ما هو الفقه لغة واصطلاحاً

التشريع الإسلامي

التشريع الإسلاميّ هو مجموعة الأحكام التي شرعها الله -سبحانه وتعالى- في كتابة العزيز وعلى لسان نبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وهو تشريع شامل لحياة الإنسان؛ فهو ينظّم علاقته مع ربه عزّ وجلّ، وينظم علاقته مع غيره من الناس، حيث قام هذا التشريع العظيم على أسسٍ تجعله صالحاً لكل زمان ومكان؛ فهو يقوم على التيسير ورفع الحرج عن الناس، حيث جاءت تكاليفه الشرعيّة في حدود استطاعة الإنسان وقدرته، وقد قال الله -سبحانه وتعالى- في كتابه العزيز:(يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)[١] وقال أيضاً: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)[٢]

إنّ التكاليف التي جاء بها التشريع الإسلامي قليلةٌ نسبياً يستطيع المسلم أن يقوم بها، ومما يتميّز به التشريع الإسلامي أنّه قائم على مبدأ عظيم وهو تحقيق العدل بين الناس؛ حيث يعطي كل ذي حق حقه، فالناس جميعهم أمام التكاليف الشرعيّة سواء، لا فضل لعربي بينهم على عجميّ، ولا فضل لأبيض على أسود إلا بالتقوى، فأساس المفاضلة بينهم التقوى، ويقوم التشريع الإسلامي على تحقيق المنافع بين الناس، سواء كانت هذه المنافع فرديّة أم جماعيّة، وإذا تعارضت مصلحةٌ فرديةٌ مع أخرى جماعيّة تُقدّم مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد.[٣]

معنى الفقه

للفقه معنيان؛ لغوي واصطلاحيّ وفيما يلي بيان لهما.

الفقه في اللغة

يُعرّف الفقه في اللغة بالكسر بأنّه: العلم بالشيء، والفهم له، والفطنة، وغلب على علم الدين لشرفه،[٤] ومنه قول الله عزّ وجلّ: (…وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ فَمَالِ هَٰؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا)[٥] والمراد بقوله: يفقهون أي: يفهمون، ومنه قول الله عزّ وجلّ على لسان نبيه شعيب عليه الصلاة والسلام: (قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ)[٦]

الفقه في الاصطلاح

أُطلِق لفظ الفقه بداية في صدر الإسلام على: فهم الأحكام الدينيّة جميعها، سواء كانت اعتقادية أو عمليّة، فقد قال ابن خلدون في مقدمته: (الفقه معرفة أحكام الله تعالى في أفعال المكلّفين بالوجوب والحظر والندب والكراهة والإباحة، وهي متلقّاة من الكتاب والسنة، وما نصبه الشارع لمعرفتها من الأدلة فإذا استُخرجت الأحكام من تلك الأدلة قيل لها فقه)[٧]

وقد عرّف الإمام أبو حنيفة الفقه بعد ذلك بأنّه: معرفة النفس ما لها وما عليها.[٨]
وهذا التعريف شامل لجميع أقسام الشريعة؛ العقائد، والأخلاق، والأعمال، وغيرها.

استقلّ علم الفقه بعد ذلك عن العلوم الأخرى، حيث أصبح لكل علم موضوعاته؛ فمثلاً علم الأخلاق يبحث في الوجدانيّات، وعلم الكلام في العقائد، وهكذا، وقد أصبح علم الفقه يُعرّف بأنّه: العلم بالأحكام الشرعيّة العمليّة المكتسبة من أدلتها التفصيليّة.[٩]
وبيان هذا التعريف كما يلي:[١٠]

