المحافظة على متاع الغير
خلق الأمانة
اتصف المؤمنين الصالحين الذين كتب الله -تعالى- لهم الفلاح بالدنيا والآخرة، بأنّهم يرعون أمانات غيرهم، ويحفظونها ويؤدونها حقّ الأداء؛ حيث وصفهم الله في كتابه، فقال: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ)،[١] وتشمل الأمانة جميع مجالات الحياة، وليس ذلك فحسب؛ وإنّما تشمل ما يتعلّق بأمور الآخرة، فالأمانة تتمثّل بأداء الحقوق والمحافظة عليها، فالمسلم الذي يتصف بخلق الأمانة، يؤدي عباداته تجاه ربّه على أكمل وجهٍ، ويحفظ جوارحه من الوقوع في الحرام، ويؤدي ما للناس عليه من الحقوق، وتعدّ الأمانة خلقٌ جليلٌ وعظيمٌ من أخلاق الإسلام، وافق الإنسان أن يحملها، بينما رفضت السماوات والأرض أن يحملنها، ودليل ذلك قول الله تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)،[٢] كما أنّ الأمانة صفةٌ اتصف بها الأنبياء والمرسلين، فكان كلّ منهم يبيّن لقومه بأنّه رسولٌ أمينٌ بعثه الله إليهم، وأعظم من اتصف به من الرسل النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم؛ فكان معروفاً حتى بين أعدائه، وفي أشدّ مواقف معاداتهم له، بأنّه الصادق الأمين، وجعل رسول الله الاتصاف بالأمانة دليلاً على إيمان المرء، وحُسن خُلقه، كما وصّى رسول الله بالأمانة في خطبته، أثناء حجّة الوداع، وبالتالي فقد أخبر أنّ نزع الأمانة من قلوب الناس، علامةٌ على اقتراب الساعة.[٣]
المحافظة على متاع الآخرين والممتلكات العامة
حين يأخذ أحد الأفراد ما يملك الآخر دون رغبته، فإنّ الله -عزّ وجلّ- لا يغفر يوم القيامة ما بين العباد من الحقوق، فإمّا أن يتسامح الفرد ممن أخذ منه، وإمّا أن يأخذ الله حقّه يوم القيامة، وأمّا من يتعرّض لمن يملكه مجموعةٌ من الناس؛ فهم أيضاً خصماؤه يوم القيامة، وقد لا يكون الاعتداء بالسرقة المباشرة؛ وإنّما في الإساءة لما يملكه عامة المسلمين ويستخدمونه؛ كالطريق العام، فإنّه ملكٌ لكلّ من يمرّ منه، وليس من حقّ أيّ فردٍ أن يقوم بتخريبه، أو توسيخه، بأيّ شكلٍ من الأشكال، ولا يستفيد من يقوم بذلك سوى أذية المسلمين، ونهى الله -عزّ وجلّ- عن التعدّي على أموال المسلمين، حيث قال: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا).[٤][٥]
أهمية الأمانة
لا يقتصر مفهوم الأمانة المتعلّق بشؤون الدنيا بحفظ الودائع، حيث ذكرها الله -تعالى- في كتابه بلفظ الأمانات، مما يدل على أنّ الأمانة لها العديد من المجالات والميادين، وفيما يأتي بيانٌ لتلك المجالات، وأهميتها بشكلٍ مفصلٍ:[٦]
- الأمانة في اختيار العاملون في الدولة؛ فإنّ ذلك الأمر عظيمٌ، لا يدركه مَن يطلبه بنفسه، ولو أدركه لما طلبه، ولذلك لا يعطى ذلك الأمر لمن يطلبه؛ لأنّه لم يدرك حجم المسؤولية فيه، وقد بيّن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ذلك، قائلاً: (إنكم ستَحرصونَ على الإمارةِ، وستكون ندامةٌ يومَ القيامةِ، فنِعْمَ المُرضعةُ، وبئستِ الفاطمةُ)،[٧] وكما بيّن النبي لعبد الرحمن بن سمرة أنّه إن طلب الولاية هو؛ وُكّل إليها، وإن تولاها من غير مسألةٍ؛ أُعين عليها، وقد كانت الخيانة في ذلك المجال من أعظم الخيانات، حيث قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (لكل غادرٍ لواءٌ يومُ القيامةِ، يُرفعُ له بقدرِ غدرِهِ، ألا ولا غادرَ أعظمَ غَدْراً من أميرُ عامةٍ).[٨]
- الأمانة في الودائع؛ وهو المعنى المتبادر لأذهان الناس عند إطلاق لفظ الأمانة، وكان رسول الله القدوة الحسنة في حفظ الودائع والأمانات، فأهل مكة على الرغم من معاداتهم للنبي، إلّا أنّهم لم يجدوا مكاناً لودائعهم، ومن شدّة حرص النبي على أماناتهم، فقد كلّف علياً بن أبي طالب بردّ الودائع بعد هجرته، وقد تخلّف عليٌ عن الهجرة ثلاثة أيّامٍ لذلك السبب.
