كيف حب الله

حب الله تعالى للعبد

إنّ الحب صفةٌ من صفات الله تعالى الفعلية، فهي تتعلق بأفعاله التي إن شاء فعلها، وإن شاء تركها، والحب الذي يوصف به الله تعالى، ليس كحب العباد، بل هو حبٌ يليق بجلال الله تعالى، فكما أنّ ذات الله العليا ليست كذات العباد، فكذلك صفاته، فإنّ حبّ الله ثابتٌ في نصوص الكتاب والسنّة، ويجب الإيمان بثبوت ذلك، ووجوده، مع عدم علم كيفيته، إلّا أنّ العبد يلمس أثر حب الله تعالى، ومن الآثار والعلامات الدالّة على حب الله -تعالى- لعبدٍ من عباده: أن يكون العبد متواضعاً للمؤمنين، وشديداً وغليظاً على الكافرين، وقد ورد هذا الوصف لمن يحبهم الله -تعالى- في القرآن الكريم حين قال تعالى: (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ)[١]، وورد في صفاتهم أنّهم يجاهدون في سبيل الله عزّ وجلّ، بأموالهم، وأنفسهم، ولا يخافون في ذلك لومة أحدٍ، حيث ورد ذلك أيضاً في القرآن الكريم حيث قال الله تعالى: (يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ)،[١] وإنّ الله سبحانه إذا أحبّ عبداً، وضع له القبول في الأرض، فكان ذلك دلالةً على حبّ الله تعالى للعبد، وبذلك يحبه الناس، ويُقبلون عليه، ويهابونه، ويميلون بقلوبهم نحوه.[٢][٣]

ومن الآثار الدالة على حب الله -عزّ وجلّ- للإنسان، أن يقيه من الدنيا وأعراضها، ويصرف عن العبد ما يشغله فيها، فيظلّ قلب العبد نقياً صافياً متوجهاً نحو الله عزّ وجلّ، ومستأنساً به، ويكون ذلك لمن يعلم الله تعالى أنّ الغنى يفسده، أمّا من كانت الدنيا في يده، ولا تشغل قلبه عن الله تعالى، فلا يضره إن ملَك الدنيا، كما كان عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، وهو من المبشرين بالجنة، وإنّ الابتلاء إن كان في النفس، والمال، والولد؛ فإنّ ذلك يعدّ من علامات محبة الله للعبد أيضاً، ودليل ذلك قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (عِظَمُ الأجرِ عندَ عِظَمِ المصيبةِ، وإذا أحبَّ اللهُ قومًا ابتلاهم)،[٤] وإنّ الله ينصر العبد ويؤيده، ويعينه، إذا أحبّه، فقد توعّد الله -سبحانه- من يعادي أولياءه بالحرب، كما ورد في الحديث القدسي الذي قال فيه: (من عادَى لي وليًّا فقد آذنتُه بالحربِ)،[٥] كما أنّ الله يحفظ جوارح من يحبّ من عباده عن الذنوب والآثام، ويجيب دعائه، ويحقق مطلوبه.[٣]

كيفية تحقيق حب الله للعبد

لا بدّ للعبد من معرفة ما يحبه الله تعالى، من أقوالٍ، وأفعالٍ، فيكثر منها، ويلتزمها ويحافظ عليها، حتى يحصل الإنسان على حب الله عزّ وجلّ، ويستحقه، ولا بدّ للعبد كذلك أن يعرف ما يكرهه الله عزّ وجلّ؛ ليجتنبه ويبتعد عنه.[٦]

ما يحبه الله تعالى

فيما يأتي بيان بعض ما يحبه الله تعالى، من أقوالٍ وأفعالٍ وأعمالٍ قلبيةٍ:[٦]

  • تحقيق تقوى الله في قلب الإنسان، فيستحضر خشية الله تعالى، ويحرص على القيام بأوامره، واجتناب نواهيه.
  • التوبة المستمرة من كلّ المعاصي والذنوب التي يرتكبها الإنسان.
  • اتباع سنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والحرص عليها.
  • الإحسان في القول والعمل، فيتقن الإنسان عبادته، ويحسن في تعامله مع النّاس أيضاً.
  • الصبر على طاعة الله تعالى، والصبر على ترك الشهوات، وعلى ما يبتليه الله به من الابتلاءات.
  • الحرص على التطهّر من الأحداث ومن الأقذار جميعها؛ لأنّ الله -تعالى- قال في كتابه العزيز: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ).[٧]
  • اللين والسماحة في البيع والشراء والتقاضي مع الناس، ودليل ذلك قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ سَمْحَ البَيعِ، سَمْحَ الشِّراءِ، سَمْحَ القَضاءِ).[٨]
  • أداء الصلاة في وقتها المشروع لها، والحرص على برّ الوالدين، والجهاد في سبيل الله تعالى.
  • الحرص على نفع النّاس، والسعي الدائم لقضاء حوائجهم.
  • إظهار نِعم الله -عزّ وجلّ- على الإنسان، والتعفف عن سؤال الناس.
  • الحرص على قيام الليل.
  • محبة المؤمنين في الله تعالى، والحرص على التزاور فيما بينهم، وقصد المجالس التي يُقصد بها وجه الله سبحانه.
  • صلة الأرحام، والسير بين الناس بالأمر في المعروف، والنهي عن المنكر.
  • إطعام الطعام، وإدخال السرور على قلوب المؤمنين.
  • الإكثار من التسبيح، والتهليل، والتكبير، وسائر أنواع ذكر الله تعالى، والموت على ذلك الحال.
  • المداومة على الأعمال، وإن كانت قليلة.
  • الاتصاف بمكارم الأخلاق؛ من الستر، والحياء، والرفق، والجود، والحلم، والأناة.
  • التجاوز عن أخطاء الناس، ومسامحتهم، والعفو عن زلاتهم.

