مفهوم الأخوة في الإسلام
الأُخوّة في الإسلام
الأخوّة في اللغة مصدر (أَخَا)؛ وهي: صِلَةُ التضامُن والمَودَّة، يُقال: بينهما علاقة أُخُوَّة؛ أي رابطةٌ بين الأخ وأخيه، وهي أيضاً علاقة تضامن وصداقة مبنيَّة على المَودَّة والتَّعاون بين أعضاء جماعة،[١] أمّا في الاصطلاح، فتُعرَّف بأنّها: علاقةٌ قويّةٌ مُتبادلةٌ قائمةٌ على تقوى الله -سبحانه-، والإيمان به، وهي تُؤدّي بأطرافها إلى المَحبّة في الله -تعالى-، بالإضافة إلى الحُبّ، والإخلاص، والوفاء، والثقة، والصدق، بعيداً عن السَّعي إلى تحقيق أيّ غرضٍ أو هدفٍ دُنيويٍّ؛[٢] فرابطة الأخوّة الإسلاميّة رابطةٌ لا مثيل لها، ذات أثرٍ عميقٍ، بخِلاف غيرها من الروابط والعلاقات،[٣] وقد جعل الله -سبحانه- رابطة الأخوّة الإسلاميّة بين كلّ أفراد الأمّة، وبذلك أُبطِلت أيّ عَصَبيّةٍ باطلةٍ، كما صرّح بذلك أيضاً النبيّ -عليه الصلاة والسلام- بقوله: (المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ ولا يَخْذُلُهُ، ولا يَحْقِرُهُ)،[٤] وبذلك فإنّ الأخوّة الإسلاميّة أظهرت القوة، والعزّة، والمَنَعة للمسلمين.[٥]
مشروعيّة الأخوّة في الإسلام
شرع الله -تعالى- الأُخوّة الإسلاميّة؛ فكانت تشريعاً ربّانياً، ومبدأً إسلاميّاً، وصِلةً أمر الله بها؛ ولذلك فإنّ الجدير بالمسلم أداء ما عليه من الواجبات، ونَيْل حقوقه، ورعاية ذلك كلّه بما شرعه الله -سبحانه- في كتابه، وسُنّة نبيّه، قال الله -تعالى- في أُخوّة المسلمين: (فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا)؛[٦] أيّ أنّ الإسلام نشرَ الأُخوّة بين مُعتنقيه؛ فقد مَنَّ الله -تعالى- على عباده بجعلهم إخواناً بعد أن كانوا مُفرَّقين؛ قال -تعالى- تأكيداً على رابطة الأخوّة اللازمة والدائمة: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)،[٧] كما جمع الإسلام بين أفراده، وأنشأ بينهم علاقةً متينةً، وذكر القرطبيّ أنّ الأخوّة بالدِّين والحُرمة، وليس بالنَّسب، وبيّن الشوكانيّ أنّ أصل المسلمين واحدٌ؛ وهو الإيمان، وممّا يدلّ على أهميّة الأخوّة، تأسيس النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- الدولة الإسلاميّة في المدينة المُنوَّرة على أساس الأُخوّة؛ ممّا يُبيّن أنّ الأخوّة قائمةٌ على الدِّين والعقيدة؛ إذ آخى النبيّ بين المهاجرين والأنصار في دولته، وأكّد على رابطة الأخوّة بين المسلمين في خطبة حجّة الوداع؛ ولذلك فإنّ من الجدير بكلّ مسلمٍ تجاه أخيه أن يحرص على النُّصرة، والتكافُل، والتعاوُن، والولاء، وغير ذلك من الحقوق.[٨]
