مفهوم العمل الصالح
العمل الصالح
يحتاج الإنسان في حياته إلى العمل الصالح، واحتياجه إليه أشد من حاجته إلى الهواء والطعام والشراب، فالماء والهواء والطعام هي قِواه في الدنيا، أما العمل الصالح فهو السبيل إلى سعادة القلب في الدنيا، والنجاة في الآخرة، والإيمان بلا عمل صالح هو ادّعاء وافتراء لا يمكن تصديقه، ولا ينفع صاحبه أمام الله يوم القيامة ولا ينجيه من عذابه، ولا بد للعمل أن يتّصف بالصلاح حتى يكون مقبولاً عند الله، فبعض أهل الملل من يفني حياته في العبادة، ومع ذلك لا تنفعه عند الله، وهم الذين قال الله فيهم: (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا)،[١] فهؤلاء يبذلون الجهد وهو ليس بشيء عند الله؛ لأنه لم يتّصف بالصلاح، فلا بد للإنسان أن يحرص دائما على أن يكون عمله صالحاً، وقد أقسم الله -تعالى- على خسران الإنسان، فقال: (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)،[٢] فلا مُنجّي من الخسران إلا العمل الصالح مع الإيمان.[٣]
والعمل لا يكون صالحاً إلّا حين يكون موافقاً لشرع الله، وحين يريد فاعله به وجه الله، وعليه فكل عمل مخالفاً لشرع الله، وقام به فاعله لغير وجه الله، فهو عمل غير صالح، ويجب توافر هذين الشرطين معاً في العمل دون فقد أحدهما، فهما الركنين الذيْن يقوم عليهما العمل، وقد ورد ذكر العمل الصالح في القرآن الكريم في نحو مئتي آية، أما في السنة ففي مواضع كثيرة، وقد أمَر الله -تعالى- به أنبيائه ورسله، وما كانوا مأمورين به فهو أمر لجميع البشر كذلك، لأنهم القدوة والواسطة بينهم وبين الله، ومعرفة العمل الصالح سبب للازياد منه، ومعرفة ما يتطلبه وما يبطله ويجعله منقوصاً سبب للمحافظة عليه، فمن الناس من يكثر من الأعمال الصالحة وتذهب حسناتهم إلى غيرهم بغيبة أو نميمة أو شتيمة، فالعامل من يكثر من أعماله الصالحة، ويحافظ عليها من النقصان؛ لتنفعه في الآخرة.[٣]
ثمرات العمل الصالح وفضائله في الدنيا والآخرة
إن العمل الصالح هو الغاية والهدف والحكمة من خلق السماوات والأرض، وما فيهما من الحياة والموت، وما على الأرض من زينة، قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)،[٤] وعليه فإن المحافظ المستمر على العمل الصالح هو الرابح بالتجارة مع الله، والمقصّر فيه هو الخائب والخاسر في الدنيا والآخرة، والعمل هو كل ما يقوم به الإنسان قاصداً له؛ من نية القلب، وإرادة الشيء، والميل نحوه، والحركة، والقول، والسكوت، وللعمل الصالح الذي جاء بناءً على الإيمان فضائل وثمرات وأجوراً كبيرة أعدها الله لصاحبه، فتنفع صاحبها في الدنيا والآخرة، وفيما يأتي بيان لبعض ثمرات وفضائل العمل الصالح بشكلٍ مفصّل:[٥]
- الاستخلاف في الأرض، وتمكين الدين، وتحقيق الأمن، والاهتداء في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا).[٦]
- الحياة الطيبة، وتكفير الذنوب، والثبات على الحق حتى الممات، ودخول الجنة، ورفعة الدرجات فيها، ومن عظيم فضل الله على أهل العمل الصالح، أنهم إن تابوا من ذنوبهم أجزأهم أجراً على هذه التوبة، فيرفع بذلك درجاتهم، وكلما ندموا عليها كتب الله لهم الحسنات على هذا الندم.
- الشهادة بالعمل الصالح لصاحبها في الدنيا، وذلك فيه تعجيل البشرى له قبل الآخرة، وهذه الشهادة تعدّ شفاعةً له يوم القيامة فتدخله الجنة.
