ما هي قرة العين
معنى قُرّة العين
تُعرَّف قُرّة العين بأنّها: السرور الحاصل في النفس؛ لمقابلتها ما يسّرها، مع تحقُّق الرضا التامّ، وعدم النظر إلى ما سواها،[١] وتُطلَق أيضاً على ما تَبْرد وتقرّ وتسكن به العين،[٢] وقِيل إنّ قُرّة العين مأخوذةٌ من لفظة القَرور؛ وتعني الدمع البارد الناتج عن الفرح بأمرٍ ما، وهي لفظة تناقض السخونة، وقد قال الأصمعي: معنى أقرّ الله عينه؛ أي أبرد دمعه؛ أي جعل السرور سبب دمعه؛ اشتقاقاً من القَرور؛ وهو الماء المُتَّصِف بالبرودة، كما قِيل إنّه من القَرار؛ الذي يعني الهدوء، ويُشار إلى أنّها أيضاً لفظة يدعو بها الشخص لغيره بأن يُصادف ما يُرضيه، فتقرّ عينه عن النظر إلى ما سواه.[٣]
قُرّة العين في القرآن
الآيات المُتعلِّقة بالمؤمنين
وردت قُرّة العين في القرآن الكريم في أكثر من موضعٍ، ومنها ما كان مُتعلِّقاً بالمؤمنين، وفيما يأتي ذِكر الآيات وما دلّت عليه:
- قول الله -تعالى-: (ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ)؛[٤] إذ وردت الآية الكريمة في تخيير الله -تعالى- للنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بأن يمسك من يشاء من نسائه، فيُبقيها على عصمته، وجُعِلُ الاختيار للنبيّ -عليه السلام- وتفويض الأمر إليه؛ لما فيه من قُرّة عينٍ لأزواجه، وذلك أقرب إلى إرضائهنّ، وعدم حزنهنّ؛ فجميعهنّ في الحُكم سواء، فإن سوّى بينهن الرسول كان ذلك إحساناً وتفضُّلاً منه، وإن اختار بعضهنّ، عَلِمن أنّ ذلك بحُكم الله، فيَرضَين به.[٥]
- قول الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ)؛[٦] إذ يسأل المؤمنون ربَّهم أن يَهَب لهم أزواجاً، ويجعل لهم منهنّ ذُرّيةً صالحةً؛ فالزوجة الصالحة، والذرّية الصالحة أحرى أن تقرّ بهما عين الرجل في الدنيا،[٧] فتصبح الأسرة حينها قدوةً للصالحين المُتَّقِين.[٨]
- قول الله -تعالى-: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)؛[٩] إذ يُجازي الله عبادَه بأعمالهم، فتقرّ بذلك عيونهم؛ فمن أسرَّ عملًا لوجه الله -تعالى-، أسرّ الله له قُرّة عينه يوم القيامة،[١٠] والضمير في الآية يعود على المؤمنين الذين شغلوا أوقاتهم وحياتهم بذكر الله؛ فهم الساجدون، والمُسبِّحون بحمد ربّهم، والمُتهجِّدون له ليلاً؛ طمعاً برحمته، وخوفاً من عذابه، إلى جانب كونهم المُنفقين ممّا رزقهم الله، والنكرة في قوله “قُرّة أعين” تدلّ على العموم، فقد أخفى لهم -سبحانه- ما تطيب به أنفسهم، وتُسَرُّ به أرواحهم؛ فسعادة الجنّة لا شقاء بعدها،[١١] وهذا النعيم الموعود لا يخطر على بالٍ، ولا يعلم به مَلكٌ، ولا نبيٌّ، وقد ورد ذلك فيما رواه رسول الله عن ربّه -عزّ وجلّ-: (يقولُ اللَّهُ تَعالَى: أعْدَدْتُ لِعِبادِي الصَّالِحِينَ، ما لا عَيْنٌ رَأَتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ علَى قَلْبِ بَشَرٍ ذُخْرًا بَلْهَ، ما أُطْلِعْتُمْ عليه، ثُمَّ قَرَأَ: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لهمْ مِن قُرَّةِ أعْيُنٍ جَزاءً بما كانُوا يَعْمَلُونَ}[السجدة: 17]. قالَ أبو مُعاوِيَةَ عَنِ الأعْمَشِ، عن أبِي صالِحٍ قَرَأَ أبو هُرَيْرَةَ: قُرَّاتِ أعْيُنٍ).[١٢][١٣]
الآيات المُتعلِّقة بمريم عليها السلام
وردت قُرّة العين في قصّة ولادة عيسى -عليه السلام-؛ فحين حلّ وقت الولادة والمخاض لأمّه مريم -عليها السلام-، أوحى الله إليها بالأكل والشراب، ووهبها قُرّة العين بالغلام الزكيّ، فقد قال -تعالى-: (فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا)؛[١٤] وقرارة العين كناية عن السكينة والطمأنينة، إذ كانت مريم -عليها السلام- مضطربةً خائفةً، ممّا يستدعي عدم استقرار العين، وبالتالي عدم هدوئها، كما أنّ قُرّة العين مُرتبطةٌ بقُرّة النفس، والله -سبحانه- طمأن نفس مريم -عليها السلام-، وعينها.[١٥]
