ما هي أسباب عذاب القبر

ما هي أسباب عذاب القبر

قال الله سبحانه وتعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُلهِكُم أَموَلُكُم وَلاَ أَولاَدُكُم عَن ذِكْرِ الله وَمَن يَفعَلْ ذَلِكَ فَأْوْلَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ * وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقنَكُم مِّن قَبلِ أَن يَأْتِي أَحَدَكُمُ المَوتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَولاَ أَخَّرتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مّنَ الصَّالِحِينَ * وَلَن يُؤَخِّرَ الله نَفساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَالله خَبِيرُ بِمَا تَعْمَلُونَ) سورة المنافقون،9-11.

وجاء في كتاب الترمذي، قال النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أكثروا ذكر هادم اللذات (الموت). وفي الصّحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنّ رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال: (ما حقّ امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيّته مكتوبة عنده). وهناك مجموعة من الأمور والأسباب التي تؤدّي إلى عذاب الإنسان في قبره، وهي على النّحو الآتي:

النميمة

تعدّ النّميمة – والتي هي سبب من أسباب عذاب القبر – من أعظم الذّنوب عند الله عزّ وجلّ، وقد جاء في صحيح البخاري قوله صلّى الله عليه وسلّم: (لا يدخل الجنّة نمّام)، وذلك أنّ النّميمة من أكبر الكبائر، كما أنّها تعدّ من الموبقات، وهي ذنب يتعدّى ضرره من الإنسان إلى من سواه، وقد نهانا النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – عن القيل والقال، ونهانا عن إضاعة المال، وعن كثرة السّؤال، والقيل والقال هنا يعني أن يسمع الإنسان أمراً، ثمّ ينقله إلى غيره من النّاس، وذلك يؤدّي إلى زرع المشاكل بين النّاس، ونزع الثّقة بينهم، ويؤدّي إلى كره المسلم لغيره، وفي حال وجدت الشّحناء والبغضاء بين النّاس، يصبح المجتمع متفكّكاً وغير متماسك، كما تعتبر النّميمة من صفات أهل النّفاق والضّلال.

عدم الاستنزاه من البول

يُعدّ أكثر أهل القبور عذاباً بسبب عدم الاستنزاه من البول، وذلك عندما يكون الإنسان مستعجلاً، فيقوم لدى انقطاع بوله دون أن يستنزه منه، وديننا الإسلام هو دين وسط، قال الله سبحانه وتعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) سورة البقرة،143، وقد أخبرنا النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – أنّ عامّة عذاب القبر يكون للذين لا يستنجون من البول، فقد روى أنس رضي الله عنه، عن رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – قال: (تنزّهوا من البول، فإنّ عامّة عذاب القبر منه).

الغلول

إنّ الغلول يعني أخذ شيء من المال العامّ للمسلمين، ويطلق خاصّةً على مال الغنائم، وبالتالي لا يجوز التصرّف في هذه الأموال فرديّاً، بل أنّ مرد هذه الغنائم يكون هو الفيء، وهذه الأنفال هي لله سبحانه وتعالى، قال تعالى: (يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) سورة الأنفال،1، وهذه الأنفال تُقسّم كما أمر الله عزّ وجلّ بها: أربعة أخماس على المقاتلين، والخمس الأخير يتمّ تقسيمه على الفقراء والمساكين.

وهذا المال لا يمكن للمقاتل أن يأخذ منه شيئاً، وإنّما هي لولي الأمر، ويُقسّمها حسب ما أمر به الشّارع، وقد قام العلماء بقياس هذا الأمر على الأمور العامّة، ومثال ذلك الزّكاة، ومال بيت المسلمين، والخراج.

ويُحرّم على المسلم أن يأخذ من المال العامّ بغير حقّ، ويُعتَبر من أخذ منها غالّاً، وقد ورد في ذلك أحاديث نبويّة شريفة، وقال في ذلك سبحانه وتعالى: (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) سورة آل عمران،161 ، أي أنّ من أخذ مالاً من بيت مال المسلمين بغير حقّ فإنّه يؤمر بأن يأتي بمثله في يوم القيامة، ولا يمكن له ذلك بعد انتهاء الحياة الدّنيا.

الكذب

يعدّ الكذب من أعظم القبائح، ومن سوء خلق الإنسان أن يأتي به، وكانت نفوس النّاس لا ترضى به قبل الإسلام وبعده، وقد جاء الدّين الحنيف ليؤكّد على هذا الأمر، ويؤسّس قواعد الدّين القائمة على الصّدق، حيث قالوا للنّبي – صلّى الله عليه وسلّم، والحديث في موطأ الإمام مالك: أيكون الرّجل جباناً؟ قال: نعم أي أنّ الإنسان قد يمرّ بلحظات يضعف فيها ويجبن، قالوا: أيكون المؤمن بخيلاً؟ قال: نعم، أي أنّ الإنسان قد يحصل أن يكون بخيلاً، ولكنّ الصّفة الأساسيّة هي الكرم، وربّما انتابه شيء من البخل في بعض لحظاته، وساعات ضعفه البشريّ، قالوا: أيكون المؤمن كذّاباً، قال: لا، وذلك أنّ الإنسان الذي يفتري الكذب هو إنسان لا إيمانٌ لديه، وأنّ النّفاق في أصله مبنيّ أساساً على الكذب، حيث إنّ المنافقين يظهرون غير ما يبطنون، ولذلك سمّاهم الله عزّ وجلّ بالكاذبين، وذلك في قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) سورة البقرة،8-10.

أكل الربا

من أعظم عقوبات القبر عقوبة الإنسان المرابي، وذلك لأنّ الرّبا يعتبر من أعظم الكبائر وأشدّها، وقد وعد الله سبحانه وتعالى المرابين بأشدّ العذاب وأكّد على ذلك، وقد آذنهم بالحرب في الحياة الدّنيا وفي الآخرة، قال عزّ وجل: (فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) سورة البقرة،279، وهم لا طاقة ولا قدرة لهم على حرب الله عزّ وجلّ لهم، قال سبحانه وتعالى: (والله غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) سورة يوسف،21.

ويعدّ الرّبا من الأمور المهلكة والعظيمة، يقع فيها كثير من النّاس، ولا يتذكّرون أنّ الرّزق كله بيد الله عزّ وجلّ، وغلبت عليهم رغباتهم وأطماعهم في الكسب السّريع، ووقعوا في هذا الأمر المحظور، والتي اعتبرها النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – من الموبقات، وقد حرّم الله سبحانه وتعالى الرّبا لأمور عديدة هي في النّهاية لمصلحة المجتمع الإسلامي وخيره، ولما في الرّبا من أضرار تعود على المرابي في الدّنيا والآخرة.

المراجع

(1) بتصرّف عن مقال من أسباب عذاب القبر/ سعيد بن مسفر القحطاني/ دروس صوتية/ موقع الشبكة الإسلامية/ المكتبة الشاملة/ shamela.ws