الفرق بين التراويح وقيام الليل

استغلال الوقت في رمضان

يجدر بالمسلم إدراك أهميّة الوقت، وكيفيّة استغلاله بما ينفعه حين لقاء ربّه، لا سيّما أنّه سيُسأل عنه؛ لِما ورد عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (لا تزولَ قدَما عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يسألَ عن عُمُرِهِ فيمَ أفناهُ؟ وعن علمِهِ فيمَ فعلَ فيهِ؟ وعن مالِهِ مِن أينَ اكتسبَهُ؟ وفيمَ أنفقَهُ؟ وعن جسمِهِ فيمَ أبلاهُ)،[١] ومن أعظم الأزمنة، وأكثرها خيراً وبركةً شهر رمضان المبارك؛ فلا بُدّ من استغلاله بالأعمال الصالحة، والتقرُّب من الله -تعالى- بعدّة أعمالٍ، منها: المحافظة على الصلوات في أوقاتها، والإخلاص له في الصيام، وقيام الليل، وتلاوة القرآن الكريم، مع الحذر من تضييع الأوقات المباركة.[٢]

الفرق بين التراويح وقيام الليل

قد يتساءل البعض عن الفرق بين صلاة التراويح وقيام الليل، وفي الحقيقة فإنّ صلاة التراويح على الرغم من كونها داخلةً في عموم قيام الليل، إلّا أنّها خاصّةٌ بشهر رمضان المبارك،[٣] بينما يُعَدّ قيام الليل عامّاً لكلّ أيّام السنة، وصلاة الليل تُسمّى قياماً، أو تهجُّداً،[٤] ولتوضيح الفرق بين المصطلَحين، ينبغي الوقوف على التعريف اللغويّ والاصطلاحيّ لكلٍّ منهما.

صلاة التراويح

تُعَدّ صلاة التراويح صلاةَ قيام الليل في رمضان، وفي ما يأتي تعريفها لغةً واصطلاحاً، إلى جانب بيان وقتها:

  • تعريف صلاة التراويح: التراويح لغةً جمع ترويحة، والترويحة هي: المرّة الواحدة من الراحة، وقد سُمِّيت صلاة التراويح بهذا الاسم؛ لأنّ المسلمين كانوا يستريحون بين الركعات أوّل ما اجتمعوا لأدائها، ويُمكن القول إنّ صلاة التراويح هي صلاة قيام الليل في رمضان، وقد ثبت أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- كان يُكثر من القيام في رمضان؛ لِما رُوي عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، إذَا دَخَلَ العَشْرُ، أَحْيَا اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَجَدَّ وَشَدَّ المِئْزَر)،[٥][٦]
  • وقت صلاة التراويح: يمتدّ وقت صلاة التراويح من صلاة العشاء إلى طلوع الفجر الثاني من كلّ ليلةٍ من ليالي رمضان، ويُفضَّل تأخيرها إلى آخر الليل؛ لأنّه وقت نزول الله -تعالى- إلى السماء الدُّنيا، ولتكون صلاةً مشهودةً، كما ثبت في صحيح البخاريّ عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إلى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يقولُ: مَن يَدْعُونِي، فأسْتَجِيبَ له مَن يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَن يَسْتَغْفِرُنِي فأغْفِرَ له)،[٧] ولِما في ذلك الوقت من الخشوع والسكينة، والتدبُّر في آيات الله -تعالى-.[٨]

قيام الليل

يُعرَّف قيام الليل لغةً واصطلاحاً كما يأتي:[٩]

  • قيام الليل لغةً: ينقسم تعريف قيام الليل لغةً إلى قسمَين؛ فالقيام: يُناقض الجلوس، والليل هو: الوقت المُمتَدّ من غروب الشمس إلى طلوع الفجر الصادق.
  • قيام الليل اصطلاحاًَ: يُعرَّف قيام الليل لدى الفقهاء بأنّه: قضاء الليل ولو ساعةً منه بالصلاة، أو غيرها من العبادات، ولا يُشترَط استغراق أكثر الليل، وقد ذهب ابن عباس -رضي الله عنه- إلى أنّ قيام الليل قد يتحقّق بأداء صلاة العشاء جماعةً، والعَزم على أداء صلاة الفجر جماعةً؛ لِقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن صَلَّى العِشَاءَ في جَمَاعَةٍ فَكَأنَّما قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَن صَلَّى الصُّبْحَ في جَمَاعَةٍ فَكَأنَّما صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ)،[١٠] وقِيل إنّ قيام الليل هو: الانشغال مُعظم الليل، وقِيل إنّه الانشغال ساعةً منه بالطاعة، كقراءة القرآن الكريم، أو سماع الحديث النبويّ الشريف، أو الصلاة على النبيّ، أو التسبيح.