- كلما زاد المؤمن من العمل الصالح رفعه الله به درجة عنده، وكلما أنفق نفقة يحتسب بها وجه الله وإن كانت واجبة عليه، كتبها الله له صدقة، وإن مرض ومنعه مرضه عن القيام بالأعمال الصالحة كتب الله عنده الأجر وكأنه قام بما يقوم به دائماً.
- كرم الله -تعالى- في الجزاء على الأعمال الصالحة؛ فإنه يجزيهم الأجر على أحسن الأعمال، لا على أدناها ولا على أوسطها، ثم يضاعف الله بكرمه هذا الأجر.
- دخول الجنة والتمتّع بما فيها من النعيم، واكتساب رضى الله عزّ وجلّ، والنظر إلى وجهه الكريم.
علامات قبول العمل الصالح
حينما يعمل الإنسان عملاً فإن ما يطلبه من الله هو أن يقبل ذلك العمل، فإن قبله الله دلّ ذلك على صحة العمل، وقد ذكر العلماء بعض العلامات التي تدل على قبول العمل الصالح عند الله، وفيما يأتي بيان لبعض أمارات قبول العمل عند الله بشكلٍ مفصّل:[٧]
- عدم الرجوع إلى الذنب؛ فيكرهه ويكره العودة إليه، وكلما تذكر أنه كان يفعله ندم وحزن، فمن تاب وعقد قلبه على الرجوع إلى المعصية لم تُقبل توبته، وكما يقول ابن القيم في كتابه مدارج السالكين: (أما إذا تذكَّر الذنبَ ففرح وتلذَّذ فلم يُقبل، ولو مكث على ذلك أربعين سنة).
- الزيادة في الطاعة والثبات عليها؛ فإن من جزاء الحسنة إتباعها بحسنة بعدها، ومن عقوبة السيئة إتباعها بسيئة بعدها، ومن عاش على شيء مات عليه، وبعثه الله -تعالى- يوم القيامة عليه.
- طهارة القلب؛ فيتخلّص من كل ما في القلب من أمراض، ويقدّم طاعة الله ومرضاته على طاعة ما سواه، ولا يحبّ إلا ما يحبه الله، ويعلم أن كل ما يصيبه لم يكن إلا من الله، فيرضى ويطمئن، ويوقن أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
- نظر القلب إلى الآخرة، ودوام تذكّر موقف سؤال الله والوقوف بين يديه، فيخاف العبد من ذلك، ويحاسب نفسه على كل ما يقوم به سواء كان صغيراً أو كبيراً.
- إخلاص العمل لله تعالى، فلا يجعل المؤمن من أعماله شيئاً من أجل البشر.
- الخوف من عدم قبول العمل؛ فالمسلم يخشى من التقصير وعدم قبول عمله، ويخشى أن يُردّ العمل عليه، فيفتقر إلى الله -تعالى- وهو الغني سبحانه، ويسأله التوفيق والقبول دائما، قال -تعالى- واصفا المؤمنين: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ).[٨][٩]
- أن يكون العبد متّصفا بالتقوى، فيعمل ما أمره الله به، ويجتنب ما نهاه عنه، وهذا يدل على رضا الله -تعالى- عنه، وتوفيقه له، وقبوله لعمله، فالمؤمن تنهاه صلاته وصيامه وصدقاته عن الفواحش، وتُثمر أعماله الصالحة التقوى والاستقامة والزيادة في الطاعات.[١٠]
المراجع
- ↑ سورة الكهف، آية: 104.
- ↑ سورة العصر، آية: 3.
- ^ أ ب إبراهيم الحقيل (21-6-2014)، “ما العمل الصالح؟”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 4-2-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة هود، آية: 7.
- ↑ عبدالله القصيِّر (12-10-2016)، “فضل العمل الصالح وثمراته في العاجلة والآجلة”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 5-2-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة النور، آية: 55.
- ↑ بيومي إسماعيل (28-12-2009)، “علامات قبول العمل الصالح”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 5-2-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة المؤمنون، آية: 60.
- ↑ أمير المدري، “علامات قبول الطاعة”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 5-2-2019. بتصرّف.
- ↑ “علامات قبول الله للعبد وعباداته”، www.islamweb.net، 1-1-2006، اطّلع عليه بتاريخ 5-2-2019. بتصرّف.