كيف تستعد ليوم القيامة

الاستعداد ليوم القيامة

يُعتبر الموت هو الحبل الذي يصل بين الدنيا الزائلة والآخرة الباقية، كما أنّ الدنيا تعدّ مقياساً يحدد المصير في الآخرة؛ فإن كان عمل الإنسان في الدنيا خيراً فجزاؤه الجنّة خالداً فيها، وإن كان شراً فمصيره النار إلّا في حال عفا الله -تعالى- عنه، ولا يمكن اعتبار الموت فناءً؛ وإنّما هو انتقال الإنسان من عالم إلى آخر؛ فالروح تنفصل عن البدن ويبقى كلّ منهما في عالم مختلف عن الآخر، وهو ما أقرّه العلماء من أهل السنة، وقد أوصى الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- بالإكثار من ذكر الموت فقال: (أكثروا من ذِكْرِ هاذمِ اللذَّاتِ)؛[١] وذلك للاستعداد له، ويكون ذلك بالإكثار من الأعمال الصالحة، والابتعاد عن الظلم، وتكرار التوبة وغيرها من الطاعات التي تنجي الإنسان يوم القيامة.[٢]

كيفية الاستعداد ليوم القيامة

المبادرة إلى أداء الحقوق

يستعد الإنسان ليوم القيامة، ومن ذلك إعادة كلّ حقّ إلى صاحبه، سواءً كانت مظلمة أو وديعة أو عاريّة، وينهي كل ارتباط فيما بينه وبين الآخرين، وينبغي عليه أن يؤمّن أبناءه إن لم يكن لهم أحدٌ يتولّاهم بعد وفاة والدهم، ويوصي بكل ما لم يتسطيع أن يقوم به حال حياته، كمن لم يستطع أن يسدد دينه قبل وفاته فيوصي به، كما ويحسن المسلم الظنّ برحمة الله -تعالى-،[٣]ومن الحقوق الواجب أدائها أيضاً، ما يأتي:[٤]

  • تأدية الأمانة والحكم بالعدل، وردتا في قوله -تعالى-: (إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّـهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا)،[٥] والأمانة هي كل ما يكلّف به الإنسان ليقوم به، وقد أمر الله -تعالى- بتأديتها كما هي، والحرص على حفظها بمكان يليق بقيمتها، وتأدّيتها لصاحبها أو من وكّله باستلامها، أمّا أمانة الحكم بالعدل فهي القضاء بين الناس في كل ما يختلفون فيه، وفق شرع الله -تعالى- الذي أنزله على رسوله -صلّى الله عليه وسلم- استناداً إلى الحدود والأحكام التي جاءت في رسالته، والتي تحقّق مصالح العباد في دنياهم وآخرتهم.
  • القول الحسن، ورد في قوله -تعالى-: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّـهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا)،[٦] والمقصود هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مع مراعاة ما يكون فيهما من الصبر والعفو والمسامحة، ويدخل في ذلك كلّ خُلُق من الأخلاق التي أمر الله -تعالى- بها ورضيها لعباده.
  • النهي عن الاعتداء، سواء كان في حال الحرب ومقاتلة الأعداء، أو في حال السلم، ومن ذلك النهي عن الاعتداء على غير المقاتلين من النساء والشيوخ والأطفال وغيرهم في الحرب، قال -عزّ وجلّ-: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ).[٧]
  • النهي عن اتّهام الناس بالباطل، قال -تعالى-: (وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا)،[٨] فاتّهام الناس بما لم يفعلوه يوجب الإثم.
  • الابتعاد عن النميمة والسعي بين الناس بالإفساد؛ تجنّباً للوقوع في العذاب الشديد؛ فقد ورد عن النبي -عليه السلام- أنّه: (خَرَجَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن بَعْضِ حِيطَانِ المَدِينَةِ، فَسَمِعَ صَوْتَ إنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ في قُبُورِهِمَا، فَقالَ: يُعَذَّبَانِ، وما يُعَذَّبَانِ في كَبِيرٍ، وإنَّه لَكَبِيرٌ، كانَ أحَدُهُما لا يَسْتَتِرُ مِنَ البَوْلِ، وكانَ الآخَرُ يَمْشِي بالنَّمِيمَةِ).[٩]
  • أداء الدين المادّي؛ وهو من أعظم الحقوق التي ينبغي على المسلم أدائها قبل وفاته، وإن تعسّر أداؤها قبل الوفاة فإنه يوصي بها، فقد روى عبد الله بن عمرو عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلم-، أنّه قال: (يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إلَّا الدَّيْنَ).[١٠]
  • الوفاء بحقّ الجار، وللجار حقوق كثيرة، وقد ورد بيانها في القرآن الكريم والسنّة النبويّة؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما زالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بالجارِ، حتَّى ظَنَنْتُ أنَّه سَيُوَرِّثُهُ)،[١١] والجار هو القريب في المسكن، سواء أكان مسلماً من الأقارب، أو مسلماً من غير الأقارب، أو غير مسلم، ويحسن إليه.