الآيات المُتعلِّقة بموسى عليه السلام
وردت قُرّة العين في قصّة موسى -عليه السلام-؛ فحين رأت آسيا زوجة فرعون التابوت الذي ألقَته أمّ موسى في اليمّ، وكان فيه موسى -عليه السلام-، قالت لزوجها: (وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ)،[١٦] فأخذته، وطلبت من فرعون أن يَهَبه لها، ففعل، فأحبّته ورحمته،[١٧] وقد ابتغت بقولها قُرّة عينٍ أن تُحبِّب فرعون بموسى؛ فالولد سببٌ للفرح،[١٨] وقد أحزن فراق موسى أمَّه، وأصبح قلبها خالياً إلّا من ذِكره، فرَدّه الله إليها؛ حيث رفض -عليه السلام- الرضاعة من غير أمّه، وعاد إلى أمّه؛ كي تُرضعه، دون أن يعلم مَن في القصر أنّها أمّه، وكان في ذلك قُرّةٌ لعَين أمّ موسى، ومَنعاً لحُزنها، وإنفاذاً لوعد الله إيّاها بأن يُعيده إليها، قال -تعالى-: (فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ)،[١٩] وقال أيضاً: (فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ)،[٢٠][٢١] وفي رؤية أمّه له قُرّةٌ لعَينها؛ لسلامته ونجاته من القتل على يد فرعون، ومن الغرق في البحر.[٢٢]
قُرّة العين في السنّة النبويّة
وردت قُرّة العين في الحديث الذي رواه عمّار بن ياسر عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (اللهمَّ بعِلْمِكَ الغيبَ وقُدْرَتِكَ عَلَى الخلَقِ، أحْيِني ما علِمْتَ الحياةَ خيرًا لِي، وتَوَفَّنِي إذا عَلِمْتَ الوفَاةَ خيرًا لي، اللهمَّ إِنَّي أسألُكَ خشْيَتَكَ في الغيبِ والشهادَةِ، وأسأَلُكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الرِّضَا والغضَبِ، وأسألُكَ القصدَ في الفقرِ والغِنَى، وأسألُكَ نعيمًا لَا ينفَدُ، وأسالُكَ قُرَّةَ عينٍ لا تنقَطِعُ، وأسألُكَ الرِّضَى بعدَ القضاءِ، وأسألُكَ برْدَ العيشِ بعدَ الموْتِ، وأسألُكَ لذَّةَ النظرِ إلى وجهِكَ، والشوْقَ إلى لقائِكَ في غيرِ ضراءَ مُضِرَّةٍ، ولا فتنةٍ مُضِلَّةٍ، اللهم زيِّنَّا بزينَةِ الإيمانِ، واجعلنا هُداةً مهتدينَ)،[٢٣] فقد كان النبيّ -عليه الصلاة والسلام- يدعو ربّه بأن يرزقه ما تقرّ به عينه في الدنيا، والآخرة،[٢٤] من نسلٍ كثيرٍ مُستمِرٍّ بَعده، أو بالمداومة على الصلاة، فسأله قُرّة عينٍ مُستمِرّةٍ ما استمرَّت الحياة الدنيا، وقِيل إنّ المُراد بقُرّة العين في الحديث: دوام ذِكر الله، ومَحبّته.[٢٥]
وقد جعل الله -سبحانه- في الصلاة قُرّةَ عَين لرسوله -صلّى الله عليه وسلّم-؛ لمكانتها، وفضلها، وأهميتها؛ فالوقوف بين يَدَي الله -تعالى-، ومناجاته قُرّة عينٍ للعبد، ومُستراحٌ له، وذلك لقول الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-: (وجُعِلَتْ قُرَّةُ عيني في الصَّلاةِ)؛[٢٦][٢٧] حيث يجد فيها العبد طمأنينته، وسكينته، وراحة بدنه، ويُشار إلى أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- كان يُصلّي في الليل قائماً حتى تتورّم قدماه، إلّا أنّ لذّة القُرب من الله، وحلاوة طاعته، كانتا تُنسيانه تلك المَشقّة.[٢٨]
المراجع
- ↑ أحمد مختار عمر (2008م)، معجم اللغة العربية المعاصرة (الطبعة الأولى)، عالم الكتب، صفحة 796، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ نشوان الحميري (1999م)، شمس العلم ودواء كلام العرب من الكلوم (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الفكر المعاصر، صفحة 5311، جزء 8. بتصرّف.