- الأمانة في حفظ السر؛ فإن حدّث الرجل أخاه بحديثٍ ثمّ التفت، فإنّ ذلك الحديث يبقى أمانةً عنده، ولا يحقّ له أن يتحدّث به لغيره، ويدخل في ذلك المعنى؛ حفظ الزوجين لأسرار بعضهما البعض.
- الأمانة في المشورة؛ فمن استشار أحداً في أمرٍ، فإنّه قد وضع ثقته فيه، فعليه أن يكون أميناً في نصحه له وإرشاده، وأن يُشير عليه بما فيه مصلحةٌ له، وأن يجتهد في ذلك، ويخونه إن أشار عليه بخلاف ذلك.
صور الأمانة
الأمانة بابٌ واسعٌ جداً، وللأمانة أصلان، الأول: في حقّ الله، وما يتعلّق بالقيام بالعبادات، والثاني في حقوق البشر، وفيما يأتي توضيحٌ لما يدخل تحتهما من الصور:[٩]
- الأمانة فيما افترضه الله -تعالى- على عباده من العبادات، فالأمانة بذلك تكون بأن يؤدّي العبد ما افترضه الله عليه من العبادات، فذلك أمانةٌ ائتمنها الله على عباده.
- الأمانة في الأموال، فيحرص الإنسان على أن يعفّ نفسه عمّا ليس له من الأموال، ويؤدّي ما عليه من الأموال لأصحابها، ويدخل في ذلك الوصايا، والمواريث، والودائع، وغيرها، ومنها أيضاً ما يُعطى للإنسان من الأموال من أجل أن يحفظها عنده.
- الأمانة في الأعراض؛ فيكفّ الإنسان نفسه عن الاعتداء على الآخرين؛ كالغيبة، والقذف.
- الأمانة في الأجسام والأرواح؛ والأمانة في ذلك تكون عن طريق أن يكفّ الإنسان يده ونفسه عن التعرّض للجسد بأي سوءٍ، من قتلٍ، أو جرحٍ، أو ضرٍّ، أو أذى.
- الأمانة في العلوم والمعارف؛ فيؤديها كما أخذها من غير تحريفٍ ولا تبديلٍ، ولا زيادةٍ ولا نقصانٍ، مع الحرص على نسبة الأقوال إلى قائليها، وعدم انتحال من ليس لغيره، ونسبته لنفسه.
- الأمانة في الشهادة؛ فيؤديها كما سمعها دون تبديلٍ، ولا تغييرٍ، ولا تحريفٍ، ولا زيادةٍ، ولا نقصانٍ.
- الأمانة في القضاء؛ فيحكم وفق القانون، الذي هو مكلفٌ بتنفيذه، والحكم على مبادئه، والذي فُوض الأمر إليه فيه.
- الأمانة في الكتابة؛ فيكتب الكاتب وفق ما يُملي عليه ممليها، دون تحريفٍ بأيّ شكلٍ من أشكال التحريف، وإن كانت من تأليف الكاتب، فمن المفترض أن يكون حريصاً على أن يكتبها بمضمونها الصحيح، الخالي من أيّ أخطاءٍ.
- الأمانة في الأسرار التي يؤتمن المرء على حفظها؛ ومنه ما يكون بين الرجل وصاحبه من الأمور الخاصة، التي لا ينبغي أن يطّلع عليها غيرهما.
- الأمانة في الرسالات؛ فيؤديها كما حملها، دون تغييرٍ ولا تبديلٍ، سواءً أكانت لفظيةً، أو كتابيةً، أو عمليّةً.
- الأمانة في السمع، والبصر، وسائر الحواس؛ والأمانة فيها تكون بكفّها عن الاعتداء عمّا ليس من حقّها، وأن يحفظها عن الوقوع في معصية الله تعالى.
المراجع
- ↑ سورة المؤمنون، آية: 8.
- ↑ سورة الأحزاب، آية: 72.
- ↑ بدر هميسه، “الإسلام وحفظ الأمانة”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 23-10-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة الأحزاب، آية: 58.
- ↑ عصام الجفري، “المحافظة على الممتلكات العامة “، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-11-2018. بتصرّف.
- ↑ صالح الشامي (1-1-2018)، “أهمية الأمانة”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-10-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 7148، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 1738، صحيح.
- ↑ “صور الأمانة”، dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-10-2018. بتصرّف.