ما هو مكر الله
صفات الله عزّ وجلّ
يتّصف الله سبحانه وتعالى بصفات الكمال، التي تدلّ على على أحسن المعاني واكملها، فالله سبحانه وتعالى له المثل الأعلى، وصفاته لا تشبه صفات المخلقوين المتّصفة بالنقص، ويقسم علماء التفسير صفات الله سبحانه وتعالى إلى ثلاث أقسام، وهي:
- صفات الكمال: وهي التي لا نقص فيها بأي وجه من الوجوه، وهذه الصفات التي يوصف بها الله سبحانه وتعالى وصفاً مطلقاً لا يقيّده شيء، ومن هذه الصفات: العلم، القدرة، السمع، البصر، الحكمة..إلخ.
- صفات نقص: وهي الصفات التي لا يوصف الله سبحانه وتعالى بها مطلقاً، ومنها: صفة العجز، النوم، الخيانة، الظلم..إلخ.
- صفات قد تكون كمالاً، وقد تكون نقصاً، وذلك حسب السياق أو الحال التي تُذكر فيها. وهذه الصفات لا يتّصف بها الله سبحانه على سبيل الإطلاق، وكذلك لا تنفى عن الله سبحانه على سبيل الإطلاق، ومن هذه الصفات: صفة المكر، والاستهزاء، والخداع.
- ولأنّ صفات المكر والخداع، والاستهزاء بالأعداء، تكون صفة كمال، لأن هذا يدل على كمال علم الله سبحانه وتعالى، وكذلك كمال القدرة والسلطان.. وما إلى ذلك.
إنّ المكر للمسلمين الصادقين صفة نقص، ومن هنا فإنّ صفة المكر لم تورد في كل الأحوال مثل صفات الرحمة والقدرة العلم، وغير ذلك، بل وردت مقيّدة، بما يجعلها صفة كمال، حيث يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الأنفال، آية (30): (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)، وهنا المكر هو لأعداء الله سبحانه، الذين كانوا يمكرون لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فصفة المكر تعتبر صفة كمال في الموضع التي ذكرت به، وهنا يقول: أن الله سبحانه وتعالى يمكر بأعدائه وأعداء المسلمين، لا يمكن أن نطلق هذه الصفة بصورة مطلقة على الله سبحانه وتعالى، لأن ذلك لا يعتبر كمالاً في حقه سبحانه.
مكر الله سبحانه وتعالى
وفي سياق ما سبق ذكره، فإنّ مكر الله سبحانه وتعالى ليس كمكر المخلوقين؛ لأنّ مكر المخلوقين مذموم، ويحتوي على الخداع والتضليل، بل وقد يصل الأذى إلى من ل ايستحقه من الناس، أمّا مكر الله سبحانه وتعالى فهو مكرٌ محمود، لأنّ مكر الله يحفظ عباده المؤمنين، ولا يتعدّى العقوبة إلى غير من يستحقها، ومن هنا فإنّ مكر الله يعتبر عدلاً ورحمة، وكما أسلفت في مقدّمة المقال، فإنّ صفة المكر في موضعها تعتبر مدحاً في المحل، وهذا يدلّ على قوة الله وعدله، وأنّه قادر على الإحاطة بمن يريد، فيعتبر صفة كمال في هذا الموضع.
وضّح بعض علماء التفسير، أنّ كلمة مكر مأخوذة من المكر، والذي هي نوع من الشجرة، والتي تكون فروعه ملفوفة على بعضها البعض، حيث لا يمكن أن تنسب ورقة فيها إلى أصلها. وهناك نوعين من المكر:
- المكر السيّء: المُسلط على من يستحقه من البشر.
- مكر خير: والذي تكون نتائجه خير على سائر المسلمين.
قاعدة هامة
أسماء وصفات الله سبحانه تعتبر توقيفية؛ حيث إنّنا إذا رأينا فعلاً قد نُسب إلى الله سبحانه فلا نستخلص منه وصفاً، ويكون الفعل مقابل فعل البشر، لأنّه أصلاً جاء مقابلة لبعض أفعال البشر، وذلك للدلالة على أنهم لا يمكنهم المكر بالله ورسوله والمؤمنين، أو خداع الله جل شأنه، ولأن الله سبحانه وتعالى لو مكر بهم فهم لن يستطيعوا فهم مكره سبحانه، ومن هذه القاعدة، تبين لنا أنه لايجوز لنا إطلاق اسم الماكر أو الخادع على الله سبحانه وتعالى.
