أسباب الرزق الواسع
نظرة الإسلام لقضية الرزق
ما من إنسانٍ إلّا وباله مشغولٌ بقضية الرزق، ويفكّر به في كلّ يومٍ، ويسعى لتوفير المال لأنفسهم وعائلاتهم، ولتوفير المأكل والمشرب والملبس والدراسة وسائر الحاجات الإنسانية، لذلك فقد اعتنى الإسلام بقضية الرزق، ووضع لها القواعد الاعتقادية التي ينبغي على المسلم الإيمان بها أثناء سعيه لتحصيل لقمة عيشه، ومن تلك القواعد الحثّ على العمل، وكراهية الكسل والخمول، فالكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة حثّت الإنسان على العمل والمثابرة، منها: قول الله تعالى: (وَقُلِ اعمَلوا فَسَيَرَى اللَّـهُ عَمَلَكُم وَرَسولُهُ وَالمُؤمِنونَ)،[١] وكذلك فقد نهى الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- عن الذلّ وسؤال الناس، وعدّ العمل شرفاً للإنسان مهما كان متواضعاً، كما أوضح الإسلام أنّ الرزق لا يتعلّق بالمال فقط، فالإيمان رزقٌ، وحب الله ورسوله رزقٌ، والزوجة الصالحة رزقٌ، وهكذا تتنوع الأرزاق التي تأتي كلّها من الله -تعالى- الرازق، ثمّ إنّ الإسلام يؤكّد دائماً على أنّ أرزاق العباد كلّها على الله عزّ وجلّ، فلا رازق سواه، ولو سأله خلقه جميعاً ما يشاؤون فأعطى كلاً منهم سؤله ما نقص ذلك من مُلكه شيئاً.[٢]
ومن الأمور التي أقرّها الإسلام حول الرزق أيضاً وجعلها أصلاً مهماً من أصول الإيمان؛ أنّ رزق الله الذي يقدّره لإنسانٍ ما لا يمكن أن يفوته أبداً، بل لا بدّ أن يحصل عليه، فقد قال الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- في ذلك: (إنَّ نفساً لن تموتَ حتى تستوفِيَ رزقَها)،[٣] وهذا الأصل المهم يعلّم الناس أنّ ما قدّره الله لهم من أرزاقٍ سيأتيهم لا محالةً، وما لم يكتبه لهم فلن يصلهم أبداً، فلا حاجة لهم بالنهب والسرقة ونحوها، كما يقرّر الإسلام ألّا ترابط بين محبة الله تعالى للعبد، ومقدار ما يرزقه من كثرةٍ وقلّةٍ، فالله -عزّ وجلّ- يرزق الجميع، وقد يزيد في رزق أهل الضلال في هذه الدنيا، ويقتر على أهل الإيمان والصلاح، فليس مردّ ذلك إلى محبته لأهل الضلال أو بغضه لأهل الإيمان، والله يعطي الدنيا لمن يحب ومن لا يحب، أمّا الإيمان فلا يعطيه إلّا لمن يحب، ومن قواعد الإسلام في الرزق أيضاً أنّ البركة تحلّ فيه مع الطاعة، كما أنّه يُمحق بالمعاصي حتى وإن كان كثيراً، كما أنّ استعجال الحصول على الرزق من أبواب الحرام يمنع الحلال عن العبد.[٢]
أسباب الرزق الواسع
يسعى كلّ عبدٍ في الدنيا لتوسيع رزقه والزيادة فيه، فالرزق الواسع نعمةٌ وزينةٌ للحياة الدنيا، كما أخبر الله تعالى: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)،[٤] وقد جعل الله -تعالى- أسباباً يُمكن للإنسان من خلالها تحصيل الرزق الواسع، كما يحصل على الأجر والمثوبة بفعلها والمواظبة عليها، ممّا يؤدي به إلى نعيم الدنيا والآخرة، وفيما يأتي بيان بعض تلك الأسباب:[٥]
- تقوى الله تعالى، فقد أخبر الله في القرآن الكريم أنّه يرزق من اتقى بغير حسابٍ، قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ).[٦]
- كثرة الاستغفار؛ فالاستغفار له العديد من الفوائد العظيمة على العبد، كما أنّه يسيرٌ وسهلٌ ويمكن القيام به في كلّ الأوقات، وهو سببٌ من أسباب الرزق الوافر، كما أخبر الله -تعالى- على لسان نوح عليه السلام، حيث قال: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا*يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا*وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا).[٧]
- الإلحاح على الله بالدعاء، فالدعاء من وسائل التواصل بين العبد وربّه جلّ وعلا، ويمكنه من خلال ذلك أن يطلب منه قضاء حاجته، أو شفاءه من مرضه، أو تيسير أمرٍ له، أو تفريج كربٍ وقع فيه، أو توسيع رزقه، وغير ذلك من حاجاته، ومن المهم عند الدعاء أن يبتهل الإنسان إلى الله تعالى بطلب ما يشاء من الرزق، وأن يكون محقّقاً للتوحيد والإخلاص، حريصاً على أن يكون مأكله وملبسه من مالٍ حلالٍ.