- ↑ محمد بن أحمد الأزهري (2001)، تهذيب اللغة (الطبعة الأولى)، بيروت: دار إحياء التراث العربي، صفحة 224-225، جزء الثامن. بتصرّف.
- ↑ سورة الأحزاب، آية: 51.
- ↑ ناصر الدين البيضاوي (1418هـ)، أنوار التنزيل وأسرار التأويل (الطبعة الأولى)، بيروت: دار إحياء التراث العربي، صفحة 236، جزء 4. بتصرّف.
- ↑ سورة الفرقان، آية: 74.
- ↑ عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي (1998م)، مدارك التنزيل وحقائق التأويل (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكلم الطيب، صفحة 551-552، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ عبد المجيد الشيخ عبد الباري (2006م)، الروايات النفيرية في فتح الباري، وقف السلام الخيري، صفحة 872، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ سورة السجدة، آية: 17.
- ↑ أبو جعفر الطبري (2001م)، تفسير الطبري-جامع البيان (الطبعة الأولى)، دار هجر للطباعة، صفحة 621، جزء 18. بتصرّف.
- ↑ محمد المنتصر الكتاني، تفسير المنتصر الكتاني، صفحة 2، جزء 191. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 4780، صحيح.
- ↑ أحمد بن مصطفى المراغي (1964م )، تفسير المراغي (الطبعة الأولى)، مصر: مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده، صفحة 113، جزء 21. بتصرّف.
- ↑ سورة مريم، آية: 26.
- ↑ محمد أبو زهرة، زهرة التفاسير، دار الفكر العربي، صفحة 4630، جزء 9. بتصرّف.
- ↑ سورة القصص، آية: 9.
- ↑ شمس الدين القرطبي (1964م)، تفسير القرطبي (الطبعة الثانية)، القاهرة: دار الكتب المصرية، صفحة 253، جزء 13. بتصرّف.
- ↑ أحمد بن مصطفى المراغي (1946م)، تفسير المراغي (الطبعة الأولى)، مصر: مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي، صفحة 39، جزء 20. بتصرّف.
- ↑ سورة القصص، آية: 13.
- ↑ سورة طه، آية: 40.
- ↑ سعيد حوّى (1424هـ)، الأساس في التفسير (الطبعة السادسة)، القاهرة: دار السلام، صفحة 4064، جزء 7. بتصرّف.
- ↑ أبو جعفر الطبري (2001)، جامع البيان (الطبعة الأولى)، دار الهجر، صفحة 4062، جزء 16. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في الكلم الطيب، عن عمار بن ياسر، الصفحة أو الرقم: 106، إسناده صحيح.
- ↑ محمد بن إسماعيل الصنعاني (2011م)، التنوير شرح الجامع الصغير (الطبعة الأولى)، الرياض: دار السلام، صفحة 166، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ زين الدين المناوي (1356هـ)، فيض القدير (الطبعة الأولى)، مصر: المكتبة التجارية الكبرى، صفحة 146، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ رواه ابن القيم، في زاد المعاد، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 1/145، صحيح.
- ↑ محمد بن إسماعيل الصنعاني (2011م)، التنوير شرح الجامع الصغير (الطبعة الأولى)، الرياض: دار السلام ، صفحة 270، جزء 5. بتصرّف.
- ↑ أحممد حطيبة، شرح الترغيب والترهيب للمنذري، صفحة 6، جزء 3. بتصرّف.