بودي لو يهوى العذول ويعشق – الشاعر البحتري

بوُدّيَ لَوْ يَهْوَى العَذولُ، وَيَعْشَقُ،
فيَعلَمَ أسْبابَ الهَوَى كيفَ تَعْلَقُ
أرَى خُلُقاً حُبّي لعَلْوَةَ دائِماً،
إذا لمْ يَدُمْ بالعَاشِقِينَ التّخَلُّقُ
وَزَوْرٌ أتَانِي طَارِقاً، فَحَسِبْتُهُ
خَيالاً أتى، من آخرِ اللّيلِ، يَطرُقُ
أُقَسّمُ فيهِ الظّنّ طَوْراً مُكَذِّباً
بهِ أنّهُ حَقٌّ، وَطَوْراً أُصَدِّقُ
أخافُ، وأَرْجُو بُطلَ ظَنّي وَصِدْقَه،
فَلِلّهِ شَكّي حينَ أرْجُو وَأفْرَقُ
وَقَدْ ضَمّناَ وَشْكُ التّلاقي، وَلَفّنَا
عِنَاقٌ عَلى أعْنَاقِنَا ثَمّ ضَيّقُ
فَلَمْ تَرَ إلاّ مُخْبِراً عَنْ صَبَابَةٍ
بشَكْوَى، وإلاّ عَبْرَةً تَتَرَقْرَقُ
فأحْسِنْ بِنَا، والدّمعُ بالدّمعِ وَاشجٌ
تَمازُجُهُ، والخَدُّ بالخَدّ مُلْصَقُ
وَمِنْ قُبَلٍ قَبْلَ التّشاكي وَبَعْدَهُ،
نَكَادُ لَهَا مِنْ شِدّةِ الوَجدِ نَشرَقُ
فَلَوْ فَهِمَ النّاسُ التّلاقي وَحُسْنَهُ
لَحُبّبَ، من أجلِ التّلاقي، التّفَرّقُ
إذا قُرِنَ البَحْرُ الخِضَمُّ بأنْعُمِ الـ
ـخَليفَةِ كادَ البَحْرُ فيهِنّ يَغرَقُ
مَوَاِهِبُ أعدادُ الأمَاني، وَخَلْفَهَا،
عِداتٌ يَكادُ العُودُ منهُنّ يُورِقُ
بهِ تَعدِلُ الدّنيا، إذا مالَ قَصْدُها،
وَيَحسُنُ صُنعُ الدّهرِ وَالدّهرُ أخرَقُ
قَضَى الله للمُعْتَزّ بالله أنهُ
هُوَ القَائِمُ العَدْلُ، الرّشيدُ، المُوَفَّقُ
مَحَبّتُهُ فَرْضٌ مِنَ الله وَاجِبٌ،
وَعِصْيَانُهُ سُخطٌ مِنَ الله مُوبِقُ
بَقِيتَ، أمِيرَ المؤمِنِينَ، مُؤمَّلاً،
فَلِلْمُلْكِ نُورٌ مَا بَقيتَ وَرَوْنَقُ
لَقَدْ أقبَلَتْ بالأمْسِ خَيْلُكَ سُبَّقاً،
وأنتَ إلى العَلْيَاءِ والمَجْدِ أسْبَقُ
وَوَافَاكَ بالَّنيْرُُوزِ وَقْتٌ مُحَبَّبٌ،
يَظَلُّ جَنيُّ الوَرْدِ فيهِ يُفَتَّقُ
فَلا زِلْتَ في ظِلٍّ مِنَ الله سابِغٍ،
فَظِلُّكَ رَوْضٌ للبَرِيّةِ، مُونِقُ
تَجَانَفَ بي نَهْجُ الشّآمِ، وَطَاعَ لي
عِنَانٌ إلى أَبْيَاتِ مَنبِجَ مُطْلَقُ
أسُرُّ صَدِيقاً، أوْ أسُوءُ مُلاحِياً،
وأنْشُرُ آلاءً بِطَوْلِكَ تَنْطِقُ
وإنّي خَليقٌ بَل حَقيقُ يِعُقْبِ ما
يُغَرِّبُ شَخصي، إنّ شَوْقي يُشَرِّقُ
وَمِنْ أينَ لا يَثْني الرّجَاءُ مُعَوَّلي
عَلَيكَ، وَيَحْدُوني إلَيكَ التّشَوّقُ
وأنْتَ الذي أعلَيْتَني بصَنِيعَةٍ
هيَ المُزْنُ تَغدو من قَرِيبٍ، فتُغدِقُ
وَعارِفَةٍ فَاتَتْ صِفَاتِي، فَلا الَّثنَا
يُقارِبُ أقْصَاهَا وَلا الشّكرُ يَلحَقُ
حَمَلْتَ على عَشْرٍ من البُرْدِ مرْكبي
عِجالاً عَلَيهِنّ الشّكيمُ المُحَلَّقُ
وأكثَرْتَ زَادي مِنْ بُدُورٍ تَتَابَعَتْ
بِجُودِكَ فيهِنّ اللُّجَينُ المُطَرَّقُ
وَمُنْتَسِبَاتٍ للوَجِيهِ وَلاحِقٍ،
كُمَيْتٌ يَسُرّ النّاظِرِينَ، وَأبْلَقُ
وَمِنْ خِلَعٍ فازَتْ بلُبْسِكَ فاغتدى
بها أرَجٌ مِن طيبِ عَرْفِكَ، يَعْبَقُ
عَلَيْهَا رِداءٌ مِنْ حَمَائِلِ مُرْهَفٍ
صَقيلٍ، يَزِلُّ الطّرْفُ عَنهُ، فيزْلَقُ
فهَلْ أنْتَ يا ابنَ الرّاشِدينَ مُخَتّمي
بِيَاقُوتَةٍ تُبْهي عَلَيّ، وَتُشْرِقُ
يَغَارُ احمِرَارُ الوَرْدِ من حُسنِ صِبغِها،
وَيَحكيهِ جاديُّ الرّحيقِ المُعَتَّقُ
إذا بَرَزَتْ والشّمسَ قُلتُ تَجَارَتَا
إلى أمَدٍ أوْ كادَتِ، الشّمسَ، تَسبُقُ
إذا التَهَبَتْ في اللّحظِ ضَاهَى ضِيَاؤها
جَبينَكَ عِندَ الجُودِ، إذْ يَتَألّقُ
أُسَرْبَلُ مِنْهَا ثَوْبَ فَخْرٍ مُعَجَّلٍ،
وَيَبْقَى بها ذِكْرٌ على الدّهرِ مُخلِقُ
عَلاَمَةُ جُودٍ منْكَ عِنْدي مُبينَةٌ،
وَشَاهِدُ عَدْلٍ لي بنُعمَاكَ يَصْدُقُ
وَمِثْلُكَ أعْطَاهَا، وأضْعَافَ مِثْلِهَا،
وَلا غَرْوَ للبَحْرِ انبَرَى يَتَدَفّقُ
لَئِنْ صُنتُ شِعْرِي عن رِجَالٍ أعِزّةٍ،
فإنّ قَوَافيهِ بوَصْفِكَ ألْيَقُ
وإنْ وُليَ العُمّالُ مِنّي مَبَرّةً،
فمُسْتَعمِلُ العُمّالِ أحرَى وأخْلَقُ