ما جزاء الظالم في الدنيا
الظُّلم
حرّم الله -سبحانه وتعالى- الظُّلم على نفسه، وجعله أيضاً مُحرَّماً بين عباده، فقد جاء في الحديث القُدسيّ أنّ الله -تعالى- يقول: (يا عبادي، إنّي حَرَّمتُ الظُّلمَ على نفسي وجعلتُه بينكم مُحرَّماً، فلا تظالموا)،[١] والظلم هو مجاوزة الحدّ الذي وضعه الشّارع، وهو أيضاً وضع الأمر في غير موضعه الذي شَرَعَه الله تعالى، وكذلك فإنّ كلّ ذنب يُعصى به الله -سبحانه وتعالى- هو ظلم، ولكن إن كان فيه عدوان على حقّ الغير؛ فهو ظلم للغير، وإن لم يكن فيه حقّ للغير؛ مثل الشّرك بالله؛ فهو ظلم للنّفس.[٢]
وقد أوضح النبيّ محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- هذَيْن النوعين من الظلم، وكيف يجازي الله -سبحانه وتعالى- كلّاً منهما، حيث قال: (الظلمُ ثلاثةٌ؛ فظُلمٌ لا يغفرُهُ اللهُ، وظلمٌ يغفرُهُ، وظلمٌ لا يتركُهُ، فأمّا الظلمُ الذي لا يغفرُهُ اللهُ فالشِّركُ، قال اللهُ: إِنَّ الْشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ، وأمّا الظلمُ الذي يغفرُهُ اللَّهُ فَظُلْمُ العبادِ أنفسهمْ فيما بينهُمْ وبينَ ربِّهمْ، وأمّا الظلمُ الّذي لا يتركُهُ اللهُ فظُلمُ العبادِ بعضهمْ بعضاً حتى يَدِينَ لبعضِهِمْ من بعضٍ).[٣]
تحذير الإسلام من الظُّلم
حذّر الله -سبحانه وتعالى- من الظلم في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، كذلك حذّر الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- منه في السنّة النبويّة، وبيان ذلك فيما يأتي:
- قال الله تعالى: (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).[٤]
- قال الله تعالى: (وَلَو تَرى إِذِ الظّالِمونَ في غَمَراتِ المَوتِ وَالمَلائِكَةُ باسِطو أَيديهِم أَخرِجوا أَنفُسَكُمُ اليَومَ تُجزَونَ عَذابَ الهونِ بِما كُنتُم تَقولونَ عَلَى اللَّهِ غَيرَ الحَقِّ وَكُنتُم عَن آياتِهِ تَستَكبِرونَ).[٥]
- قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (اتقوا الظلمَ، فإنَّ الظلمَ ظلماتٌ يومَ القيامةِ).[٦]
- قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (بابانِ مُعجَّلانِ عُقوبتُهما في الدنيا: البَغْيُ، والعقُوقُ).[٧]
جزاء الظالم في الدنيا
قضى الله -سبحانه وتعالى- أن يُمهل الناس الظالم ولا يعجّلوا لهم العقوبة؛ لحِكَم كثيرة، منها: استدراج الظالم ليأخذه الله -تعالى- على أقبح حالٍ وأشنع صورةٍ، وفي ذلك قال الله سبحانه وتعالى: (إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ)،[٨] وقد يكون الإمهال فرصةً للتّوبة والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى، فمن صفاته أنّه حليم، أو أنّ المظلوم قد سبق له ظلم أحد في حياته، فيكون الظلم الواقع عليه عقوبةً له على ظُلمه السابق.[٩][٢]
إنّ الله -سبحانه وتعالى- توعّد للظالمين بتعجيل العقوبة لهم في الدنيا؛ لسوء الظلم، وكثرة أضراره على المجتمع، حيث قال الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: (ليس شيءٌ أُطِيعَ اللهُ -تعالى- فيه أعجلَ ثواباً من صلَةِ الرحِمِ، وليس شيءٌ أعجلَ عقاباً من البغْيِ وقطيعةِ الرَّحم)،[١٠] ولذلك فإنّ عقوبة الظالم في الدنيا قد تظهر في خاتمته، فتكون نهايته أليمةً شديدةً؛ انتقاماً للمظلوم، حيث قال الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: (إن اللهَ ليُملي للظالمِ، حتّى إذا أخذه لم يفلتْهُ، قال: ثمّ قرأ: (وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)[١١])،[١٢] كما أنّ الله -سبحانه وتعالى- يخزي الظالم في الدنيا، ويذيقه مرارة الحياة وذلّها، ثمّ يذيقه عذاب الآخرة يوم القيامة، ومن مظاهر العقوبة الدنيويّة للظالم الحرمان من البركة وزوال النِّعم، فقد قال الله -تعالى- في سورة القلم، عن أصحاب الجنّة الذين عزموا على عدم إعطاء الفقراء حقّهم منها: (إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ*وَلَا يَسْتَثْنُونَ*فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ*فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ*فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ*أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ*فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ*أَن لَّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ*وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ*فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ*بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ).[١٣][١٤][٢]
