عيد الأضحى ويوم عرفة

يوم عرفة

يوم عرفة؛ هو اليوم التاسع من شهر ذِي الحِجّة، ويعدّ من أفضل أيّام العام، التي يجدر بالمسلم اغتنامها واستغلالها بِما يُرضي الله -تعالى-، للفوز برضاه، كما يعدّ يوم عرفة هو من أفضل الأيّام عند الله -عزّ وجلّ-، فقد عظّمه، وفضّله على سائر الأيّام، وجُعل فيه الدعاء مُستجابٌ، والذّنب مغفورٌ، كما أنّه اليوم الذي أتمّ الله فيه نعمة الإسلام على عباده، كما أخرج الإمام البخاريّ في صحيحه، عن عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه-: (أنَّ رَجُلًا، مِنَ اليَهُودِ قالَ له: يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ، آيَةٌ في كِتَابِكُمْ تَقْرَؤُونَهَا، لو عَلَيْنَا مَعْشَرَ اليَهُودِ نَزَلَتْ، لَاتَّخَذْنَا ذلكَ اليومَ عِيدًا. قالَ: أيُّ آيَةٍ؟ قالَ: {اليومَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأَتْمَمْتُ علَيْكُم نِعْمَتي ورَضِيتُ لَكُمُ الإسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3] قالَ عُمَرُ: قدْ عَرَفْنَا ذلكَ اليَومَ، والمَكانَ الذي نَزَلَتْ فيه علَى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وهو قَائِمٌ بعَرَفَةَ يَومَ جُمُعَةٍ).[١][٢]

فَضْل يوم عرفة

تترتّب العديد من الفضائل على يوم عرفة؛ سواءً على الحاجّ أم على غيره؛ فمن فَضْل يوم عرفة على الحاجّ؛ ما ثبت في صحيح مُسلم عن عائشة أمّ المؤمنين -رضي الله عنها- عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (ما مِن يَومٍ أَكْثَرَ مِن أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فيه عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِن يَومِ عَرَفَةَ، وإنَّه لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بهِمِ المَلَائِكَةَ، فيَقولُ: ما أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟)،[٣] ومن فَضْل يوم عرفة على غير الحاجّ؛ فقد ثبت في صحيح البخاريّ عن عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما-، أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (ما العَمَلُ في أيَّامٍ أفْضَلَ منها في هذِه؟ قالوا: ولَا الجِهَادُ؟ قَالَ: ولَا الجِهَادُ، إلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بنَفْسِهِ ومَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بشيءٍ).[٤][٥]

فضائل الأعمال في يوم عرفة

تتعدّد العبادات التي يُمكن للمُسلم التقرّب لله بها في يوم عرفة؛ منها: صيامه؛ إذ إنّ صيامه يكفّر ذنوب سنةً مضت، وسنةً قادمةً، كما ثبت في صحيح الإمام مُسلم، أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (صِيَامُ يَومِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ علَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتي بَعْدَهُ)،[٦] كما أ،ّ يوم عرفة يوم تنزّل الرّحمات، والعتق من النيران، ومغفرة الذّنوب والخطايا، واستجابة الدّعوات.[٧]

عيد الأضحى

يحلّ عيد الأضحى على المُسلمين بعد يوم الوقوف بعرفة؛ ركن الحجّ الأعظم، أيّ في العاشر من ذي الحِجّة، وقد شُرعت في العيد العديد من الأعمال الصالحة، ولذلك سُميّ بيوم الحجّ الأكبر؛ إذ إنّ الكثير من أعمال الحجّ تؤدّى في ذلك اليوم، كما أنّ الله شرع لعباده العديد من الأعمال، وحثّهم على فِعْلها، والتقرّب من الله -تعالى- بأدائها،[٨] كما يُسمّى اليوم العاشر من ذي الحِجّة بيوم النَّحر، كما ثبت عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (يومُ عرفةَ ويومُ النحرِ وأيامُ التشريقِ عيدنا أهلَ الإسلامِ، وهيّ أيامُ أكلٍ وشربٍ)،[٩] وثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال أيضاً: (نَهَى عن صِيَامِ يَومَيْنِ، يَومِ الفِطْرِ، وَيَومِ النَّحْرِ).[١٠][١١]

