ما هو رسم المصحف

تعريف رسم المصحف وفائدته

يُعرف علم رسم المُصحف بأنّه العلم الذي يُختصّ بمعرفة مُخالفة الرسم في المصاحف العُثمانيّة لأصول الرسم القياسيّ، وذلك من حيث الحذف والزيادة والبدل والفصل والوصل وغير ذلك، وفائدة دراسة هذا العلم تتمحور حول حفظ المصاحف من مُخالفة المُصحف الإمام الذي كتبه الصحابة الكرام- رضي الله عنهم-، وهذه الفائدة تتحقّق للمُختصّين بالقُرآن وعُلومه، والدارسين للغة العربيّة والمُهتمين برسمها، كما أنّ القارئ للقُرآن يكون على يقين بأنّه الكلام الذي أنزله الله -تعالى- على نبيّه -عليه الصلاة والسلام- بلا خلل في أيّ جهةٍ منه، وذلك لأنّ جميعها مستند إلى صُحف أبي بكر -رضي الله عنه-، وتمييز فيه القراءة الصحيحة من الشاذّة؛ لأن من أركان القراءة الصحيحة موافقتها للرسم العُثمانيّ، كما أنّه يُمثّل مرحلة من مراحل تطوّر الكتابة العربيّة التي تؤدّي إلى بناء التُراث العلميّ والحضاريّ، وفيه فهم ضبط المُصحف وعلامات ذلك.[١]

تاريخ رسم المصحف

يعود السبب في ظُهور علم رسم المُصحف إلى أنّ النّاس في زمن كتابة المُصحف كانوا يكتبونه بما يجدونه في صُحفهم، وساروا على ذلك في زمن الصحابة -رضي الله عنهم- والتابعين وتابعيهم، إلى أن أَسَّس عُلماء اللُغة في البصرة والكوفة ضوابط للكتابة وروابط لبناء أقيستهم النحويّة عليها، وكذلك أصولهم الصرفيّة بناءً على الخط القياسيّ أو الإصطلاحيّ المخترع وسموه رسم المُصحف بالخطّ المتّبع، وكانوا كُلّما تقدّم بهم الزمن ظهرت الحاجة إلى ضبط القواعد وتوحيدها، وقد بقي القُرآن الكريم على رسمه الأوّل الذي كتبه به الصحابة الكرام -رضي الله عنهم-؛ ليكون بعيداً عن التحريف والتبديل والخطأ، وقد أدّى ذلك إلى ظُهور اختلاف بين كتابة المُصحف والكتابة الإملائية ممّا أدّى بعلماء القراءات والرسم إلى تأليف كتب لشرح هذه الاختلافات وبيانها، وذلك بضبط القواعد والأصول مع التطبيق العلميّ لها من الكلمات القُرآنيّة،[٢] وأمّا التفريق بين تاريخ علم رسم المصحف ومكانته بين المُتقدّمين والمتأخّرين فكان على النحو الآتي:

  • عند المُتقدميّن: أجاز النبي -عليه الصلاة والسلام- رسم المُصحف بما كتبه كُتّاب الوحي من الصحابة الكرام -رضي الله عنهم-، ثُمّ جاء أبو بكر -رضي الله عنه- وكتبه في مصحف واحد على نفس الرسم، وجاء بعده عُثمان -رضي الله عنه- ونسخ المُصحف بنفس الرسم، وأقرّه على ذلك الصحابة الكرام -رضي الله عنهم-، ولم يُخالف به أحد حتى تابعي التابعين، وكان في رسم المُصحف بعض الكلمات المُخالفة للنطق، وبعضها الآخر تُرسم بغير الرسم المُعتاد؛ لأغراض شريفة تخصّ أسرار القُرآن، وقد سُئل الإمام مالك عن كتابة المُصحف باللهجات الحديثة؛ فأجاب أن يُكتب بالرسم الأوّل له، وجاء عن البيهقي قوله: إنّ كتابة المُصحف ينبغي أن تكون على الهجاء الذي كُتب به؛ لأن كتابته على زمن النبي -عليه الصلاة والسلام- كانت حسب ما كان ينقله عن جبريل -عليه السلام-، بدليل أنّ أوّل كلمة كانت إقرأ وتعني قراءته من الكتاب.[٣]
  • عند المُعاصرين: وصّى مجمع البُحوث الإسلاميّة بالأزهر باعتماد الرسم العُثمانيّ لكتابة المُصحف؛ للمُحافظة عليه من التحريف، وقرّر مجلس المجمع الفقهي الإسلاميّ في مكّة المُكرمة وقرار هيئة كبار العُلماء في المملكة العربيّة السعودية بالإجماع على عدم جواز تغيير كتابة المُصحف عن الرسم العُثمانيّ، ووجوب البقاء على كتابته به؛ اتّباعاً للصحابة الكرام -رضي الله عنهم- وأئمة السلف، وحفاظاً عليه من التغيير أو التحريف.[٤]

