معنى القوامة

الأسرة في الإسلام

كانت الأسرة قبل قدوم الإسلام قائمةً على الظلم والتعسّف، وكان الأمر كلّه للرجال فقط، أمّا النساء فلا حقّ لهنّ في شيءٍ، وأُسر الغرب كذلك اليوم محطمةٌ ومفككةٌ، فالأسرة عندهم متهالكةٌ ومهلهلةٌ، لا يستطيع الوالدان فيها أن يحكما على أولادهما، لا بالفكر، ولا بالخلق ولا في غيره، فإنّ الابن عند عند أسر الغرب يمكنه أن يفعل ما يشاء وكيف يشاء، والابنة لها أن تخرج مع أيّ شخصٍ أرادت، وأن تذهب إلى أيّ مكانٍ أحبت، وكلّ ذلك باسم الحرية والحقوق، فكانت النتيجة أنّ الأسر عن الغرب تعاني من تفككٍ كبيرٍ، والأطفال يولدون من غير زواجٍ، والآباء والأمهات لا يجدون من يرعاهم، أو يحسن إليهم، أمّا الإسلام فإنه ينظر للأسرة على أنّها اللبنة الأولى للمجتمع، فلا بدّ لها أن تكون صلبةً متماسكةً؛ حتى يكون المجتمع كلّه كذلك، لذلك فقد شرع الإسلام في تقوية تلك اللبنة وتدعيمها، فجاء بالمبادئ والقوانين التي تحقق ذلك وتحافظ عليه، وأوجب الإسلام على المجتمع الالتزام بتلك القوانين وتنفيذها.[١][٢]

انطلق الإسلام في تشريعاته المفضية إلى حفظ الأسرة، والعلاقة بين الزوجين، وحرص على أن تكون أقوى ما يمكن، فجعل الزواج مؤسسةً اجتماعيةً دينيةً، تهدف إلى تحقيق مصالح مشتركةٍ بين الزوجين، ويتمتع كلّ من الزوجين بثمرات المودة والرحمة، ويتمكنان من إشباع رغباتهم الفطرية بطريقةٍ كريمةٍ، كما يُرضيان غريزتهما الوالدية؛ بإنجاب الأبناء، فالأسرة هي البيئة الطبيعة والضرورية لوجود الأبناء، وإنّ في الأسرة يكتمل نمو الأطفال الصحي، والجسمي، والفكري، والعقلي بطريقةٍ سليمةٍ، وقد حرص الإسلام على تأسيس الأسرة من أول لحظةٍ، على مبدأ الرضا، والرغبة، والاختيار بين الزوجين، ثم اهتمّ الإسلام بعد ذلك بحقوق الزوج على زوجته، وحقوق الزوجة على زوجها، وكما اهتم الإسلام بعلاج ما قد يطرأ عليهما من مشاكل فيما بينهم، وكلّ ذلك يهدف إلى حفظ الأسرة وضمان قوتها.[٢]

القوامة

يقال في اللغة قِوام الشيء؛ أيّ عِماده ونظامه، والقِوامة هي القيام على الأمر، أمّا في اصطلاح الفقهاء فإنّهم يقصدون بالقوامة أحد ثلاثة معانٍٍ: إمّا القيم على القاصر، وإمّا القيم على الوقف، وإمّا القيم على الزوجة، والمعنى الأخير هو المقصود بيانه، فالقوامة الزوجية: هي ولايةٌ يُفوَّضُ بها الزوج للقيام على مصالح زوجته بالتدبير والصيانة، والواضح من معنى القوامة أنّها تكليفٌ على الزوج، كما أنّها تشريفٌ للمرأة، فقد أوجب الله -تعالى- على الزوج بمقتضى القِوامة، رعاية زوجته التي ارتبط بها بعقد زواجٍ شرعيٍ، واستحل الزوج الاستمتاع بزوجته بذلك الميثاق الغليظ كما وصفه الله -تعالى- في القرآن الكريم حيث قال: (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً)،[٣] وبذلك تكون المرأة مكرمةً بوضعها تحت قيّمٍ يقوم بأمورها، وينظر في مصالحها، ويذبّ عنها، ويبذل كلّ ما من شأنه أن يسعدها، ويحقق طمأنينتها، ويظهر من ذلك أنّ القوامة ليست تسلطاً على المرأة، ولا قهراً لشخصيتها كما يحاول أعداء الإسلام تصويرها.[٤][٥]