آداب وسُنَن عيد الأضحى

تتعلّق بعيد الأضحى المُبارك العديد من الآداب، يُذكر منها:[١٢]

  • لِبْس أفضل الثياب؛ اقتداءً بالنبيّ -عليه الصلاة والسلام-.
  • تأخير تناول أيّ شيءٍ من الطعام إلى ما بعد صلاة العيد؛ للأَكْل من الأُضحية، إذ ورد عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (كانَ لا يخرُجُ يومَ الفِطرِ حتَّى يأكلَ وَكانَ لا يأكُلُ يَومَ النَّحرِ حتَّى يرجعَ).[١٣]
  • خروج النِّساء والصبيان لأداء صلاة العيد، كما ثبت في صحيح الإمام مُسلم عن أمّ عطية -رضي الله عنها- أنّها قالت: (أَمَرَنَا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، أَنْ نُخْرِجَهُنَّ في الفِطْرِ وَالأضْحَى، العَوَاتِقَ، وَالْحُيَّضَ، وَذَوَاتِ الخُدُورِ).[١٤]
  • مخالفة الطريق في الذّهاب لصلاة العيد، والإياب منها؛ إذ يُستحبّ الذّهاب للصلاة من طريقٍ، والرجوع من طريقٍ آخرٍ.
  • الاغتسال، واستخدام السواك، والتطيّب، وإظهار السرور والبَشاشة أمام الأهل والأقارب والأصدقاء، والتهنئة بالعيد، والإكثار من الصدقات.[١٥]

فضائل الأعمال في عيد الأضحى

التكبير

يُسنّ التكبير في العيد، استدلالاً بقَوْل الله -تعالى-: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّـهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)،[١٦] كما يُسنّ جَهْر الرِّجال بالتكبير، في المساجد، والأسواق، والبيوت؛ تعظيماً لله -تعالى-، وإظهاراً لعبادته -عزّ وجلّ-، وشُكراً له، ويبدأ التكبير المتعلّق بعيد الأضحى من صباح يوم عرفة، إلى غروب شمس آخر يومٍ من أيّام التشريق؛ وهي: اليوم الحادي عَشْر، والثاني عَشْر، والثالث عشر من شهر ذي الحِجّة.[١٧]

صلاة العيد

يُخصّ غير الحاجّ ببعض العبادات يوم النَّحر؛ منها: الأُضحية؛ إذ إنّ الحاجّ لا تجب في حقّه الأُضحية،[١٨] بالإضافة لصلاة العيد، التي تعدّ من أعظم شعائر الله -تعالى-، مع الحرص على الخروج لأدائها مبكّراً، والاستماع للخُطبة.[١٩]

الأُضحية

الأُضحية هي: ما يُذبح من الأنعام بعد أداء صلاة عيد الأضحى؛ تقرّباً لله -تعالى-، القائل في كتابه: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)،[٢٠] ويُراد بالنُّسك: ما ذُبِح تقرّباً لله -تعالى-،[٢١] إذ تعدّ الأُضحية من أفضل الطاعات والعبادات، كما أنّها صدقةٌ من الصدقات، وفيها توسيعٌ على الفقراء والمساكين، وشُكراً لله -تعالى- على ما مَنّ به على عباده من النِّعم التي لا تُحصى، واقتداءً بإبراهيم ومحمّد -عليهما الصلاة والسلام-.[٢٢]