قواعد رسم المصحف

تُقسم قواعد رسم المُصحف إلى ستِ قواعد، وهي كما يأتي:[٥](ملاحظة: يجب العودة إلى المصحف الكريم والنظر في رسم الآيات فيه في الأمثلة الوارد ذكرها)

  • القاعدة الأولى “الحذف”: تكون القراءة إمّا بحذف الإشارة فتكون موافقة لبعض القراءات؛ كقوله -تعالى-: (وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً)،[٦] فتُقرئ بحذف الألف التي بعد الواو في كلمة واعدنا، كما وتُقرئ بإثباتها؛ فحُذفت إشارة إلى قراءتها بالحذف، والقراءة الثانية تكون بإثباتها كما جاءت موافقةً للرسم تقديراً، وإمّا أن يكون الحذف اختصاراً؛ كحذف الألف في جمع المُذكر والمؤنث السالم، كقوله -تعالى-: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ)،[٧] وكُلها كُتبت بحذف الألف، وإمّا أن يكون الحذف اقتصاراً على بعض الكلمات دون بعض، كقوله -تعالى-: (وَلَو تَواعَدتُم لَاختَلَفتُم فِي الميعادِ)،[٨] فرسمت بحذف الألف التي بعد العين في كلمة الميعاد في سورة الأنفال فقط.
  • القاعدة الثانيّة “الزيادة”: تكون الزيادة في بعض الحروف؛ كزيادة حرف الواو في قوله -تعالى-: (وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)،[٩] وزيادة حرف الياء في قوله -تعالى-: (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ).[١٠]
  • القاعدة الثالثة “البدل”: تكون بجعل حرف مكان حرف، كإبدال الياء من الألف؛ ككلمة أنى، وعلى، وإبدال الواو من الألف؛ ككلمة الغداة، كما في قوله -تعالى-: (يَدعونَ رَبَّهُم بِالغَداةِ وَالعَشِيِّ)،[١١] وإبدال الصاد من السين؛ ككلمة الصراط فأصلها السراط، وإبدال التاء من الهاء، ككلمة رحمت الواردة في قوله -تعالى-: (أُولَـٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّـهِ)،[١٢] وإبدال الألف من النون، كقوله -تعالى-: (قُل لَو كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقولونَ إِذًا لَابتَغَوا إِلى ذِي العَرشِ سَبيلًا).[١٣]
  • القاعدة الرابعة “الفصل والوصل”: تكون بقطع الكلمة عمّا بعدها أو وصلها به، كقوله -تعالى-: (أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا)،[١٤] وقوله -تعالى-: (أَمَّنْ هَـذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ).[١٥]
  • القاعدة الخامسة” رسم الهمزة”: تختصّ بالعديد من الحالات، وهي كما يأتي:
    • إذا كانت ساكنة: تكون في وسط الكلمة أو في آخرها؛ فتُرسم بحسب الحرف الذي قبلها، فإن كان مفتوحاً رُسمت ألفاً، كقوله -تعالى- في سورة الواقعة: (أَنشَأْتُم)،[١٦] وإن كان مكسوراً رُسمت ياءً، وإن كان مضموماً رُسمت واواً؛ كقوله -تعالى-: (اللُّؤْلُؤُ).[١٧]
    • إذا كانت مُتحركة: تكون حسب موقعها؛ فإن جاءت في بداية الكلام فإنّها تُرسم ألفاً دائماً، كقوله -تعالى-: ( أَبصِر بِهِ وَأَسمِع)،[١٨] وإن جاءت في وسط الكلمة فإن كان قبلها مُتحرّك فإنّها تُرسم ألفاً إن كانت مفتوحة وقبلها فتح؛ ككلمة “سَأَلُوا”، وإن جاءت مكسورة تُرسم ياءً بعد الحركات الثلاث؛ ككلمة “بَارِئِكُمْ”، وكذلك إن كانت مفتوحة أو مضمومة وقبلها كسر؛ ككلمة “سَنُقرِئُك”، وتُرسم واواً إذا جاءت مضمومة بعد حرف مفتوح، ككلمة “رَءُوف”، أو جاءت مفتوحة بعد حرف مضموم؛ ككلمة “مُّؤَجَّلاً”، وأمّا إن جاءت بعد حرف ساكن فإنّها تُحذف؛ ككلمة “يَسئَمون”، باستثناء إذا جاء قبلها ألف أو كانت مضمومة بعد ألف فإنها تُرسم واواً؛ ككلمة “هَاؤُم”، وأمّا إن جاءت في آخر الكلمة فإن كان قبلها مُتحرّك فإنها تُرسم بحسب صورة الحرف الذي منه حركته، ككلمة “بَدَأ”، وإن كان الحرف ما قبلها ساكناً لم تُرسم صورتها؛ ككلمة “شيء”، وخرج عن قواعد الهمزة بعض الإستثناءات؛ ككلمة “رئيا”، الواردة في قوله -تعالى-: (أَحسَنُ أَثاثًا وَرِئيًا).[١٩]
  • القاعدة السادسة “ما كان فيه قراءتان ورُسم على إحداها”: يمكن أن يكون في الكلمة قراءتان ويُكتب بإحداهما اقتصاراً؛ ككلمة “بمصيطر”، فتقرأ بالسين والصاد، ولكنها كُتبت بالصاد اقتصاراً، وقد تكون فيها قراءتان أو أكثر وتُرسم برسم واحدٍ صالح لها؛ ككلمة “مالك”، فتُقرأ مالك، وملك، ومَلَك، وإمّا أن يكون في الكلمة قراءتان ورُسم بهما؛ ككلمة “وسارعوا”، فقرأها نافع، وابن عامر، وأبو جعفر بغير واو قبل السين على الاستئناف، وقرأها الباقون بواو العطف؛ فالقراءتان لا تحتملان رسماً واحداً؛ فكُتبت بواو قبل السين في المصاحف المكيّة والكوفيّة والبصريّة، وكُتبت بحذفها في المصاحف المدنيّة والشاميّة.