والأصل في مشروعية القِوامة للرجل على المرأة في الزواج موجودٌ في القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، فمن القرآن الكريم قول الله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)،[٦] وقد نصّ جمهور علماء المسلمين من المفسرين والفقهاء، على أنّ الآية هي الأصل في قوامة الرجل على زوجته، أمّا من السنة النبوية الشريفة، فقد ورد عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- العديد من الأحاديث التي تأمر الزوجة بطاعة زوجها، ما دام ذلك ضمن حدود الشرع، وحدود قدرتها واستطاعتها، ومنها قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إذا صلَّتِ المرأةُ خَمْسَها، وصامَت شهرَها، وحصَّنَتْ فرجَها، وأطاعَت زوجَها، قيلَ لها: ادخُلي الجنَّةَ مِن أيِّ أبوابِ الجنَّةِ شِئتِ).[٧][٥]

أسباب القوامة

يتساوى كلّ من الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، وذلك من محاسن الإسلام الظاهرة، قال الله -تعالى- موضحاً ذلك: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ)،[٨] إلّا أنّ السبب في جعل القِوامة للرجل على زوجته لا للمرأة على زوجها؛ اختلافهما في أمرين رئيسيين، وفيما يأتي بيانه ذلك:[٩]

  • امتلاك الرجل لمقوماتٍ جسديةٍ خَلقيةٍ، فالرجل كامل الخِلقة، معتدل العاطفة، سليم البنية، ولذلك هو مفضلٌ في القوة والعزم على المرأة، ولذلك كانت النبوّة، والرسالة، والإمامة الكبرى، والقضاء، كلّها خاصةٌ في الرجال دون النساء، وكذلك إقامة الشعائر؛ من أذانٍ، وإقامةٍ، وجهادٍ، وجُمعةٍ، ونحو ذلك، كما جُعل الطلاق في أيدي الرجال، وخُصّوا بالشهادة في الجنايات والحدود.
  • وجوب الإنفاق على الرجل للزوجة، والقريبة، وكذلك إلزام الرجل بالمهر للزواج من المرأة؛ كرمزٍ لتكريمها.

ضوابط القوامة

جعل الله -تعالى- للقِوامة ضوابطٌ تحكمها، حتى لا يتخذّها بعض الرجال دافعاً للتحكم بالمرأة وإذلالها، وفيما يأتي بيان تلك الضوابط:[٥]

  • أداء الرجل لواجباته الزوجية، ومنها ما يأتي:
    • أداء المهر للزوجة؛ وهو المال الذي يجب للمرأة على الرجل عند النكاح، وقد نقل العلماء الإجماع على وجوب المهر، وفي المهر تأكيدٌ على شرف المرأة ومكانتها، وعلى رغبة الرجل بالاتباط بها.
    • الإنفاق على الزوجة، وتلزم النفقة الرجل بمجرد عقد الزواج، وتمكّن الرجل من الاستمتاع بزوجته، فيكون الرجل ملزماً بالإنفاق عليها، وتوفير المسكن والملبس لها.
    • معاشرة الزوجة بالمعروف والإحسان، والمعاشرة لفظٌ عامٌ يشمل نواحي الحياة جميعها، فالمطلوب من الزوج، أن يحسن الحديث مع زوجته، ويتأدب معها، ولا يحمّلها ما لا تطيق، وكذلك أن يتحمل ما قد يبدر من زوجته أحياناً، من تكدّرٍ ونحوه، وأن يتجمل لها، ويدخل السرور إلى قلبها، وما إلى ذلك من صور حسن المعاشرة.
  • عدل الرجل وإنصافه في وظيفة القِوامة الملقاة على عاتقه، فبما أنّها وظيفةٌ شرعيةٌ جعلها الله -تعالى- للرجل، فوجب عليه مراعاة النصوص الشرعية في أدائها، فلا يظلم ولا يتجبر، بل يعدل وينصف، ويراعي حقوق زوجته وواجباتها.

المراجع

  1. “مكانة الأسرة في الإسلام”، www.islamqa.info، 2002-6-26، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-30. بتصرّف.
  2. ^ أ ب فتحية توفيق (2013-9-9)، “الأسرة في الإسلام”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-30. بتصرّف.
  3. سورة النساء، آية: 21.
  4. “تعريف و معنى القوامة في معجم المعاني الجامع”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-30. بتصرّف.
  5. ^ أ ب ت د. محمد بن سعد المقرن، “القوامة الزوجية.. أسبابها، ضوابطها، مقتضاها”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-30. بتصرّف.
  6. سورة النساء، آية: 34.
  7. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 660، صحيح.
  8. سورة البقرة، آية: 228.
  9. “قوامة الرجل على المرأة: مفهومها وسببها”، www.islamqa.info، 2017-9-24، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-30. بتصرّف.