حقوق الأُخوّة في الإسلام
اهتمّ الإسلام بالحقوق المُترتِّبة على الأُخوّة الإسلاميّة؛ فإمّا أن تكون عامّةً، أو خاصّةً؛ فمن الحقوق العامّة: إفشاء السلام ورَدّه، وزيارة المريض، واتّباع الجنائز، وإجابة الدعوة، والوفاء بالعهد، وتشميت العاطس، ونُصرة المظلوم، ومساعدة المكروب، وعدم تتبُّع عيوب الآخرين، والتيسير على المُعسِر، وعدم الظلم أو التحقير، وغيرها، ومن الحقوق الخاصّة: عدم الهَجْر بما يزيد عن ثلاثة أيّامٍ لأسبابٍ شخصيّةٍ، والحرص على مساعدة الآخرين في شتّى الأحوال، وتفقُّد أحوالهم، وقضاء ما يحتاجونه، والابتعاد عن غِيبة الآخرين، أو ذِكْر عيوبهم، والحرص على التجاوُز عن الأخطاء، وتقبُّل النصيحة من الآخرين، والأمر بالمعروف، والنَّهي عن المُنكر، وغيرها، وتجدر الإشارة إلى أنّ الحقوق الخاصّة أهمّ وأعظم من الحقوق العامّة.[٩]
مظاهر الأُخوّة في الإسلام
تظهر الأُخوّة بين المسلمين في العديد من الأمور والسلوكيّات، بيان البعض منها آتياً:[١٠]
- التناصُر: فلا يظلم المسلم أخاه المسلم، بل يُبعد عنه أيّ شيءٍ قد يُسبّب له الأذى؛ قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (انْصُرْ أخاكَ ظالِمًا أوْ مَظْلُومًا فقالَ رَجُلٌ: يا رَسولَ اللَّهِ، أنْصُرُهُ إذا كانَ مَظْلُومًا، أفَرَأَيْتَ إذا كانَ ظالِمًا كيفَ أنْصُرُهُ؟ قالَ: تَحْجُزُهُ، أوْ تَمْنَعُهُ، مِنَ الظُّلْمِ فإنَّ ذلكَ نَصْرُهُ).[١١]
- التراحُم: بأن يكون المجتمع المسلم مجتمعاً مُتراحماً مُتماسكاً قويّاً كالجسد الواحد، قائماً على المَودّة والرحمة، بعيداً عن المَكر أو الشرّ.
- التعاوُن: أمر الله -تعالى- المؤمنين بالتعاون فيما بينهم بما يُحقّق لهم الخير والتقوى؛ قال -عزّ وجلّ-: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)،[١٢] ومن صُور التعاون على البِرّ والتقوى: الأمر بالمعروف، والنَّهي عن المُنكَر، ومساعدة الآخرين بقضاء ما يحتاجون إليه، ورعاية الأيتام، وإكرام الضيوف، والوقوف إلى جانب الضعيف، وبذلك تتحقَّق وحدة المسلمين؛ قال -تعالى-: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ).[١٣]
- التناصُح: فالتناصُح أو المُناصَحة من النُّصح، والمُراد به: الإخلاص، واقترانها بالأخوّة الإسلاميّة يدلّ على إرادة المسلم لأخيه المسلم الخير والصلاح كما يريده لنفسه، وكرهه الشرّ لهم كما يكرهه لنفسه؛ فيُشفق عليهم، ويودّهم، ويرحم الصغير منهم، ويحترم الكبير، ويحزن لِما يحلُّ بهم، ويفرح لفرحهم، ويسعى فيما يُحقّق المصلحة والخير لهم.