التوبة من المعاصي

الابتعاد عن ارتكاب المعاصي يوجب دخول الجنة يوم القيامة؛ فإذا بعث الله -تعالى- الناسَ من قبورهم وحاسبهم، يكون مصير التائب بعد الحساب إلى الجنّة ليقيم خالداً فيها؛ فيتنعم بما فيها من أصناف النعيم الذي لم يكن يتخيله من طعام وشراب ومشتهيات، قال -تعالى-: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)،[١٢] ولا يتوقف النعيم على هذا وحسب؛ وإنّما ينعم الله -تعالى- عليه برؤية وجهه الكريم ويحل عليه رضوانه، والمعاصي نوعان؛ أوّلهما الكبائر ويغفرها الله -تعالى- بالتوبة الصادقة، وثانيها الصغائر ويكفّرها الله -تعالى- بإقامة الصلاة في الليل والنهار، والابتعاد عن كبائر الذنوب.[١٣]

وتعتبر المعاصي التي يقوم العبد بارتكابها هي السبب في كل ما يطرأعلى الإنسان في حياته؛ فهي سبب للقلق وللحيرة وعدم الاستقرار، والتوبة التي تعرّف بأنّها كل ما يشعر الإنسان بالندم على ما ارتكبه من الأخطاء، تشمل إقبال العبد على الله -تعالى- وتجنّب تكرار ما ارتكبه من ذنوب، ومن ذلك أيضاً إكثاره من الأعمال الصالحة، ولا يفتر لسان المسلم عن الاستغفار، والتوبة تتحقق بترك الذنب والعودة إلى الله -تعالى-، وتكون التوبة بالقلب قبل التلفّظ بها باللسان، ومما يساعد المسلم على التوبة تفكّره في خلق الله -تعالى- وما وعد به الطائعين من نعيم، وما توعّد به العاصين من العذاب الأليم، كما أنّ ارتكاب الذنوب في الدنيا عاقبته في الآخرة عظيمة، ، قال -تعالى-: (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ)،[١٤] ومعناها أنّ الفاجر يكون في ضيق كبير، وكما تكون الذنوب سبباً للضيق والكدر والهمّ في الدنيا، فإنّها تكون كذلك في الآخرة، وكما أنّ التوبة سبب لانجلاء تلك الهموم في الدنيا، فإنّها سبب للنجاة والسعادة والطمأنينة في الآخرة. [١٥]

الاقبال على الطاعات

الاقبال على الطاعات دليلٌ على إخلاص العبد لله -تعالى-، وحين يكثر الإنسان من فعل الطاعات فإنه يعيش حياته سعيداً، ويرتقي في الآخرة في منازل الجنّة بقدر زيادته من تلك الأعمال، وقد كان عباد الله الصالحين هم القدوة في الإكثار من الأعمال الصالحة، قال -تعالى-: (إِنَّ إِبراهيمَ كانَ أُمَّةً قانِتًا لِلَّـهِ حَنيفًا)،[١٦] فقد وصف الله إبراهيم -عليه السلام- بالقنوت وهو الاستمرار على الطاعات، وكذلك داود وزكريا وزوجته ويحيى -عليهم السلام-، وغيرهم من الأنبياء والسلف الصالح، وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عن نفسه: حين تستصعب مسألة عليه يداوم على الاستغفار حتّى تغشاه السكينة ويُحلّ ما استصعب عليه؛ فالإكثار من فعل الطاعات كذكر الله -تعالى- وقيام الليل وتلاوة للقرآن؛ تنير صدر المسلم، وتعينه على تحقيق ما يريد.[١٧]

