ما هو تعريف التقوى
التقوى
المسلم الحق هو المسلم الذي يلتزم أوامر الله سبحانه وتعالى ولا يخالفها، فمن التزم أوامر الله فقد أفلح ونجا، فالله سبحانه وتعالى لمّا خلق البشر وجعلهم بطبيعتهم التي خلقهم عليها، أرسل لهم الرسل، وأنزل مع الرسل كُتُباً وصحفاً تُتلى، فلم يتركهم دون رعايةٍ وتَوعية، بل أرسل لهم ما يدلّهم على طريق الهدى والرشاد، فأمرهم من الأوامر ما فيه صلاحهم، ونهاهم عن كلِّ ما فيه الفسادَ والهلاكَ لهم في الدنيا والآخرة، والعاقل الرشيد هو من يَعي حقيقة أوامر الله ونواهيه وما فيها من الخير للإنسانية؛ فيَحرص على تقوى الله والتزام أوامره واجتناب نواهيه، فما هي التقوى؟ وما علاماتها؟ وما هي ثمارها وفوائدها؟
تعريف التقوى
- التقوى لغةً: من الوقاية، وهي الصون والحماية
- التقوى اصطلاحاً: أن يجعل المسلم وقايةً بينه وبين غضب الله وسخطه؛ وذلك باتّباع أوامره وطاعته سبحانه وتعالى، واجتناب زواجره ونواهيه. قال الشيخ عبد العزيز بن باز: (تقوى الله سبحانه هي عبادته بفعل الأوامر، وترك النواهي عن خوفٍ من الله، وعن رغبةٍ فيما عنده، وعن خشيةٍ له سبحانه، وعن تعظيمٍ لحرماته، وعن محبةٍ صادقةٍ له سبحانه ولرسوله عليه الصلاة والسلام).[١]
سُئل أبو هريرة -رضي الله عنه- عن التقوى فقال للسائل: هل سلكت طريقاً فيه شوك؟ فأجاب السائل: نعم، فقال أبو هريرة: فما صنعت؟ فأجابه السائل بأنّه كان يَبتعد عن الشوك ويَتجنّبه، فقال أبو هريرة: فذاك هو التُّقى؛ أي التقوى، وأبدع ابن المعتزّ حينما نَظَم في هذا المعنى شعراً، فقال:
خَلِّ الذنــوبَ صَــغيــرَها *** وكَبيــــــرَها ذاكَ التُقى
واصنَع كَمَاشٍ فوقَ أر *** ضِ الشَـوك يَحْــذرُ مــــا يــَـرى
لا تحقِرنَّ صغيـــــــــرةً **** إنَّ الجِبـــالَ مِن الحَصــى[٢]
التقوى كما وصفها علي بن أبي طالب
إنّ من أجمل ما قيل في التقوى كلمات للصحابي الجليل علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ إذ يَصفُ التقوى حينما سأله أحدهم عن التقوى، فأجاب: (هي الخوفُ من الجَليل، والعملُ بما في التنزيل، والاستعدادُ ليوم الرَّحيل)[٣] فقد وصف -رضي الله عنه- التقوى على أنّها الخوف من الله تبارك وتعالى، وهذا الخوف يَستلزمُ عبادته سبحانه حقَّ العبادة وحده لا شريك له، والعمل بما جاء في القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة من أوامر، والابتعاد عما فيهما من نواهٍ وزواجر؛ فما ورد في السنّة من أوامر ونواهي لا تَقلّ في الأهميةِ وفي الاستدلال الشرعي عن الأوامر والنواهي الواردة في القرآن الكريم، فالله سبحانه وتعالى يقول عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)، [٤] ثم يُنهي -رضي الله عنه- وَصفه للتَقوى بالاستعداد ليوم الرحيل، فالإنسانُ راحلٌ عن هذه الدنيا لا مَحالة، والراحلُ لا بُدَّ له أن يتزوّد لرحلته، ومن التقوى أن يتزوّد الإنسان بالطاعات ويكثر من النوافل والعبادة، وكلِّ ما من شأنه أن يُعينه في رحلته.[٢]
علامات التقوى
للتقوى علاماتٌ كثيرةٌ يتصفُ بها المُتَّقون، ومن أهمّها ما يأتي:[٥]
- تعظيم شعائر الله.[٦]
- بذل المال في سبيل الله.[٧]
- المداومة على ذكر الله.[٨]
- ترك المنكرات والابتعاد عنها.[٩]
- التواضع وحُبّ الخلوة للتفكُّر.[١٠]
- الحذر من الانحراف والزّيغ.[١١]
- إقامة العدل والبعد عن الظلم.
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
- الإيمان بالغيب.
- إقامة الصلاة.
- اليقين والإيمان التّام بالآخرة.