أعمال الحاجّ في أيّام عيد الأضحى

يؤدّي الحجّاج عدّة أعمالٍ يوم النَّحر؛ أيّ اليوم العاشر من ذي الحِجّة؛ وهي: ذَبْح الهَدْي؛ تقرّباً لله -تعالى-، ورَمْي جمرة العقبة، والتحلّل بالحَلْق أو التقصير، ثمّ أداء طواف الإفاضة،[٢٣] ثمّ يعود الحاجّ إلى مِنى، ويبيت فيها ليلة الحادي عشر والثاني عشر، ويرمي الجمرات الثلاث فيهما بعد زوال الشّمس؛ أي وقت صلاة الظُّهر، وتجدر الإشارة إلى أنّ الرَّمي واجبٌ من واجبات الحجّ،[٢٤] ثمّ يُخيّر الحاجّ بالبقاء في مِنى، والمبيت فيها ليلة الثالث عَشر، ورَمْي الجمرات فيه، أو التعجّل بالعودة، وعدم المبيت ليلة الثالث عشر، قال -تعالى-: (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى).[٢٥][٢٦]

المراجع

  1. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 45، صحيح.
  2. محمد صالح المنجد، 55 فائدة في يوم عرفة، صفحة 4 6. بتصرّف.
  3. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1348، صحيح.
  4. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 969، صحيح.
  5. مجموعة من الباحثين، الموسوعة الفقهية-الدرر السنية، صفحة 222، جزء 2. بتصرّف.
  6. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي قتادة الحارث بن ربعي، الصفحة أو الرقم: 1162، صحيح.
  7. خالد أبو شادي (2015)، أحلى 13 يوم، صفحة 48-49. بتصرّف.
  8. شحاتة صقر، دليل الواعظ إلى أدلة المواعظ، البحيرة: دار الفرقان للتراث، صفحة 640، جزء 1. بتصرّف.
  9. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عقبة بن عامر، الصفحة أو الرقم: 773، صحيح.
  10. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 1138، صحيح.
  11. خالد الجريسي، الصوم جنة، صفحة 53. بتصرّف.
  12. حسين العوايشة، الموسوعة الفقهية الميسرة في فقه الكتاب والسنة (الطبعة الأولى)، عمان: المكتبة الإسلامية، صفحة 401-402، جزء 2. بتصرّف.
  13. رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن بريدة الأسلمي، الصفحة أو الرقم: 1434، صحيح.
  14. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أم عطية نسيبة بنت كعب، الصفحة أو الرقم: 883، صحيح.
  15. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: دار الصفوة، صفحة 250، جزء 27. بتصرّف.
  16. سورة البقرة، آية: 185.
  17. شحاتة صقر، دليل الواعظ إلى أدلة المواعظ، البحيرة: دار الفرقان للتراث، صفحة 571، جزء 1. بتصرّف.
  18. سعيد حوى (1424)، الأساس في التفسير (الطبعة السادسة)، القاهرة: دار السلام، صفحة 475، جزء 1. بتصرّف.
  19. سعيد القحطاني (2010)، مناسك الحج والعمرة في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة (الطبعة الثانية)، القصب: مركز الدعوة والارشاد، صفحة 30. بتصرّف.
  20. سورة الأنعام، آية: 162.
  21. علي حسين الأثري (1993)، أحكام العيدين في السنة المطهرة (الطبعة الثانية)، عمان: المكتبة الإسلامية، صفحة 63. بتصرّف.
  22. عبدالله البسام (2006)، تيسير العلام شرح عمدة الأحكام (الطبعة العاشرة)، الإمارات: مكتبة الصحابة، صفحة 723. بتصرّف.
  23. عبد الكريم العمري (2001)، تسهيل المناسك (الطبعة الأولى)، المدينة المنورة: دار المآثر، صفحة 83. بتصرّف.
  24. سعيد القحطاني، العمرة والحج والزيارة في ضوء الكتاب والسنة، الرياض: مطبعة سفير، صفحة 90. بتصرّف.
  25. سورة البقرة، آية: 203.
  26. عبد الكريم العمري (2001)، تسهيل المناسك (الطبعة الأولى)، المدينة المنورة: دار المآثر، صفحة 99. بتصرّف.