وسائل تعميق الأخوّة الإسلاميّة
يسعى المسلم إلى تعميق الأخوّة مع الآخرين بالعديد من الوسائل والطُّرق التي تُحقّق ذلك، ومنها: إخبار المسلم لأخيه المسلم بحبّه له، وطلب الدعاء منه، واستقباله بالسرور والبهجة والابتسامة، والمبادرة بالسلام عليه ومصافحته، والوقوف إلى جانبه في الظروف التي يمرّ بها، ومساندته، وإمداده بالقوّة، ومساعدته عند الحاجة، وزيارته بين الحين والآخر، وأداء ما له من حقوقٍ بشكلٍ كاملٍ.[١٤]
كيفيّة الحفاظ على الأخوّة الإسلاميّة
حرص الإسلام على التآخي، والتناصُح، والحفاظ على علاقة الأُخوّة الإسلاميّة بشتّى نواحيها؛ وذلك بأن يساعد المسلم أخاه في صلاح حاله، والتحلّي بالأخلاق الحَسنة؛ فلا يصحّ أن يترك المسلم مَن كان خُلُقه سيّئاً، أو مَن كانت فيه ما يكرهه من الصفات، بل عليه أن يأخذ بالأسباب، ويُغيّرَه إلى الأفضل، وألّا يتسبّب له بظلمٍ، ولا يؤذيَه في ماله، أو يأكله دون وجه حَقٍّ، ولا في عِرضه، وألّا يبيع على بَيعه، أو يخطِب على خِطبته، وألّا يغدر به أو يخونه، بل يُغيث الملهوف، ويساعد المحتاج، ويُطعم الجائع؛ عملاً بوصيّة النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (كُونُوا عِبادَ اللهِ إخْوانًا).[١٥][١٦]
الآثار الإيجابيّة للأُخوّة على الفرد والمجتمع
تترتّب على الأخوّة الإسلاميّة العديد من الآثار الإيجابية على الفرد والمجتمع على حَدٍّ سواء، ويُذكَر منها:[١٧]
- تحقيق الوحدة والجماعة للمسلمين؛ عملاً بقول الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-: (المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَشَبَّكَ بيْنَ أَصَابِعِهِ).[١٨]
- انعدام الفوارق بين الأفراد على اختلاف مستوياتهم الاجتماعيّة، أو الطبَقيّة، وغير ذلك؛ فلا فَضْل لأحدٍ على الآخر إلّا بما يُقدّمه من عملٍ وجهدٍ، مع المساواة في الحقوق، والواجبات.
- تحقيق التقدُّم والحضارة؛ فالأخوّة لها أثرٌ كبيرٌ في تطوُّر الحضارة، وازدهارها؛ بتحقيق وحدة أفرادها، واجتماعهم، وتعاوُنهم على البِرّ والخير.
- نَيْل رضى الله -تعالى-، ودخول الجنّة التي أعدّها لعباده في الآخرة؛ إذ ثبت في الصحيح عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: (لا تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حتَّى تُؤْمِنُوا، ولا تُؤْمِنُوا حتَّى تَحابُّوا، أوَلا أدُلُّكُمْ علَى شيءٍ إذا فَعَلْتُمُوهُ تَحابَبْتُمْ؟ أفْشُوا السَّلامَ بيْنَكُمْ).[١٩]
- الاستظلال يوم القيامة بظِلّ الله -تعالى- من حَرّ الشمس؛ إذ أخرج الإمام البخاريّ في صحيحه عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- انّه قال: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ، يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ…ورَجُلَانِ تَحَابَّا في اللَّهِ اجْتَمعا عليه وتَفَرَّقَا عليه).[٢٠]
المراجع
- ↑ “تعريف و معنى أخوة في معجم المعاني الجامع”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 6-5-2020. بتصرّف.
- ↑ “الأخوة المفقودة بين الواجب والواقع – الأخوة الصادقة “، www.ar.islamway.net، 21-11-2015، اطّلع عليه بتاريخ 26-4-2020. بتصرّف.
- ↑ وزارة الأوقاف السعودية، القيم الإسلامية، صفحة 76. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2564، صحيح.
- ↑ محمد بن عاشور (2004)، مقاصد الشريعة الإسلامية، قطر: وزارة الأوقاف، صفحة 677، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 103.
- ↑ سورة الحجرات، آية: 10.
- ↑ إسماعيل علي محمد (2012)، الأخوة الإسلامية فريضة شرعية وضرورة عصرية (الطبعة الثانية)، القاهرة: دار الكلمة، صفحة 13-23. بتصرّف.
- ↑ عبد الله علوان، الأخوة الإسلامية، صفحة 20-28. بتصرّف.
- ↑ إسحاق السعدي (2013)، دراسات في تميز الأمة الإسلامية وموقف المستشرقين منه (الطبعة الأولى)، قطر: وزارة الأوقاف، صفحة 430-439، جزء 1.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 6952، صحيح.
- ↑ سورة المائدة، آية: 2.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 103.
- ↑ عبدالله بن جار الله، الأخوة الإسلامية وآثارها، صفحة 16-17. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 2559، صحيح.
- ↑ عبدالعزيز بن عبدالمحسن (13-8-2012)، “المحافظة على الأخوة”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 26-4-2020. بتصرّف.
- ↑ وزارة الأوقاف السعودية، القيم الإسلامية، صفحة 77-78. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي موسى الأشعري، الصفحة أو الرقم: 2446، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 54، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 660، صحيح.