ما مصير الحيوانات يوم القيامة

العدل الإلهي يوم القيامة

نفى الله -عزّ وجلّ- عن نفسه جميع أنواع الظلم وصوره، وبَيَّن -سبحانه- أنّ يوم القيامة هو يوم العدل المُطلَق الذي تُوضَع فيه الموازين، ويقتصّ فيه المظلوم مِمَّن ظلمَه، أو آذاه، ويُحاسَب فيه المخلوقون على أعمالهم؛ قال -تعالى-: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ*وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)،[١] وقد جعل الله -تعالى- الحياة الدنيا داراً للامتحان، والابتلاء، وقد يتسلّط فيها البعض على البعض الآخر؛ ولهذا كان من الضروريّ أن تكون الآخرة دار قصاص؛ لردّ المَظالم.[٢]

حَشر البهائم والقصاص بينها

اختلف العلماء في حال البهائم يوم القيامة، وإعادة إحيائها مرّة أخرى؛ للقصاص فيما بينها، وبيان اختلافهم على النحو الآتي:

  • القول الأول: أنّ الله -تعالى- يحشر البهائم يوم القيامة، ويقتصّ لبعضها من بعضها الآخر؛ استدلالاً بقوله -تعالى-: (وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ)،[٣] وقول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (لَتُؤَدُّنَّ الحُقُوقَ إلى أهْلِها يَومَ القِيامَةِ، حتَّى يُقادَ لِلشّاةِ الجَلْحاءِ، مِنَ الشَّاةِ القَرْناءِ)،[٤] وقد ذهب إلى ذلك جماعة من الصحابة، منهم: أبو ذرّ، وأبو هريرة الذي ورد عنه قوله: (إنَّ اللهَ يحشرُ الخلقَ كلَّهم كلَّ دابةٍ وطائرٍ وإنسانٍ يقول للبهائم والطيرِ كونوا ترابًا فعند ذلك يقول الكافرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا)،[٥] بالإضافة إلى عمرو بن العاص، وهو مَرويٌّ عن ابن عبّاس أيضاً -رضي الله عنهم أجمعين-، ثمّ يأمرها الله -تعالى- فتكون تراباً، وهو قول الحسن البصريّ، وشيخ الإسلام ابن تيمية كذلك،[٦][٧] بالإضافة إلى أنّ عامّة العلماء، والمُفسِّرين من أهل السنّة والجماعة، كالإسفرايينيّ قالوا بهذا القول؛ واستدلّوا بدلالة القرآن الكريم، والسنّة النبويّة على ذلك؛ قال -تعالى-: (وَما مِن دابَّةٍ فِي الأَرضِ وَلا طائِرٍ يَطيرُ بِجَناحَيهِ إِلّا أُمَمٌ أَمثالُكُم ما فَرَّطنا فِي الكِتابِ مِن شَيءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِم يُحشَرونَ)؛[٨] إذ يُعيد الله -تعالى- إحياء البهائم يوم القيامة للحَشر، والقصاص -كما ذُكِر سابقاً- كما يُعيد إحياء أهل التكليف من الجنّ، والإنس، وكما يُعيد غير المُكلَّفين من الأطفال، والمَجانين، ومَن لم تصله دعوة الإسلام.[٩][١٠][١١]
  • القول الثاني: أنّ الله -سبحانه وتعالى- لا يُعيد إحياء البهائم والدوابّ يوم القيامة للحساب، والقصاص؛ وذلك لأنّ المُراد بالحَشر الوارد في الآية: الموت، وهذا القول واردٌ عن ابن عبّاس -رضي الله عنه-، كما أنّ الأحاديث الواردة في هذا الباب تُعَدّ من أخبار الآحاد التي تُفيد الظنّ، ولا تُفيد القَطْع في المسألة، والمُراد من الحديث إشعارُ الناس بشدّة الحساب يوم القيامة، أمّا المقصود بالقصاص بين البهائم، فيعني: المُجازاة، ولا يعني القصاص الذي يكون بين المُكلَّفين؛ وذلك لثبوت الدليل على عدم تكليف البهائم، والله -عزّ وجلّ- لا يُعاقب مَن لا تكليف عليه، ولا يقتصّ منه، وقد ذهب إلى هذا الأشعريّ.[٩][٧]
  • القول الثالث: أنّ الله -تعالى- قد يُعيد إحياء البهائم يوم القيامة، ويقتصّ لها فيما بينها، وقد لا يُعيد إحياءها؛ ولهذا لا بُدّ من التوقُّف في المسألة، وعدم القَطع في الحُكم فيها.[٧]

إدراك علم الغيب

تتلخّص العبرة في مسائل علم الغيب بِما ورد في القرآن الكريم، أو ما ثبت نَقله من الأحاديث عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، ولا مجال للعقل في أن يكون حاكماً على هذه الأمور؛ لقصوره عن إدراك عالم الغَيب، والواجب على المسلم أن يعتقد في مسائل الغيب ما صحَّ نَقله عن النبيّ- صلّى الله عليه وسلّم، ولا يُعوّل على عقله في معرفة مسائل الغيب؛[١٢] وذلك بحمل نصوص القرآن الكريم، والسنّة النبويّة على ظاهرها إذا لم يمنع من ذلك دليل من الشرع، أو العقل.[١١]

المراجع

  1. سورة الزلزلة، آية: 7-8.
  2. عبدالرحمن التركي، مشاهدة يوم القيامة، السعودية: دار الوطن، صفحة 34-35. بتصرّف.
  3. سورة التكوير، آية: 5.
  4. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 2582 ، صحيح.
  5. رواه الألباني ، في السلسلة الصحيحة، عن يزيد بن الأصم، الصفحة أو الرقم: 4/607، إسناده صحيح.
  6. عمر الأشقر (1995)، القيامة الكبرى (الطبعة السادسة)، الأردن: دار النفائس، صفحة 57-58. بتصرّف.
  7. ^ أ ب ت المازري (1991)، المعلم بفوائد مسلم (الطبعة الثانية)، تونس: الدار التونسية، صفحة 292-293، جزء 3. بتصرّف.
  8. سورة الأنعام، آية: 38.
  9. ^ أ ب صديق حسن خان (1992)، فتح البيان في مقاصد القرآن، بيروت: المَكتبة العصريَّة، صفحة 95-96، جزء 15. بتصرّف.
  10. التويجري (2009)، موسوعة الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، السعودية: بيت الأفكار الدولية، صفحة 303، جزء 1. بتصرّف.
  11. ^ أ ب “القصاص بين البهائم يوم القيامة”، islamqa.info، 12-6-2001، اطّلع عليه بتاريخ 2-6-2020. بتصرّف.
  12. محمد بن رزق الطرهوني (1426)، التفسير والمفسرون في غرب أفريقيا (الطبعة الأولى)، السعودية: دار ابن الجوزي، صفحة 719، جزء 2. بتصرّف.