تقوى الله في السر والعلن

أهميّة التقوى في حياة المسلم

أوصى الله -سبحانه- عباده بالتقوى في كلّ حينٍ، حيث قال: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)،[١] وكذلك فهي وصيّة الأنبياء -عليهم السلام- لأقوامهم، حيث ورد في الحديث عن نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم: (أوصيكم بتقوى اللهِ والسَّمعِ والطَّاعةِ)،[٢] وعن هود -عليه السلام- وعموم الأنبياء ذكر -تعالى- في كتابه الكريم توجيههم لأقوامهم قائلين: (إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ)،[٣] وتقوى الله خير زاد يتزوّد به المسلم للقاء ربّه، قال الله تعالى: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ*الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ)،[٤] فكان هذا كلّه وغيره من الأفضال العائدة على المتّقين دليلٌ على أهميتها في حياة الإنسان، ودافعٌ ليبحث عنها، ويستزيد منها.[٥]

تعريف التقوى

ورد في تعريف التقوى لغةً واصطلاحاً على النحو الآتي:

  • معنى التقوى لغةً: لفظ التقوى اسم للفعل اتّقى، ويأتي بمعنى خاف وخشي، ويُقال: شديد التقوى؛ لشديد التنسّك والعبادة مخافةً لله سبحانه، وأصل لفظ التقوى من وقيا؛ ولكنّ الياء قُلبت واواً؛ للتفريق بين الاسم والصفة.[٦]
  • معنى التقوى اصطلاحاً: عرّف العلماء التقوى اصطلاحاً عدّة تعريفات؛ منها: تعريف ابن حبيب؛ حيث قال إنّ التقوى أن تعمل بطاعة الله على نورٍ من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نورٍ من الله، تخاف عقاب الله، فبهذا التعريف شملت التقوى كلّ معروفٍ يؤدّيه المسلم، يبتغي به وجه الله -تعالى- أولاً، ثمّ يكون عمل خيرٍ وبرٍّ فيه رضوان الله سبحانه، وفي حقيقة التقوى قال ابن القيم رحمه الله: العمل بطاعة الله إيماناً واحتساباً، أمراً ونهياً، فيفعل ما أمر اللهُ به؛ إيماناً بالأمر وتصديقاً بوعده، ويترك ما نهى اللهُ عنه؛ إيماناً بالنهي، وخوفاً من وعيده.[٧]

تقوى الله في السرّ والعلن

إنّ كمال تقوى الله -سبحانه- يكون بإتيان طاعته وترك نواهيه، في جميع الحالات والظروف التي يمرّ فيها الإنسان، فإذا كانت تقوى الله في العلن أمام الناس سهلةً قريبة المنال، فإنّها قد تكون أصعب حين يختلي المسلم بنفسه، لا يراقبه إلّا الله وحده، حينها تظهر حقيقة تقوى الله ومراقبته في قلب المرء، وقال الشافعي -رحمه الله- واصفاً ذلك: _أعزّ الأشياء ثلاثة: الجود من قلّة، والورع في خلوة، وكلمة الحقّ عند من يُرجى ويُخاف)، فوصف الورع وهو واحدٌ من صفات المتقين بأنّه من أعزّ الأشياء الصعبة المنال، أو تكاد تكون مفقودة بين الناس إذا كان المرء خالياً لوحده، ولقد امتدح الله -سبحانه- أهل مراقبته والإيمان به في الخلوات، وخصّهم بالذكر في القرآن الكريم أكثر من مرّةٍ، حيث قال في أحد المواضع: (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ)،[٨] وفي المقابل ذمّ من يستخفي من الناس خجلاً أن يرتكب الحرام أمامهم، ثمّ يتجرأ على الله في خلوته، فيفعل ما لا يُرضيه، فقال: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا).[٩][١٠][١١]

ورد عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه كان يسأل الله -تعالى- أن يرزقه تقواه في السرّ والعلن، حيث كان يقول في دعائه: (وأسألُكَ خشيتَكَ في الغيبِ والشَّهادةِ)،[١٢] وبهذا أوصى الصحابة رضي الله عنهم، ثمّ عمّم ذلك على جميع المسلمين، فقال: (اتَّقِ اللهَ حيثما كنتَ)،[١٣] وحتى يجتهد المسلم في تقوى الله -سبحانه- في السرّ والعلانية فقد أخبره الله -تعالى- أنّه مطّلع عليه في كلّ حينٍ وكلّ حالٍ، لعلّ ذلك يعينه على دوام مراقبته أينما حلّ وارتحل، حيث قال: (مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)،[١٤] فإذا تيقّن المسلم مراقبة الله سبحانه، وقُربه منه طول الوقت أعانه ذلك على التزام الأوامر، والانتهاء عن النواهي في أي حالٍ، حتى يبلغ درجة المحسنين، وهم الذين يعبدون الله كأنّهم يرونه، وهي أعظم الدرجات التي قد يصلها المسلم في قُربه من الله تعالى، قال الله عزّ وجلّ: (إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ).[١٥][١١]

صفات المتقين

ذكر الله -سبحانه- في كتابه الكريم العديد من صفات المتقين، وبيّنها لأهلها، ومن صفات المتقين الواردة في القرآن الكريم:[١٦]

  • الإيمان بالغيب إيماناً جازماً، حيث قال الله تعالى: (ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ*الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ).[١٧]
  • العفو والصفح عن الزلّات، قال الله عزّ وجلّ: (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى).[١٨]
  • تحرّي الصدق في الأقوال والأفعال، حيث قال الله -تعالى- فيهم: (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ).[١٩]
  • تعظيم دين الله وشعائره، قال الله تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ).[٢٠]
  • تحرّي العدل والحُكم به، وعدم الجور والظلم، قال الله تعالى: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).[٢١]
  • عدم الإصرار على الذنوب، بل الإسراع إلى التوبة والاستغفار، حيث قال الله سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ).[٢٢]

المراجع

  1. سورة النساء، آية: 131.
  2. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن العرباض بن سارية، الصفحة أو الرقم: 5، أخرجه في صحيحه.
  3. سورة الشعراء، آية: 124.
  4. سورة يونس، آية: 62-63.
  5. “أهمية التقوى في حياة المسلم”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-6-29. بتصرّف.
  6. “معنى كلمة التقوى”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-6-29. بتصرّف.
  7. “وتزودوا فإن خير الزاد التقوى”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-6-28. بتصرّف.
  8. سورة الملك، آية: 12.
  9. سورة النساء، آية: 108.
  10. “قول: اتقوا الله وراقبوه في السر والعلن، جائز أم محرّم؟”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-6-29. بتصرّف.
  11. ^ أ ب “مراقبة الله في الخلوات”، www.ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-6-29. بتصرّف.
  12. رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن قيس بن عباد أو عبادة، الصفحة أو الرقم: 1304، صحيح.
  13. رواه المنذري، في الترغيب والترهيب، عن أبي ذر الغفاري و معاذ بن جبل، الصفحة أو الرقم: 4/127، إسناده حسن أو صحيح أو ما قاربهما.
  14. سورة المجادلة، آية: 7.
  15. سورة النحل، آية: 128.
  16. “وتزودوا فإن خير الزاد التقوى”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-6-29. بتصرّف.
  17. سورة البقرة، آية: 2-3.
  18. سورة البقرة، آية: 237.
  19. سورة الزمر، آية: 33.
  20. سورة الحج، آية: 32.
  21. سورة المائدة، آية: 8.
  22. سورة الأعراف، آية: 201.