ما يكرهه الله تعالى

أمّا ما يكرهه الله -تعالى- من الأفعال والأقوال، فلا بدّ من اجتنابها؛ لتحقيق محبة الله للعبد، وفيما يأتي بيان بعضها:[٦]

  • الكفر بالله عزّ وجلّ، والاستكبار عن عبادته، وطاعته.
  • المعاصي والآثام والذنوب بمختلف أنواعها.
  • الاعتداء على الناس بغير حقٍ.
  • جحد النعم التي ينعم بها الله -تعالى- على عبده.
  • السعي بالفساد في الأرض، ونشر السوء.
  • الإسراف بالمأكل، والمشرب، والملبس وغيره.
  • الظلم، والعقوق، وغيبة الناس، والنميمة بينهم.
  • الفحش في القول والفعل، ودليل ذلك قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ اللَّهَ تعالى ليُبغِضُ الفاحشَ البَذيءَ).[٩]
  • الكِبر، والتكّبر على النّاس، والغرور، والإعجاب بالنفس.
  • الإلحاح في سؤال الناس، وإظهار البؤس أمامهم.
  • كثرة الكلام فيما لا يفيد، وكثرة السؤال، وإضاعة ما أنعم الله -تعالى- به على الإنسان من مالٍ، ومما دلّ على ذلك قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ اللهَ كَرِهَ لكم ثلاثًا: قيلَ وقالَ، وإضاعةَ المالِ وكثرةَ السؤالِ).[١٠]

حال الصحابة مع حب الله تعالى

ورد في حب الصحابة لله عزّ وجلّ العديد من القصص، وفيما يأتي بيان بعضها:[١١]

  • جاء رجل إلى النبي -صلّى الله عليه وسلّم- يسأله عن قيام الساعة، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (ما أعدَدْتَ لها؟ فكأنَّ الرجلَ استَكانَ، ثم قال: يا رسولَ اللهِ، ما أعدَدْتُ لها كبيرَ صيامٍ ولا صلاةٍ ولا صدقةٍ، ولكني أُحِبُّ اللهَ ورسولَه، قال: أنت معَ مَن أحببْتَ).[١٢]
  • بعث الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- رجلاً على سريةٍ، فكان كلما قرأ على أصحابه في الصلاة، ختم قراءته بسورة الإخلاص، فلمّا رجعوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أخبروه بذلك، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (سَلوهُ لِأَيِّ شيءٍ يَصنَعُ ذلك، فسَألوه فقال: لأنها صِفَةُ الرحمنِ، وأنا أُحِبُّ أن أقرَأَ بها، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أخبِروه أنَّ اللهَ يُحِبُّه).[١٣]

المراجع

  1. ^ أ ب سورة المائدة، آية: 54.
  2. نجلاء جبروني (2017-1-8)، “علامات حب الله للعبد”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-17. بتصرّف.
  3. ^ أ ب د.طه فارس (2017-8-16)، “علامات محبة الله للعبد”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-17. بتصرّف.
  4. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي أيوب الأنصاري، الصفحة أو الرقم: 4013، صحيح.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 6502، صحيح.
  6. ^ أ ب ت فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ (2018-1-2)، “محبة الله جل جلاله لعبده: أسبابها وآثارها”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-17. بتصرّف.
  7. سورة البقرة، آية: 222.
  8. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1888، صحيح.
  9. رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن أبي الدرداء، الصفحة أو الرقم: 2002، صحيح.
  10. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن المغيرة بن شعبة، الصفحة أو الرقم: 1477، صحيح.
  11. “محبة الله تعالى “، www.ar.islamway.net، 2014-5-19، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-17. بتصرّف.
  12. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 7153، صحيح.
  13. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 7375، صحيح.