وقد أخبر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ دعاء الإنسان بالظلم غير مُستجاب، ومن ذلك الدّعاء بإثمٍ، أو بقطيعة رحم؛ حيث قال: (لا يزالُ يُستجابُ للعبدِ ما لم يدعُ بإثمٍ، أو قطيعةِ رحمٍ)،[١٥][١٦] ومن صور العقوبة التي تحلّ بالظالم في الحياة الدنيا القِصاص، فقد جعل الله – تعالى- القِصاص وسيلةً لأخذ الحقّ من الظالم، حيث قال الله تعالى: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)،[١٧][١٨] كما أنّ الله -سبحانه وتعالى- أخبر في القرآن الكريم أنّه يُضلّ الظالمين في الحياة الدنيا، ولا يهديهم إلى الرُّشد والصلاح، حيث قال الله تعالى: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذينَ آمَنوا بِالقَولِ الثّابِتِ فِي الحَياةِ الدُّنيا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظّالِمينَ وَيَفعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ).[١٩][٢٠]
صوَر من جزاء الظالمين في الدنيا
أخبر الله -سبحانه وتعالى- في القرآن الكريم عن جزاء العديد من الظالمين في الدنيا، وكيف أخذهم وأهلكهم بظلمهم وسوء عملهم، ومن ذلك ما يأتي:
- جزاء فرعون مصر الذي عاث في الأرض فساداً، وظلم أهل مصر ظلماً شديداً، في زمن موسى عليه السّلام، حيث قال الله تعالى: (فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي اليَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ*وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ القِيَامَةِ لاَ يُنصَرُونَ*وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ القِيَامَةِ هُم مِّنَ المَقْبُوحِينَ).[٢١][٢٢]
- جزاء قوم ثمود الذين استكبروا على الإيمان بالله تعالى، ورفضوا اتّباع صالح عليه السّلام، حيث كانت عاقبتهم الصّيحة التي أخبر عنها الله سبحانه وتعالى، حيث قال: (وَأَخَذَ الَّذينَ ظَلَمُوا الصَّيحَةُ فَأَصبَحوا في دِيارِهِم جاثِمينَ*كَأَن لَم يَغنَوا فيها أَلا إِنَّ ثَمودَ كَفَروا رَبَّهُم أَلا بُعدًا لِثَمودَ).[٢٣][٢٤]
دعاء المظلوم
تعهّد الله -سبحانه وتعالى- باستجابة دعاء المظلوم ولو كان كافراً، حيث ورد عن الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: (اتّقوا دعوة المظلوم، وإن كان كافراً، فإنّه ليس دونها حِجاب)،[٢٥] وبذلك فقد جعل الله -سبحانه وتعالى- الدّعاء سلاحاً للمظلوم؛ ليرفع به الظلم عن نفسه، فينصره الله تعالى، وينتقم له مِمّن ظلمه، وقد جُعِل لدعاء المظلوم شأن عظيم في السماء، وفي ذلك قال الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: (دعوةُ المظلومِ تُحمَلُ على الغَمامِ، وتُفتَحُ لها أبوابُ السَّمواتِ، ويقولُ الرَّبُّ تبارَك وتعالى: وعِزَّتي لَأنصُرَنَّكِ ولو بعدَ حِينٍ)؛[٢٦] والسّبب في ذلك أنّ المظلوم يكون منكسراً، ومحتاجاً، وملحّاً، ومتذللاً لله -تعالى- في دعائه، كما يكون ضعيفاً لا يملك نصرة نفسه، ولا الاستنصار بغيره من النّاس لدفع الظلم عن نفسه.[٢][٢٧]
المراجع
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي ذر الغفاريّ، الصفحة أو الرقم: 2577، صحيح.
- ^ أ ب ت ث “الظلم وعاقبته “، www.almunajjid.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-2-2. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 3961، حسن.
- ↑ سورة الشورى، آية: 42.
- ↑ سورة الأنعام، آية: 93.
- ↑ رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 135، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 2810، صحيح.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 178.
- ↑ “لماذا لا يعجل الله تعالى بهلاك الكفار؟ ولماذا المسلمون في تأخر؟”، www.islamqa.info، 2006-8-4، اطّلع عليه بتاريخ 2018-2-2. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 5391، صحيح.
- ↑ سورة هود، آية: 102.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي موسى الأشعريّ، الصفحة أو الرقم: 4686، صحيح.
- ↑ سورة القلم، آية: 17-27.
- ↑ “الظلم من أسباب الحرمان ومحق البركة”، www.islamweb.net، 2008-9-4، اطّلع عليه بتاريخ 2018-2-2. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2735، صحيح.
- ↑ “الدعاء بغير وجه حق هل يقبل”، www.islamweb.net، 2008-3-23، اطّلع عليه بتاريخ 2018-2-4. بتصرّف.
- ↑ سورة المائدة، آية: 45.
- ↑ أ. د. عمر بن عبد العزيز قريشي (2014-5-20)، “القصاص”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-2-4. بتصرّف.
- ↑ سورة إبراهيم، آية: 27.
- ↑ خميس النقيب (2014-4-29)، “ويضل الله الظالمين”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-2-4. بتصرّف.
- ↑ سورة القصص، آية: 40-42.
- ↑ محمد حسن بريغش (2014-4-23)، “الطاغية والطغيان من خلال قصة فرعون “، www.ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-2-2. بتصرّف.
- ↑ سورة هود، آية: 67-68.
- ↑ د. منقذ بن محمود السقار، “الاعتبار بمصارع الأمم”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-2-3. بتصرّف.
- ↑ رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 149، صحيح.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 874.
- ↑ د. محمد بن عبد الله بن إبراهيم السحيم (2014-9-14)، “دعوة المظلوم”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-2-4. بتصرّف.