُؤْمِنِينَ فَضَحِكْتُ لذلكَ).[٥][٦]

وقد اختلف أهل العلم في تحديد عُمر فاطمة الزهراء -رضي الله عنها- عند وفاتها؛ إذ ذهب الإمام الذهبيّ -رحمه الله- إلى أنّ عمرها كان أربعاً أو خمساً وعشرين عاماً، وبيَّنَ المدائنيّ أنّها تُوفِّيت ليلة الثلاثاء في الثالث من شهر رمضان من العام الحادي عشر للهجرة، وكان عمرها حينئذٍ تسعاً وعشرين سنةً، ووافقه الرأي الواقديّ، وابن الأثير، وذهب سعيد بن غُفير -رحمه الله- إلى أنّها تُوفِّيت وهي بنت سبعٍ وعشرين سنة، إذ ورد أنّه قال: “ماتت ليلة الثلاثاء، لثلاث خلَون من شهر رمضان، سنة إحدى عشرةَ، وهي بنت سبع وعشرين سنةً، أو نحوها”.[٢]

دَفْن السيدة فاطمة ومكان قبرها

تجدر الإشارة إلى أنّ فاطمة الزهراء -رضي الله عنها- كانت أوّل من صُنِع لها النَّعش عند وفاتها كما ذكر ابن عبد البرّ -رحمه الله-؛ والنَّعش هو: ما يُحمَل عليه الميّت، ويتكوّن من سريرٍ يُغطّى بقماشٍ، ويُوضع على القصب، أو جريد النخل، أو الخشب؛ ليُشكّل قُبّةً فوق سرير المرأة؛ ليسترها، وقد صُنِع النَّعش لفاطمة -رضي الله عنها-؛ استجابةً لوصيّتها، علماً أنّ عليّاً بن أبي طالب، وأسماء بنت عُميس -رضي الله عنهما- هما من تولّيا غسل فاطمة الزهراء -رضي الله عنها-، ولم يُسمَح لأحدٍ سواهما من الدخول عليها عند التغسيل.[٧]

وقد أُصيب عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- بحُزْنٍ شديدٍ؛ لفَقْده زوجته فاطمة الزهراء -رضي الله عنها-، إلّا أنّه تولّى أمر دفَنها، وكان دَفنها في الليل،[٨] وبيّن الحافظ -رحمه الله- أنّ سبب دَفنها ليلاً يرجع إلى وصيّتها؛ وذلك لأنّها كانت تتحرّى الزيادة في السَّتْر، وقد اختلفت الروايات في بيان مَن صلّى عليها؛ إذ قِيل إنّ عليّاً بن أبي طالب -رضي الله عنه- هو مَن صلّى عليها، وقِيل إنّه أبو بكر الصدِّيق -رضي الله عنه-، وقِيل العباس بن عبد المُطّلب -رضي الله عنه-، وقِيل إنّه نزل في قبرها مع عليّ بن أبي طالب، والفضل بن العباس -رضي الله عنهم جميعاً-،[٩] أمّا قَبْرها -رضي الله عنها-، فقد وردت العديد من الروايات التي تُحدّد مكانه بالتفصيل؛ فقد دُفِنت -رحمها الله- في البقيع بالقُرب من الزقاق التي تَلي زاوية دار عقيل، وقِيل إنّ القبر بالقُرب من زاوية دار عقيل ممّا يَلي دار أبي نبيه.[١٠]

ولا بُدّ من الوقوف على شدّة حُزن ومُصاب المسلمين بفَقْد بنت رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-؛ فقد عمّ الحُزن أرجاء المدينة، وفاضت المدامع حتى ابتلّت لِحى الصحابة -رضي الله عنهم-؛ ألماً، وحُزناً على فراق آخر أبناء نبيّهم -عليه الصلاة والسلام-، وكان أشدّ الناس حُزناً لوفاة الزهراء زوجها عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه-؛ إذ أنشد قائلاً في وفاتها -رضي الله عنها:[٩]

لكلِّ اجتماعٍ من خليلَين فُرقةٌ

وكلُّ الذي دون الفراق قليلُ

وإن افتقادي واحداً بعد واحد

دليلٌ على أن لا يدومَ خليلُ

المراجع

  1. الشيخ صلاح نجيب الدق (14/1/2018 ميلادي – 26/4/1439 هجري)، “من هي فاطمة الزهراء؟”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 7-4-2020. بتصرّف.
  2. ^ أ ب عبد الستار الشيخ (2015)، فاطمة الزهراء رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأم الحسنين رضي الله عنهما (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 357،358،352. بتصرّف.
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي بكر، الصفحة أو الرقم: 3092، صحيح.
  4. أبو بِشْر محمد بن أحمد بن حماد بن سعيد بن مسلم الأنصاري الدولابي الرازي (1407هـ )، الذرية الطاهرة النبوية (الطبعة الأولى)، الكويت: الدار السلفية، صفحة 110. بتصرّف.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 3623، صحيح.
  6. أبو عمر يوسف بن عبدالله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي (1412 هـ – 1992)، الاستيعاب في معرفة الأصحاب (الطبعة الأولى)، بيروت : دار الجيل، صفحة 1894، جزء 4. بتصرّف.
  7. محمود محمد خطاب السبكي (1351 – 1353 هـ )، المنهل العذب المورود شرح سنن الإمام أبي داود (الطبعة الأولى)، مصر : مطبعة الاستقامة، صفحة 30، جزء 9. بتصرّف.
  8. أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع الهاشمي، الطبقات الكبرى ، صفحة 29. بتصرّف.
  9. ^ أ ب عبد الستار الشيخ (2015)، فاطمة الزهراء رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأم الحسنين رضي الله عنهما (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 346-347، 354-355. بتصرّف.
  10. علي بن عبدالله بن أحمد الحسني الشافعي (1419)، وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 89، جزء 3. بتصرّف.