مراحل الميت في القبر
مراحل الميت في القبر
هناك خلاف بين العلماء على حال الميّت في القبر إن كان يسمع من حوله أم لا، ومنهم من قام بنفي هذا الأمر، وقد استدلّ من أثبت ذلك بعدّة أدلة منها:
- ما ورد في الصّحيحين أنّ النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – قال عن الميّت: (إنّه ليسمع خفق نعالهم إذا انصرفوا).
- ما ورد في خطاب النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – لقتلى بدر من المشركين، وذلك بعد أن تركهم ثلاثة أيّام: (يا أبا جهل بن هشام ، يا أميّة بن خلف ، فسمع عمر رضي الله عنه ذلك فقال: يا رسول الله ! كيف يسمعوا وأنّى يجيبوا، وقد جيفوا؟ فقال: والذي نفسي بيده، ما أنت بأسمع لما أقول منهم، ولكنّهم لا يقدرون أن يجيبوا. ثمّ أمر بهم فسحبوا فألقوا في قليب بدر) رواه البخاري ومسلم.
- ما ثبت في الصّحيحين من غير وجه، أنّه – صلّى الله عليه وسلّم – كان يأمر بالسّلام على أهل القبور فيقول : (قولوا السّلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون).
ومن العلماء من قال بأنّ الموتى يسمعون على المطلق، ومنهم من قيّد ذلك، وسمعه هو سمع إدراك، ولا يترتّب عليه الجزاء، وقد أنكرت السّيدة عائشة رضي الله عنها أن يسمع الموتى كلام الأحياء، وذلك من خلال احتجاجها بقوله تعالى: (إنّك لا تسمع الموتى)، وبقوله: (وما أنت بمسمع من في القبور) سورة فاطر،22.
وقد وافق على هذا القول مجموعة من علماء الحنفيّة، حيث قالوا: بأنّ سماع أهل القليب للنبي معجزة، أو خصوصيّة للنبي صلّى الله عليه وسلّم، وأمّا حديث: (يسمع خفق نعالهم حين يولون عنه)، فقالوا : بأنّ ذلك خاصّ بأوّل الوضع في القبر، مقدّمةً للسؤال جمعاً بينه وبين الآيتين.
وقد ثبت ذلك في حديث البراء الذي رواه أحمد، وأبو داود، وغيرهما وفيه أنّ النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – قال: (فتعاد روحه في جسده، فيأتيه ملكان فيجلسانه، فيقولان له: من ربّك؟ فيقول: ربّي الله. فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرّجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله، فيقولان له: وما علمك؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت). (1)
عذاب القبر ونعيمه
اتّفق أهل السّنة والجماعة على ثبوت كلّ من عذاب القبر ونعيمه، وما على ذلك من أدلة من الكتاب والسّنة النّبوية، حيث قال سبحانه وتعالى: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ۖ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) سورة غافر،46، وفي هذه الآيه تصريح واضح في إثبات وجود عذاب القبر، وذلك قبل قيام السّاعة، وقوله سبحانه وتعالى: (وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ ۖ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) سورة الأنعام،93 ، وقوله تعالى: (وإن للذين ظلموا عذاباً دون ذلك ولكنّ أكثرهم لا يعلمون) سورة الطور،47، والمقصود في هذه الآية هو عذاب القبر، ولا يمكن حمله على عذاب الحياة الدّنيا؛ لأنّ كثيراً من الظالمين لم ينالوا عذابهم في الحياة الدّنيا.
وقوله سبحانه وتعالى: (سنعذّبهم مرّتين ثمّ يردّون إلى عذاب عظيم) سورة التوبة،101، ومعنى العذاب المذكور بدايةً في الآية هو العذاب في الحياة الدّنيا، والمقصود بالعذاب الثّاني في الآية الكريمة هو العذاب في القبر، وقد ورد في الصّحيحين أنّ النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – مرّ بقبرين فقال: (إنّهما ليعذّبان وما يعذّبان في كبير، أمّا أحدهما فكان لا يستبرئ من البول، وأمّا الآخر فكان يمشي بالنميمة)، وورد في صحيح مسلم: (إنّ هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : وقد تواترت الأخبار عن رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – في ثبوت عذاب القبر ونعيمه لمن كان لذلك أهلاً، وسؤال الملكين، فيجب اعتقاد ذلك والإيمان به، ولا نتكلم عن كيفيّته، إذ ليس للعقل وقوف على كيفيّته، لكونه لا عهد له به في هذه الدّار، والشّرع لا يأتي بما تحيله العقول ولكن قد يأتي بما تحار فيه العقول… (2)
كلام القبر عند نزوله إليه
لقد خرّج الترمذي من حديث عبيد الله بن الوليد الوصافي عن عطية، عن أبي سعيد قال: دخل رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – مصلاه فرأى أناسا كأنهم يكتشرون أو يضحكون فقال: (أما إنّكم لو أكثرتم من ذكر هاذم اللذات لأشغلكم عمّا أرى: الموت، فأكثروا ذكر هاذم اللذات، فإنّه لم يأت يوم على القبر إلا يتكلم فيه، فيقول: أنا بيت الغربة، أنا بيت الوحدة، أنا بيت التّراب، أنا بيت الدّود، فإذا دفن العبد المؤمن قال له القبر: مرحبا وأهلا، أمّا إن كنت لأحب من يمشي على ظهري، فإذا وليتك اليوم وصرت إلي فسترى صنيعي بك، فيتّسع له مدّ بصره ويفتح له باب إلى الجنّة، وإذا دفن العبد الكافر أو الفاجر قال القبر: لا أهلا ولا مرحبا، أما إن كنت لأبغض من يمشي على ظهري، فإذا وليتك اليوم وصرت إليّ فسترى صنيعي بك)، قال: فيلتئم عليه القبر حتى تلتقي وتختلف أضلاعه. وقال رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – بأصابعه، وأدخلها بعضها في جوف بعض. (3)
المراجع
(1) بتصرّف عن فتوى رقم 4276/ من أحوال الميت في قبره/ مركز الفتوى/ إسلام ويب/ islamweb.net
(2) بتصرّف عن فتوى رقم 2112/ عذاب القبر ونعيمه ثابت بالنصوص/ مركز الفتوى/ إسلام ويب/ islamweb.net
(3) بتصرّف عن كتاب أهوال القبور وأحوال أهلها إلى النّشور/ زين الدين بن الحسن السّلامي/ دار الغد الجديدة- المنصورة- مصر/ الطبعة الأولى.