ثمار التقوى وفوائدها
للتقوى فوائد وثمار جليلة ينالها المتّقون في الدنيا والآخرة، وهي ثمارٌ عظيمةٌ وعديدةٌ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:[١١]
- نَيل مرضاة الله ومحبته؛ فبالتقوى ينال المسلم مرضاة الله سبحانه وتعالى، ويفوز بهذا الرضا الذي هو مفتاح كل خير. يروي رسول الله عن الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي: ( إنَّ اللهَ قال: من عادَى لي وليًّا فقد آذنتُه بالحربِ ، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ ممَّا افترضتُ عليه، وما يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافلِ حتَّى أُحبَّه، فإذا أحببتُه: كنتُ سمعَه الَّذي يسمَعُ به، وبصرَه الَّذي يُبصِرُ به ، ويدَه الَّتي يبطِشُ بها ، ورِجلَه الَّتي يمشي بها ، وإن سألني لأُعطينَّه ، ولئن استعاذني لأُعيذنَّه ، وما تردَّدتُ عن شيءٍ أنا فاعلُه ترَدُّدي عن نفسِ المؤمنِ ، يكرهُ الموتَ وأنا أكرهُ مُساءتَه)[١٢]
- حماية الإنسان ووقايته من ضَرَر الشيطان، فالتقوى حصنٌ للمسلم من الشيطان وكيده، ووقايةٌ من وسوسته.
- الانتفاع بالقرآن الكريم، فمن أراد أن ينتفع بكتاب الله وبما فيه من بركةٍ وعلمٍ وتوفيق فطريق ذلك تقوى الله.
- مَعيَّة الله للمتقين، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)[١٣]
- تَيسير أمور المتقين، قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا)[١٤]
- عَون الإنسان على التفريق بين الحق والباطل، قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)[١٥]
- جَلبُ البركات وفتح بركات السماء بإذن الله، قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)[١٦]
- نَيلُ ولاية الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: (إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)[١٧]
- الوِقاية من ضرر الكافرين، قال تعالى: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ)[١٨]
- المَددُ والعَون من الله عند الشدائد.
- تَعظيم شعائر الله، قال تعالى: (ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ)[١٩]
- نَيل العلم وتَحصيله، قال تعالى: (كم عدد الرسلوَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[٢٠]
- تَكريم الله للمتّقين، قال تعالى: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )[٢١]
- النَجاة من عذاب الله يوم القيامة.
- سببٌ لقبول الأعمال عند الله.
- التقوى سَببٌ لتكفير الذنوب والسيئات.
- التقوى سببٌ لنيل ما تشتهيه النفوس في الحياة الآخرة، ونيل ما تستلذُ به الأعين.
- التقوى سببٌ للفوز بغُرَفٍ تعلوها غُرَف في الجنة.
المراجع
- ↑ عمر الأشقر (2012م)، التقوى «تعريفها وفضلها ومحذوراتها وقصص من أحوالها» (الطبعة الأولى)، عمان: دار النفائس، صفحة 9.
- ^ أ ب ابن رجب الحنبلي (2001)، جامع العلوم والحكم (الطبعة السابعة)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 402، جزء 1.
- ↑ محمَّد الخَضِر بن سيد عبد الله بن أحمد الجكني الشنقيطي (المتوفى: 1354هـ) (1995م)، كوثَر المَعَاني الدَّرَارِي في كَشْفِ خَبَايا صَحِيحْ البُخَاري (الطبعة الأولى)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 402، جزء 1.
- ↑ سورة النجم، آية: 3-4.
- ↑ خالد أبو شادي (31-1-2016)، “علامات وفوائد التقوى”، طريق الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 22-4-2017.
- ↑ أبو الحسن الواحدي (1415هـ)، الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (الطبعة الأولى)، دمشق: دار القلم، صفحة 733.
- ↑ أحمد بن مصطفى المراغي (المتوفى: 1371هـ) (1946م)، تفسير المراغي (الطبعة الأولى)، مصر: مطبعة مصطفى البابى الحلبي، صفحة 70، جزء 4.
- ↑ سعيد حوّى (1424هـ)، الأساس في التفسير (الطبعة السادسة)، القاهرة: دار السلام، صفحة 4871، جزء 9.
- ↑ المعتز بالله أبي محمد رضا أحمد صمدي (1420هـ)، القواعد الحسان في أسرار الطاعة والاستعداد لرمضان (الطبعة الثالثة )، جدة: مكتبة الفهيد، صفحة 59.
- ↑ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي (المتوفى : 748هـ) (1985م)، سير أعلام النبلاء (الطبعة الثالثة)، دمشق: مؤسسة الرسالة، صفحة 226، جزء 11.
- ^ أ ب سعيد بن علي بن وهف القحطاني، نور التقوى وظلمات المعاصي في ضوء الكتاب والسُّنَّة (الطبعة الأولى)، الرياض: مطبعة سفير ، صفحة 20 وما بعدها.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 6502، صحيح.
- ↑ سورة النحل، آية: 128.
- ↑ سورة الطلاق، آية: 4.
- ↑ سورة الأنفال، آية: 29.
- ↑ سورة الأعراف ، آية: 96.
- ↑ سورة الأنفال، آية: 34.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 120.
- ↑ سورة الحج، آية: 32.
- ↑ سورة البقرة، آية: 282.
- ↑ سورة الحجرات ، آية: 13.