ما هو مسجد قباء

مسجد قباء

يقع مسجد قباء في الجنوب الغربي من المدينة المنوّرة، على بعد خمسة كيلو متراتٍ من المسجد النبويّ الشريف، وهو أول مسجدٍ بُني في الإسلام، وكان ذلك عندما وصل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إلى المدينة المنوّرة مهاجراً من مكّة، فحطّت راحلته في قباء؛ فاختاره موقعاً لبناء المسجد في المكان الذي بركت فيه ناقته، وكان فيه بئرٌ للصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري، ومن الجدير بالذكر أنّ النبي -عليه الصّلاة والسّلام- أول من وضع حجراً في قبلته، ثمّ جاء أبو بكرٍالصدّيق -رضي الله عنه- ووضع حجراً آخر، ثمّ فعل عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- كما فعل أبو بكر، فشرع النّاس بعدهم في البناء والفرحة تغمرهم حتى أكملوا ذلك المسجد الذي أسّس على التقوى، وروت الشموس بنت نعمان أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- كان يأتي بالحجر قد ألصقه إلى بطنه فيضعه، فيأتي الرجل يريد أن يقلَّه فلا يستطيع، حتى يأمره -صلّى الله عليه وسلّم- أن يدعه ويأخذ غيره، وبعد أن تمّ بناء المسجد أثنى الله تعالى على أهل قباء؛ حيث قال في سورة التوبة: (لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ ۚ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا ۚ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ)،[١] وممّا تجدر الإشارة إليه؛ أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ميّز مسجد قباء عن غيره من المساجد؛ حيث كان يزوره في كلّ يوم سبت ويصلي فيه، وبقيت هذه العادة عند أهل المدينة إلى يومنا هذا.[٢]

مسجد التقوى

اختلف العلماء في المسجد الذي أُسّس على التقوى، فقال بعض العلماء هو مسجد قباء، ومن أصحاب هذا القول: ابن عباس، والحسن، والضحاك، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: (مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ)؛[١] إذ إنّ مسجد قباء أسّس في المدينة المنورة من أول يومٍ، وكان بناؤه قبل بناء المسجد النبويّ، بالإضافة إلى حديث أبي هريرة رضي الله عنه، حيث قال: (نزلت في أهلِ قباءٍ “فيهِ رجالٌ يحبُّونَ أن يتطَهروا واللَّهُ يحبُّ المطَّهِّرين”، قالَ: كانوا يستَنجونَ بالماءِ فنزلت فيهم هذِه الآيةُ)،[٣] كما أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عندما نزلت الآية الكريمة قال للأهل قباء: (يا مَعشرَ الأَنصارِ، إنَّ اللَّهَ قَد أثنى عليكُم في الطُّهورِ، فما طُهورُكُم؟ قالوا: نتَوضَّأُ للصَّلاةِ، ونغتَسلُ منَ الجَنابةِ، ونَستَنجي بالماءِ، قالَ: فَهوَ ذاكَ، فعليكُموه)،[٤] ويدلّ هذا الحديث على أنّ المسجد المذكور في الآية هو مسجد قباء، وقال فريقٌ من العلماء أنّ المسجد الذي أُسّس على التقوى هو مسجد المدينة المنوّرة، واستدلوا على ذلك بالرواية عن ابن عمر -رضي الله عنه- عندما سُئل عن المسجد الذي أُسس على التقوى، فقال: (مسجد المدينة).[٥]

مسجد الضِرار

عرّف العلماء الضّرَر؛ بأنّه ما يجلب للإنسان المنفعة ويجلب لجاره المضرّة، وأمّا الضِّرار؛ فهو لا يجلب للإنسان منفعةً ويجلب المضرّة لغيره، والمقصود من قول الله تعالى مسجداً ضِراراً؛ أنّ أهل المسجد هم الضِّرار لا المسجد نفسه، فبعدما تمّ بناء مسجد قباء أقام فيه بني عمرو بن عوف، ثمّ بعثوا إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ليصلي فيه فجاء وصلى فيه، فحسدهم بنو غنم بن عوف، وبنوا مسجداً، ثمّ بعثوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ ليأتيهم ويصلي فيه كما صلى في مسجد قباء، وكان من أهداف بناء المسجد: استقبال أبو عامر الراهب الذي كان قد ذهب إلى الشام وقابل قيصر الروم وتنصّر، فوعده قيصر الروم بالزيارة، فذهب بنو غنم إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وهو يتجهّز للخروج إلى تبوك وطلبوا منه أن ياتي؛ ليصلي في المسجد الذي بنوه ويدعو لهم بالبركة، إلا أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أخبرهم بأنّه خارجٌ إلى سفرٍ ووعدهم بالصلاة فيه عند عودته من تلك الرحلة، فلمّا عاد النبي -عليه السّلام- من تبوك، كانوا قد أنهوا بناءه وصلوا فيه الجمعة والسبت والأحد، فطلب النبيّ -عليه السلام- قميصه؛ ليلبسه ويذهب إليهم، ولكن الله تعالى أنزل قوله: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ ۚ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَىٰ ۖ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ* لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا ۚ لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ ۚ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا ۚ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ)،[٦] فما كان من رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إلا أن جمع مالك بن الدخشم، ومعن بن عدي، وعامر بن السكن، ووحشيّ وأمرهم بالذهاب إلى ذلك المسجد وحرقه وتهديمه، فانطلقوا إليه مسرعين، فأحرقوه وهدّموه.[٥]

فضل زيارة مسجد قباء

إنّ لزيارة مسجد قباء والصلاة فيه فضائل عديدةٌ، منها:
[٧]

  • أنّ الصلاة فيه تعدل أجر عمرةٍ، كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:(من تطَهَّرَ في بيتِهِ، ثمَّ أتى مسجدَ قباءٍ، فصلَّى فيهِ صلاةً، كانَ لَهُ كأجرِ عمرةٍ).[٨]
  • ما روي عن سعد بن أبي وقّاص رضي الله عنه، أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال:(لأَن أُصلِّيَ في مسجِدِ قُباءَ رَكْعتينِ أحبُّ إليَّ من أن آتيَ بيتَ المقدسِ مرَّتينِ، لو يعلَمونَ ما في قُباءَ لضربوا أَكْبادَ الإبلِ).[٩]
  • ما رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنه، من أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (كان يأتي قباءَ، يعني كلَّ سبتٍ، كان يأتيه راكبًا وماشيًا).[١٠]

المراجع

  1. ^ أ ب سورة التوبة، آية: 108.
  2. “مسجد قباء”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 5-6-2018. بتصرّف.
  3. رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 291 ، صحيح.
  4. رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن أبي أيوب الأنصاري، الصفحة أو الرقم: 290، صحيح.
  5. ^ أ ب “مسجد التقوى والمسجد الضرار”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 6-6-2018. بتصرّف.
  6. سورة التوبة، آية: 107-108.
  7. “فضل زيارة مسجد قباء والصلاة فيه”، fatwa.islamweb.net. بتصرّف.
  8. رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن سهل بن حنيف، الصفحة أو الرقم: 1168 ، صحيح.
  9. رواه ابن حجر العسقلاني، في فتح الباري لابن حجر، عن عمر بن شبة، الصفحة أو الرقم: 3/83، إسناده صحيح.
  10. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 1399 ، صحيح.