  • العلم: أي مطلق الإدراك، سواء كان هذا عن دليل قطعيّ أم كان عن دليل ظنّي راجح.
  • بالأحكام الشرعية: لفظ (الأحكام) يشمل الأحكام العقائديّة مثل الإيمان بالله، والأحكام العمليّة مثل: وجوب الصلاة، ووجوب الصوم، والأحكام العقليّة مثل القول: إنّ الواحد هو نصف الاثنين، والأحكام اللغويّة: مثل الفاعل مرفوع، وغيرها من الأحكام، أما لفظ (الأحكام الشرعية) ففيه تقييد للأحكام بأنّها فقط الأحكام المستفادة من الأدلة الشرعيّة، وهي القرآن الكريم، والسنة النبويّة، والإجماع، والقياس، وسد الذرائع، والمصلحة المرسلة، وغير ذلك. وتنقسم الأحكام الشرعيّة إلى قسمين:
    • الحكم التكليفيّ: ويُقصد به خطاب الله تعالى المتعلّق بأفعال المكلّفين بالاقتضاء أو التخيير، وهو خمسة أنواع: الواجب، والمحرّم، والمندوب، والمكروه، والمباح.
    • الحكم الوضعيّ: ويُقصد به خطاب الله تعالى المقتضي جعل الشيء سبباً لشيء آخر( مثل القتل العمد سبب القصاص) أو شرطاً له (مثل الطهارة شرط في صحة الصلاة) أو مانعاً له (مثل الرضاع مانع من ابتداء الزواج واستمراره).
  • العملية: أي الأحكام الشرعيّة التي تُنسب إلى أفعال العباد الحسيّة، مثل الصلاة، والحج، والصوم، والزكاة.
  • المكتسبة: أي العلم الذي يُحصل عليه بعد البحث والنظر في الأدلّة.
  • من أدلتها التفصيليّة: أي الأدلّة التي تتعلّق بكل واحدة منها مسألة معينة، ومثال ذلك: قول الله تعالى:(وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ).[١١] فهذه الآية دليل على وجوب الصلاة ووجوب الزكاة.

فضل الفقه

وردت آيات كريمة وأحاديث نبويّة شريفة تدلّ على فضل الفقه، وفضل تحصيله، والحثّ على تعلّمه، ومما جاء في فضل الفقه ما يأتي:[١٢]

  • قول الله عزّ وجلّ: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)[١٣] فالله عزّ وجلّ جعل وظيفة الإنذار والدعوة من مهمّة الفقهاء، وهي وظيفة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
  • قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَن يُرِدِ اللهُ به خيرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ، وإنما أنَا قاسِمٌ واللهُ يُعْطِي، ولن تزالَ هذه الأمةُ قائمةً على أمرِ اللهِ، لا يَضُرُّهم مَن خالفهم، حتى يأتيَ أمرُ اللهِ).[١٤] أما فائدة علم الفقه فهي تعريف المكلَّف بحكم الأفعال الصادرة عنه، ومعرفة ما يجب عليه، وما يحرُم عليه.

مصادر الفقه

يستمد الفقه الإسلاميّ أحكامه العمليّة من مجموعة من المصادر، وقد اتفق العلماء على العمل ببعض تلك المصادر واختلفوا في العمل ببعضها، أمّا المصادر المتّفق على العمل بها فهي: القرآن الكريم، والسنة النبويّة، والإجماع، والقياس.

أما المصادر المختَلَف في العمل بها فهي: الاستحسان، والمصلحة المرسَلَة، والعرف، وسد الذرائع، وقول الصحابي، وشَرْع من قبلنا، والاستصحاب.[١٥]

المراجع

  1. سورة البقرة، آية: 185.
  2. سورة الحج، آية: 78.
  3. مناع القطان (2001)، تاريخ التشريع الإسلامي (الطبعة الخامسة)، مصر: مكتبة وهبة، صفحة 132-133. بتصرّف.
  4. مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادى (2005)، القاموس المحيط (الطبعة الثامنة)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 1250. بتصرّف.
  5. سورة النساء، آية: 78.
  6. سورة هود، آية: 91.
  7. عبد الرحمن بن محمد بن محمد، ابن خلدون أبو زيد (1988)، ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر( تاريخ ابن خلدون) (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الفكر، صفحة 563.
  8. ابن نجيم، البحر الرائق شرح كنز الدقائق (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الكتاب الإسلامي، صفحة 6، جزء 1. بتصرّف.
  9. مجموعة من المؤلفين، الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة، السعوديّة: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، صفحة 18.
  10. د وهبة بن مصطفى الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، سورية: دار الفكر، صفحة 30، جزء 1. بتصرّف.
  11. سورة البقرة، آية: 43.
  12. مجموعة من المؤلفين (1424)، الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة، السعودية: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، صفحة 19. بتصرّف.
  13. سورة التوبة، آية: 122.
  14. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن معاوية بن أبي سفيان، الصفحة أو الرقم: 71، صحيح.
  15. عبد الله الصالح (2007)، المدخل إلى دراسة الفقه الإسلامي، صفحة 164. بتصرّف.