- المواظبة على التسبيح في كلّ وقتٍ، وفي كلّ مكانٍ، فهو يملأ ميزان الحسنات، كما ينفعه الله تعالى به، ويرزقه.
- التوكّل على الله عزّ وجلّ، وذلك بأن يعتقد أنّ الله -تعالى- هو المُعطي وهو المانع، ولا يمكن لأي مخلوقٍ أن ينتزع من الإنسان ما كتبه الله تعالى له، فيكتفي في طلبه للرزق بالأسباب المشروعة، ويمضي متوكّلاً على الله تعالى.
- المواظبة على صلاة الضحى؛ فهي من الأمور التي حثّ عليها النبي صلّى الله عليه وسلّم، وفيها فضلٌ كبيرٌ، كما أنّها من أسباب جلب الرزق بأنواعه المختلفة.
- الزواج؛ والزواج نعمةٌ عظيمةٌ، ومنفعته كبيرةٌ للفرد والمجتمع بشكلٍ عامٍ، وقد أخبر النبي -صلّى الله عليه وسلّم- عن عون الله تعالى لمن أراد الزواج، حيث قال: (ثلاثةٌ حقٌّ علَى اللهِ عونُهم: المجاهِدُ في سَبيلِ اللهِ، والمكاتَبُ الَّذي يريدُ الأداءَ، والنَّاكِحُ الَّذي يُريدُ العفافَ).[٨]
- إخراج الصدقات، فقد أخبر الله -تعالى- أنّ الصدقة لا تنقص من مال صاحبها، بل تنميه وتزيده وتبارك فيه، قال الله -تعالى- في ذلك: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ).[٩]
أهمية شكر الله على الرزق
بالشكر تزداد النعم وتنمو، فقد قال الله تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأْزِيدَنَّكُمْ)،[١٠] وشكر النعمة دليلٌ على اتزان مقاييس النفس الإنسانية، وذلك لأنّ الأصل في الخير الشكر عليه، وهذا هو جزاؤه عند أصحاب الفطر السليمة، كما أنّ الإنسان الذي يشكر الله -تعالى- على رزقه له وإنعامه عليه يجب عليه عدم البطر بها، أو اتخاذها سبباً في الاستعلاء على الآخرين، ولا يسخّرها في الفساد والشرور والأذى، وذلك كلّه سبب في تزكية النفس ودفعها للعمل الصالح، ممّا يُرضي العباد عن صاحب النعمة أيضاً، فيكونون عوناً دائماً له، ممّا يُصلح الروابط الاجتماعية، ويُعين على نمو ثروات المجتمع بشكلٍ آمنٍ، وهكذا يظهر أنّ شكر النعمة لا يعود بشيءٍ إلى الله تعالى، فهو الغني الحميد سبحانه.[١١]
المراجع
- ↑ سورة التوبة، آية: 105.
- ^ أ ب حسام العيسوي إبراهيم، “قضية الرزق، وكيف نظر الإسلام إليها؟”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-4. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 2742، صحيح.
- ↑ سورة الكهف، آية: 46.
- ↑ أبو الحسن هشام المحجوبي، وديع الراضي (2017-8-6)، “أسباب السعة في الرزق”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-4. بتصرّف.
- ↑ سورة الطلاق، آية: 2-3.
- ↑ سورة نوح، آية: 10-12.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1308، حسن.
- ↑ سورة البقرة، آية: 276.
- ↑ سورة إبراهيم، آية: 7.
- ↑ أنور ابراهيم النبراوي، “ثلاثون باباً للرزق الباب الثالث: شكرُ النِّعم”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-4. بتصرّف.