التطورات الطارئة على رسم المصحف

يُشير التاريخ إلى أنّ هُناك بعض التغيُرات التي طرأت على الرسم العُثماني الذي كُتب به المُصحف؛ بهدف الحفاظ عليه من الخطأ، وتيسير قراءته للناس بعد اختلاط المسلمين غير العرب مع المُسلمين العرب، وهذه التغيُّرات كانت مُنتقدةً في البداية، ولكن تبيّنت فائدتها بعد ذلك، ومن هذه التغيُّرات شُكِّلَ المُصحف؛ حيث كان في البداية بدون شَكل، ثُمّ نُقِّط،[٢٠] وق كان رسم المصحف بدون نقط الإعجام والحركات، وبقي كذلك حتى النصف الثاني من القرن الأوّل الهجري فبدأت الدراسات في العراق بمعالجة اللُغة العربية من حيث العلامات، فكان أبو الأسود الدؤلي أوّل من اخترع الطريقة التي تُميّز بين الحركات بالنقاط الحُمر؛ فجعل نقطة فوق الحرف للدلالة على الفتحة، ونقطة تحت الحرف للدلالة على الكسرة، ونقطة أمام الحرف للدلالة على الضمّة، وجعل نقطتين إشارة إلى التنوين، ثُمّ جاء بعده تلميذه نصر بن عاصم الليثي فاخترع نقط الإعجام التي تُميّز بين الحروف المُتشابهة في الرسم؛ كالتفريق بين الدال والذال وغير ذلك، بتوجيه من الحجّاج بن يوسف الثقفيّ.[٢١]