تصفية القلب

معلوم أنّ الحياة الدنيا اتّصفت بالزوال، وأنّ الدار الآخرة هي دار البقاء، وقد خلق الله -تعالى- الخلق في الدنيا ليعمروها ويبذروها بالعمل الصالح ليلقوا نتيجة أعمالهم في الآخرة، وإن وصلوا إلى الآخرة فلا سبيل للعودة إلى الدنيا، والاستعداد للآخرة يكون بالالتزام بعبادة الله -تعالى-، وإذا انتهت الدنيا وجاءت الآخرة نال كلّ واحدٍ من العباد نتيجة عمله، وتجلّى عدل الله -تعالى- دون أن يظلم أحداً مثقال ذرة، والعلم بزوال الدنيا وبقاء الآخرة هو سبب لتصغير الدنيا في عين المسلم، وهي سبب لعدم الركون إليها وإنّما الإكثار من العمل للوصول إلى الهدف الأساسيّ للمسلم وهو الجنّة، والبعد عن النّار، وقد انقسم الناس إلى قسمين؛ أوّلهما من قال أنّه لا يوجد بعد الدنيا مكانٌ يُجازى فيه الناس على ما عملوه في الدنيا، وهؤلاء هم الجاحدون ومنهم إبليس، وهم من قال فيهم الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذينَ لا يَرجونَ لِقاءَنا وَرَضوا بِالحَياةِ الدُّنيا وَاطمَأَنّوا بِها وَالَّذينَ هُم عَن آياتِنا غافِلونَ * أُولـئِكَ مَأواهُمُ النّارُ بِما كانوا يَكسِبونَ)،[١٨] وهؤلاء يتنعّمون بما في الدنيا من الملذّات دون الالتفات للآخرة التي لا يؤمنون بوجودها.[١٩]

وثاني أقسام النّاس هم الذين آمنوا بوجود الدار الآخرة بعد الدار الدنيا، ويمثلهم آدم وكل من أسلم، وهؤلاء هم الذين أدّوا واجباتهم في الدنيا تجاه الله -تعالى-، وكانوا سبّاقين بالخير،[١٩] ومما يساعد على الاستعداد للآخرة تذكّر الموت، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- لأصحابه -رضي الله عنهم-: (استَحيوا منَ اللَّهِ حقَّ الحياءِ ، قُلنا : يا رسولَ اللَّهِ إنَّا لنَستحيي والحمد لله ، قالَ : ليسَ ذاكَ ، ولَكِنَّ الاستحياءَ منَ اللَّهِ حقَّ الحياءِ أن تحفَظ الرَّأسَ ، وما وَعى ، وتحفَظَ البَطنَ ، وما حوَى ، ولتَذكرِ الموتَ والبِلى ، ومَن أرادَ الآخرةَ ترَكَ زينةَ الدُّنيا ، فمَن فَعلَ ذلِكَ فقدَ استحيا يعني : منَ اللَّهِ حقَّ الحياءِ)،[٢٠] فقد وصف -عليه السلام- الموت بالاستحياء من الله -تعالى-، ومن الأعمال التي تذكّر بالموت زيارة القبور، فيوقن الإنسان أنّ مصيره مثل مصير من في القبور ويرقّ قلبه.[٢١]

المراجع

  1. رواه ابن الملقن ، في البدر المنير ، عن أبي هريرة ، الصفحة أو الرقم: 181، صحيح .
  2. وهبة الزحيلي ، الفقه الإسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة )، دمشق : دار الفكر ، صفحة 1471-1472، جزء 2. بتصرّف.
  3. محمد بن علان ، الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية، صفحة 102، جزء 4. بتصرّف.
  4. حسين عبد القادر (24-6-2018)، “حقوق الناس في الشريعة الإسلامية “، www.ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 13-6-2020. بتصرّف.
  5. سورة النساء ، آية: 58.
  6. سورة البقرة ، آية: 83.
  7. سورة البقرة، آية: 190.
  8. سورة النساء ، آية: 112.
  9. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 6055، صحيح.
  10. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن عبد الله بن عمرو ، الصفحة أو الرقم: 1886، صحيح.
  11. رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن عبد الله بن عمر ، الصفحة أو الرقم: 6015، صحيح .
  12. سورة السجدة ، آية: 17.
  13. محمد التويجري ، موسوعة فقه القلوب، صفحة 3040-3042، جزء 4. بتصرّف.
  14. سورة المطففين ، آية: 7.
  15. مصطفى حقي ، التوبة من المعاصي والذنوب ، صفحة 39-40. بتصرّف.
  16. سورة النحل ، آية: 120.
  17. عبد المحسن القاسم ، خطوات إلى السعادة (الطبعة الرابعة )، صفحة 76-77. بتصرّف.
  18. سورة يونس ، آية: 7-8.
  19. ^ أ ب عبدالله بن عبده نعمان العواضي (23-11-2017)، “خطبة عن الاستعداد للآخرة”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 1-7-2020. بتصرّف.
  20. رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عبدالله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 2458، حسن.
  21. حسام الدين عفانة (1996)، صلاة الغائب (الطبعة الأولى )، صفحة 8-9. بتصرّف.