بحث عن حسن الخلق

الأخلاق

تعرّف الأخلاق لغةً؛ بأنّها الطّبع والسجيّة والدّين والمروءة، أمّا الأخلاق في الاصطلاح الشرعيّ، فقد عرّفها الجرجانيّ، فقال: (عبارة عن هيئةٍ للنفس راسخةٍ، تصدر عنها الأفعال بسهولةٍ ويسرٍ، من غير حاجةٍ إلى فكرٍ ورويَّةٍ، فإن كان الصادر عنها الأفعال الحسنة؛ كانت الهيئة خلقًا حسنًا، وإن كان الصادر منها الأفعال القبيحة؛ سمّيت الهيئة التي هي مصدر ذلك خلقًا سيئًا)، والأخلاق في نظر الإسلام؛ هي مجموعة القواعد والمبادئ المنظّمة للسلوك الإنسانيّ، التي يحددها الوحي؛ لتنظيم حياة الإنسان، وتحديد علاقته مع غيره، على نحوٍ يحقّق الغاية من وجوده على أكمل وجهٍ،[١] وهنالك فرقٌ بين الخُلق والتخلّق، فالتخلّق يصدر عن صاحبه متكلّفاً فيه، أمّا الخُلق فيصاحبه يسرٌ وسهولةٌ وعفويّةٌ، ولا يصير التخلّق خُلُقاً إلّا إنّ صار عادةً وصفةً راسخةً في النفس، وقد جعل النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- الغاية من بعثته؛ الدعوة إلى مكارم الأخلاق، فقال: (إنَّما بُعِثْتُ لأُتممَ صالحَ الأخلاقِ)[٢] والأخلاق؛ هي ما يظهر للناس من خلال التعامل معهم، وبناءً عليها يحكمون على دينه، وما كان الخلق في الإسلام مجرّد سلوكٍ عابرٍ أو أمرٍ ثانويٍّ؛ بل هو عبادةٌ يؤجر عليها ومجالاً للتنافس بين المسلمين، فقد بيّن رسول الله أنّ أقرب الناس إليه يوم القيامة من اتّصف بمحاسن الأخلاق، وهي أسباب بقاء الأمم، فالأمّة التي تنهار أخلاقها يوشك كيانها على الانهيار، ومن أهمّ العوامل التي تساعد على إنهاء الخلافات والعداوات بين الناس؛ هو حُسن الخُلق، فكم من عداوةٍ انتهت وحلّت مكانها المودّة، وكان السبب هو حُسن الخُلق.[٣]

أنواع الأخلاق

للأخلاق أقسامٌ وأنواعٌ كثيرةٌ، تقسّم بحسب اعتباراتٍ عديدةٍ، ومنها:[٤]

باعتبار مصدرها وأصلها

وهي أخلاقٌ جبلّيّةٌ غريزيّةٌ؛ أي خلقها الله تعالى في الإنسان وكان مفطوراً عليها، وثانيها: أخلاقٌ مكتسبةٌ، ويحصل عليها الإنسان بالتعلّم والتعوّد، دلّ عليها قوله صلّى الله عليه وسلّم: (إنّما العلمُ بالتَّعلُّمِ، و إنما الحِلمُ بالتَّحلُّمِ)،[٥] وقد جاءت هذه الأخلاق المكتسبة؛ لتكمل الأخلاق الفطريّة وتسقل الشخصيّة.[٤]

باعتبار مَن تُمارَس معه

تقسّم الأخلاق البشريّة باعتبار مَن تُمارَس معه إلى أقسامٍ عديدةٍ، يأتي بيانها على النحو الآتي:[٤]

  • الخُلُق مع الله؛ ويقصد به القواعد والمبادئ التي تحكم وتنظّم علاقة العبد بربّه، وما يندرج تحتها من آدابٍ وسلوكاتٍ وممارساتٍ ظاهرةٍ وباطنةٍ، وترجع الأقسام الأخرى إلى هذا النوع من الأخلاق؛ فجميع ما يصدر عن الإنسان يخضع لحكم التشريع الإسلاميّ، ونابعٌ من مقام عبوديّته لله تعالى.
  • الخُلُق مع النّفس؛ وهو ما يلتزم به العبد تجاه نفسه من الأخلاق، وما يدرّب نفسه عليه من التهذيب والتزكية.
  • الخُلُق مع الخَلق؛ وهو الذي يُعنى بما يلتزم به العبد في تعامله مع الآخرين من الأخلاق والسلوكات، والقواعد التي تضبط علاقته مع غيره، ويندرج تحت هذا القسم من الأخلاق أبوابٌ كثيرةٌ في التعامل مع الخلق، منها: التعامل مع الأنبياء والمرسلين، والتعامل مع المسلمين والكافرين، والتعامل مع الوالدين، وغير ذلك ممّا يشمل جميع ما خلقه الله تعالى.