ومن المصطلحات المُرادفة لقيام الليل التهجُّد، ويُعرَّف لغةً بأنّه: النوم والسَّهَر، فيُقال: هجد؛ بمعنى نام، وبمعنى صلّى بالليل؛ فهو من الألفاظ المُتضادّة، وقال الأزهريّ -رحمه الله-: “المعروف في كلام العرب أنّ الهاجد هو النائم، هجد، هجوداً؛ إذا نام، وأمّا المُتهجّد؛ فهو: القائم إلى الصلاة من النوم، وكأنّه قِيل له: متهجّدٌ؛ لإلقائه الهجود عن نفسه”، أمّا التهجُّد في الاصطلاح الشرعيّ، فيُقصَد به: إحياء الليل بالعبادة بعد النوم، وقِيل إنّه الصلاة التي تُؤدّى ليلاً مُطلَقاً.

مشروعيّة صلاة التراويح وقيام الليل

أجمع أهل العلم على مشروعيّة صلاة التراويح، واستدلّوا بالحديث المُتّفق عليه عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَرَجَ ذاتَ لَيْلَةٍ مِن جَوْفِ اللَّيْلِ، فَصَلَّى في المَسْجِدِ، فَصَلَّى رِجالٌ بصَلاتِهِ، فأصْبَحَ النَّاسُ، فَتَحَدَّثُوا، فاجْتَمع أكْثَرُ منهمْ، فَصَلَّوْا معهُ، فأصْبَحَ النَّاسُ، فَتَحَدَّثُوا، فَكَثُرَ أهْلُ المَسْجِدِ مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ، فَخَرَجَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَصَلَّوْا بصَلاتِهِ، فَلَمَّا كانَتِ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ عَجَزَ المَسْجِدُ عن أهْلِهِ حتَّى خَرَجَ لِصَلاةِ الصُّبْحِ، فَلَمَّا قَضَى الفَجْرَ أقْبَلَ علَى النَّاسِ، فَتَشَهَّدَ، ثُمَّ قالَ: أمَّا بَعْدُ، فإنَّه لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ مَكانُكُمْ، لَكِنِّي خَشِيتُ أنْ تُفْرَضَ علَيْكُم، فَتَعْجِزُوا عَنْها).[١١][١٢]

ومن الجدير بالذكر أنّ الله -تعالى- شرع قيام الليل لعباده؛ ليتقرّبوا منه، ويناجوه؛ فصلاة القيام من العبادات التي تدلّ على حبّ العبد لربّه -عزّ وجلّ-، وتلذُّذه بمناجاته، وخير دليل على ذلك محافظة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على أدائها على الرغم من مغفرة الله -تعالى- لِما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، فقد ثبت في البخاريّ عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (أنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ)،[١٣] ولذلك فقيام الليل سُنّةٌ مُؤكّدةٌ،[١٤] وتجدر الإشارة إلى أنّ الله -تعالى- مَنّ على عباده بأزمنةٍ مُباركةٍ، ومنها: شهر رمضان؛ إذ شرع لهم فيه الصيام والقيام؛ كي تَنشط الروح، ويَعْمر القلب للعبادة، وبأداء صلاة التراويح تنال النفس مُبتغاها بالقُرب من الله -تعالى-، وزيادة الإيمان بسَماع آيات القرآن الكريم.[١٥]

المراجع

  1. رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن أبي برزة الأسلمي نضلة بن عبيد، الصفحة أو الرقم: 126، صحيح.
  2. عبد الكريم بن صنيتان (1421هـ 2001م)، صفحات رمضانية (الطبعة الأولى)، المدينة المنورة: دار المآثر، صفحة 43،44. بتصرّف.
  3. عطية بن محمد سالم، التراويح أكثر من ألف عام في المسجد النبوي، صفحة 59. بتصرّف.
  4. عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، مجموع فتاوى العلامة عبدالعزيز بن باز رحمه الله، صفحة 317-318، جزء 11. بتصرّف.
  5. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1174، صحيح.
  6. أبو عبدالله محمد بن عبدالباقي بن يوسف بن أحمد بن شهاب الدين بن محمد الزرقاني المالكي (1417هـ-1996م)، شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية ، صفحة 566-567، جزء 10. بتصرّف.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1145، صحيح.
  8. محمد بن إبراهيم بن عبدالله التويجري (1430 هـ – 2009 م)، موسوعة الفقه الإسلامي (الطبعة الطبعة)، السعودية: بيت الأفكار الدولية، صفحة 647،648، جزء 2. بتصرّف.
  9. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 117-118، جزء 34. بتصرّف.
  10. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عثمان بن عفان، الصفحة أو الرقم: 656، صحيح.
  11. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 924 ، صحيح.
  12. عَلوي بن عبدالقادر السقاف ،الموسوعة الفقهية ، صفحة 468، جزء 1. بتصرّف.
  13. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 4837، صحيح.
  14. “موسوعة الفقه الإسلامي”، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 10-4-2020. بتصرّف.
  15. محمد بن إبراهيم بن عبد الله التويجري، موسوعة الفقه الإسلامي، صفحة 646، جزء 2. بتصرّف.