سبب النزول آية المكر
ذكر الكثير من العلماء سبب نزول آية المكر الكريمة، حيث عندما مكث النبي -صلى الله عليه وسلم- 13 عاماً في مكة المكرمة، يدعو أهل قريش وعشيرته غلى عبادة الله وحده وألا يُشركوا به، استجاب من سكان مكان القليل، والذين لقو البلاء الكثير، فأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- أصحابه أن يهاجروا إلى الحبشة، وذلك حتى يأمنوا على دينهم وأنفسهم من بطش قريش، لكن النبي-صلى الله عليه وسلم- بقي هو ونفرٌ معه صابراً على أذى قريش، وماتت أم المؤمنين وزوجة النبي السيدة خديجة -رضي الله عنها-، والتي تعتبر سنداً قوياً للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وكذلك مت عمه أبو طالب الذي كان يدافع عنه، ثم لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- من القريش الكثر من المعاناة والعذاب، وتحمل كل ذلك، وطاف في أرجاء البلاد، ودعى الكثير من الناس لعبادة الله سبحانه وتعالى، فستجاب له البعض، وتركه البعض.
بعد فترة قصيرة، اجتمع كُبراء قريش بعد ما يقارب الشهرين ونصف من بيعة العقبة الكبرى، في دار الندوة بقيادة رأس الكفر أبو جهل عليه من الله ما يستحق، وكذلك عمرو بن هاشم، وغيره من صناديد قريش الكفرة، وخرجوا باتفاق قتل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فاعترضهم أبليس اللعين على هيئة شيخ من نجد وشاركهم في اجتماعهم، وبعد عدة مشاورات مع أبليس أجمعوا على قتل النبي -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم-،
وهنا كانت ارداة الله هي الغالبة، فكان حفظ الله لنبيه غالب، وأفشل مكرهم ومخططهم، حيث، وهنا تنزلت الآية الكريمة من سورة التوبة آية (30).
انتهى علماء التفسير في القول بمكر الله بالآتي:
- لا يجب وصف الله سبحانه وتعالى بالمكر إلا مقيّداً، فلا يتم إطلاق الوصف بشكل عام.
- يقول البعض: “كيف يمكن وصف الله سبحانه وتعالى بالمكر، مع أنه مذموم؟”، قيل: إنّ المكر الذي في محلّه هو مكر محمود يدُلّ على قوة الماكر وعلمه، وأنه غالب على خصمه، ولهذا فلا يوصف الله سبحانه وتعالى به مطلقاً، فلا يجب أن تقول: “إنّ الله ماكر”، بل نذكر هذه الصفة في مقام مدح فقط.
- لا يجب أن تُنفى هذه الصفة عن الله على سبيل الإطلاق، بل يوصف الله سبحانه وتعالى بها في مقام المدح، كما بينا في هذا المقال سابقاً، وفي المقام التي لا تكون مداحاً لا يجب على المؤمن أن يذكر هذه الصفة.
- ويجب أن نعلم بأن هذه الصفة الفعلية تتعلق بمشيئة الله سبحانه، أي أنها من صفات الفعل الاختيارية، ويجب على العبد المؤمن أن يقف عند هذه الصفة، ولا يشتق منها اسم، لأنّ ذلك إلحادٌ في أسماء الله وصفاته، فيجب علينا تجنب ذلك.
- لا بدّ من اقتران هذه الصفة، وغيرها من الصفات، مثل: الخداع، والاستهزاء، بما يدل على أن هذه الصفات في حقه كمال، وليس نقص، كما يتوهم البعض، وكذلك يجب الانتباه إلى مقابلة هذه الصفات الفعلية بالحادث أو من يفعل ذلك، لأنها تدل على قدرة الله سبحانه في مقابله عدوه بمثل عمله أو أكثر، وأم الله سبحانه لا يمكن أن تنطلي عليه حيله أو أن يخدع سبحانه.
- وكان من مكر الله سبحانه وتعالى، تحزير عباده من الأمن من مكره، باستمرارهم على معصيته ومخالفة أمره، فالله سبحانه يملي للناس، ويزيدهم من نعمه وخيراته، وهم يُصيرون على معصيته، فلا يجب عليهم أن يستمروا في غفلتهم، وأن يحذروا من غضب الله ومكره.