الأسباب الباعثة على حُسن الخُلق

يحرص المسلم على الالتزام بمكارم الأخلاق لأسبابٍ عديدةٍ وفضائل كثيرةٍ، بيان بعضها كما يأتي:[٦]

  • الاقتداء بالنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في ذلك.
  • دخول الجنّة؛ فإنّ التحلّي بالأخلاق الفاضلة يعدّ سبباً من أسباب دخول الجنّة، كما أجاب رسول الله حين سُئل: (ما أكثرُ ما يُدخلُ الناسَ الجنةَ؟ قال: تقوَى اللهِ، وحُسْنُ الخُلُقِ).[٧]
  • ثقل الميزان يوم القيامة؛ فما من شيءٍ يوضع في الميزان ويثقله كما يفعل حُسن الخُلق.
  • كمال الإيمان؛ فلا يكمل إيمان المسلم إلّا عندما يتحلّى بالأخلاق الحسنة.
  • القرب في المجلس يوم القيامة من رسول الله؛ قفد رُوي عنه أنّه قال: (ألا أُخبركم بأحبِّكم إليَّ وأقربِكم مني مجلسًا يومَ القيامةِ؟ فأعادها مرتَين أو ثلاثًا، قالوا: نعم يا رسولَ اللهِ، قال: أحسنُكم خُلُقًا).[٨]
  • بلوغ درجة الصائم القائم؛ وما ذلك إلّا عند الالتزام بمكارم الأخلاق.
  • تحريم النار؛ فقد حرّم رسول الله النار على كلّ هيّنٍ ليّنٍ سهلٍ.

ويُثاب المؤمن على حُسن الخُلق إذا التزم بالتحلّي به في كلّ أحواله؛ ظاهراً وباطناً، أمام الخَلق ومع نفسه، وإذا لم يغضب إن قُوبل بالجحود والنّكران؛ لأنّه فعل ذلك من أجل الله لا من أجل الخَلق.

الوسائل الموصلة إلى حُسن الخُلق

تتعدّد الوسائل وتختلف حتّى يصل المؤمن إلى حُسن الخُلق ويتحلّى به، وحتّى تصير مكارم الأخلاق عنده سجيّةً لا يمكنه التخلّي عنها بكلّ أحواله وأزمانه، من تلك الوسائل:[٦]

  • الدعاء بحسن الخُلق كما كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يدعو بذلك.
  • التأمل والتفكّر فيما أعدّه الله تعالى لعباده المتحلّين بالخُلق الخلق الحسن من النعيم العظيم.
  • الاستماع إلى نصيحة الآخرين وقبولها مهما كان ذلك الآخر.
  • الاستماع والانتفاع من كلام الأعداء والخصوم وأخذه بعين الاعتبار.
  • مصاحبة وملازمة أهل الفضل والمروءة، والملتزمين بالتحلّي بالأخلاق الفاضلة.
  • الابتعاد ومجانبة أهل السفاهة وكل من يتّصف بشيءٍ من الأخلاق السيّئة.
  • قراءة سيرة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- والتأمل في مواقفه الرائعة التي تتّضح وتتجلّى فيها الأخلاق الفاضلة.
  • الالتزام بفعل الأخلاق الحسنة والتخلّق بها حتّى تصير عادةً وطبعاً؛ وذلك من خلال التمرين العمليّ للنّفس عليها.
  • التعرّف على ما يمكن أن تتّصف به النفس من الصفات السيّئة؛ حتى يتجنّب الوقوع فيها.
  • مجاهدة النفس وبذل ما يستطيعه الإنسان من الوسع والطاقة من أجل أن يتخلّص من الأخلاق السيّئة.

المراجع

  1. “معنى الأخلاق لغة واصطلاحًا”، dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 28-9-2018.
  2. رواه ابن عبد البر، في التمهيد، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 24/333، صحيح.
  3. عبدالسلام غالب (26-8-2013)، “الأخلاق أهميتها وفوائدها”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 27-9-2018. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت إيهاب أحمد (25-3-2014)، “أقسام الأخلاق”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 28-9-2018. بتصرّف.
  5. رواه الألباني ، في صحيح الجامع ، عن أبي الدرداء و أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2328، حسن.
  6. ^ أ ب خالد البلهيد، “حسن الخلق”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 29-9-2018. بتصرّف.
  7. رواه الألباني ، في صحيح الموارد، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1615، حسن.
  8. رواه الألباني ، في صحيح الترغيب، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 2650، صحيح.