وبسبب صعوبة الكتابة بطريقة النُقط الحُمر التي وضعها أبو الأسود الدؤلي واختلاطها بنقط الإعجام، جاء الخليل بن أحمد الفراهيديّ ووضع الحركات على شكل حُروفٍ صغيرة مكان النقاط الحُمر، ووضع علامات للهمزة والشدّة والروم والإشمام، وأطلق على ذلك علم النقط والشكل، ثُمّ سُمّي بعد ذلك بعلم الضبط وأُلّفت فيه بعض المؤلفات ومن أشهرها كتاب المحكم في علم نقط المصاحف لعمرو الدانيّ وغيرها من المؤلفات،[٢٢] والشكل هو رسم الحركات والسكون والشدّة والمدّ على الحروف، وكانت بعض المصاحف تُشكَل بناءً على بعض القراءات،[٢٣] وقد كان سبب إحداث النقط للقُرآن أنّ المصاحف التي كتبها عُثمان -رضي الله عنه- ووزّعها على الأمصار أمضى النّاس يقرؤون فيها لمدّة طويلة، وقد كثر الخطأ على ألسنة الناس وخاصّةً في الحروف المُتشابهة في الرسم، واستمر الخطأ بعد ذلك بعدم تمييز الشكل بالحركات ممّا استدعى وضع ما يُسمى بنقط الإعجام عن طريق نصر بن عاصم ويحيى بن يعمر والحسن وفرّقوا بين نقط أبو الأسود، وجعلوا المداد المُستعمل في النقط نفس المداد المُستعمل في كلمات القُرآن؛ لمنع التشابه بينهما.[٢٤]

المراجع

  1. غانم قدوري الحمد (2012)، الميسر في علم رسم المُصحف وضبطه، جدة: الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم، صفحة 27-28. بتصرّف.
  2. فهد بن عبد الرحمن بن سليمان الرومي (2003)، دراسات في علوم القرآن الكريم (الطبعة الثانية عشر)، صفحة 339. بتصرّف.
  3. محمد شملول (2006)، إعجاز رسم القرآن وإعجاز التلاوة (الطبعة الأولى)، القاهرة: دار السلام، صفحة 17-19. بتصرّف.
  4. شعبان محمد إسماعيل (2012)، رسم المصحف وضبطه بين التوقيف والاصطلاحات الحديثة (الطبعة الثالثة)، القاهرة: دار السلام، صفحة 82-86. بتصرّف.
  5. ياسر السيد نوير (2016)، قواعد الرسم العثماني وحكمه، صفحة 58-62. بتصرّف.
  6. سورة البقرة، آية: 51.
  7. سورة الأحزاب، آية: 35.
  8. سورة الأنفال، آية: 42.
  9. سورة ص، آية: 29.
  10. سورة الذاريات، آية: 47.
  11. سورة الأنعام، آية: 52.
  12. سورة البقرة، آية: 218.
  13. سورة الإسراء، آية: 42.
  14. سورة النساء، آية: 109.
  15. سورة الملك، آية: 21.
  16. سورة الواقعة، آية: 72.
  17. سورة الرحمن، آية: 22.
  18. سورة الكهف، آية: 26.
  19. سورة مريم، آية: 74.
  20. السيد رزق الطويل ( 1985)، مدخل في علوم القراءات (الطبعة الأولى)، مكة المكرمة: المكتبة الفيصلية، صفحة 277. بتصرّف.
  21. غانم بن قدوري بن حمد بن صالح، آل موسى فَرَج (2003)، محاضرات في علوم القرآن (الطبعة الأولى)، عمان: دار عمار ، صفحة 84-85. بتصرّف.
  22. غانم بن قدوري بن حمد بن صالح، آل موسى فَرَج (2003)، محاضرات في علوم القرآن (الطبعة الأولى)، عمان: دار عمار ، صفحة 85. بتصرّف.
  23. محمد بن أبي بكر المرعشي الشهير بساجقلي زاده ( 1988)، ترتيب العلوم (الطبعة الأولى)، بيروت: دار البشائر الإسلامية، صفحة 134. بتصرّف.
  24. محمد بن عبد الله التنسي (1420 هـ)، الطراز في شرح الخراز، المدينة المنورة: مكتبة الملك فهد الوطنية، صفحة 45-48. بتصرّف.