كم عدد خزنة جهنم حسب ما ورد في القرآن الكريم
خَزَنَة جهنّم
ورد ذكر خَزَنَة جنّهم الذين استُحفظوا عليها في كتاب الله -تعالى-، والخَزَنَة في اللغة: جمع خازنٍ، وهو: الحافظ المؤتمن على الشيء، فقد أُنيطت به مهمّة الرعاية، والقيام على الأمر، وقد دلّت العديد من نصوص الوَحْي على وجود خَزَنَة جنّهم؛ منها: قَوْله -تعالى-: (وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَـذَا قَالُوا بَلَى وَلَـكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ)،[١] فالآية الكريمة تُشير إلى توبيخ خَزَنَة جهنّم لأهل النّار بعد دخولهم إليها؛ بسبب أفعالهم وأعمالهم التي أوصلتهم إلى ذلك،[٢] وخَزَنَة جهنّم؛ هم: صنفٌ من الملائكة، جعلهم الله -تعالى- على هيئةٍ عظيمةٍ من الخَلَق، كما أنّهم أصحاب قوّةٍ وبأسٍ شديدٍ، ولا يخالفون الله في أوامره، وينفّذون كلّ ما يُطلب منهم من ربّ العزّة، قال الله -تعالى- في وصفهم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّـهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ).[٣][٤]
عدد خَزَنَة جهنّم كما ورد في القرآن الكريم
ذَكَر الله -عزّ وجلّ- في كتابه العزيز عدد خَزَنَة جهنّم من الملائكة، فقد قال -تعالى-: (عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ)،[٥] وقيل في تفسير الآية السابقة إنّ ذلك العدد يُشير إلى مَن يقوم على حِفْظ جهنّم من أفراد الملائكة، وقيل بل إنّ العدد يُشير إلى أنّهم تسعة عشر صنفاً من الملائكة،[٦] وقيل بل إنّ العدد المذكور في الآية يُشير إلى صفوف الملائكة؛ فهم تسعة عشر صفّاً، وقيل إنّ العدد يدلّ على نقباء الملائكة؛ فهم تسعة عشر نقيباً، ومع كلّ نقيبٍ جمعٌ من الملائكة،[٧] وقد ورد ذِكْر عدد خَزَنَة جهنّم أيضاً في الحديث الغريب الذي رواه الصحابيّ جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: (قال ناسٌ من اليهودِ لأُناسٍ من أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: هل يعلم نبيُّكم كم عددُ خزنَةِ جهنَّم؟ قالوا: لا ندري حتى نسألَه؟ فجاء رجلٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال: يا محمدُ غُلِبَ أصحابُك اليومَ، قال: وبِمَ غُلِبوا؟ قال: سألهم يهودٌ هل يعلم نبيُّكم كم عددُ خزَنَةِ جهنَّمَ؟ قال: فما قالوا؟ قال: قالوا:لا ندري حتى نسألَ نبيَّنا، قال: أُفَغُلِبَ قومٌ سُئِلوا عما لا يعلمون، فقالوا: لا نعلم حتى نسأل نبيَّنا، لكنهم قد سألوا نبيَّهم فقالوا: أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً، عليَّ بأعداء اللهِ؛ إليَّ سائلُهم عن تربةِ الجنةِ، وهي: الدَّرْمَكُ، فلما جاؤوا قالوا: يا أبا القاسمِ كم عددُ خزنةِ جهنَّم؟ قال هكذا، وهكذا في مرة عشرةٌ وفي مرة تسعةٌ، قالوا: نعم، قال لهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ما تُربةُ الجنَّةِ، قال: فسكتُوا هُنَيهَةً، ثم قالوا: خُبزةٌ يا أبا القاسمِ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: الخبزُ من الدَّرْمَكِ)،[٨] وبيّن الإمام الترمذيّ -رحمه الله- أنّ الحديث السابق غريبٌ، وإنّما يُعرف من حديث التابعيّ مُجالد بن سعيد.[٩]
وقد بيّن الله -تعالى- في آيةٍ أخرى الحِكمة من ذِكْر عدد خَزَنَة جهنّم، حيث قال -تعالى-: (وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّـهُ بِهَـذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّـهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ)،[١٠] فذِكْر الله لعدد خَزَنَة جهنّم من الملائكة؛ يحمل أهل الكتاب السابقين على تصديق القرآن؛ لأنّه يُؤكّد على ما ذُكْر في كتبهم من قبل، كما يزداد أهل الإيمان إيماناً ويقيناً، فلا يتسلّل الشكّ والارتياب لقلوبهم، كما أنّ ذِكْر ذلك العدد يبثّ الحيرة في قلوب المنافقين الذين لا يُدركون المغزى من ذِكْر الأمثال في كتاب الله؛ بسبب ضلالهم وتَيْهِهِم،[١١] وتجدر الإشارة إلى أنّ ذلك العدد فيه فتنةٌ للمُشركين الذين اعتقدوا قلّته؛ بحيث يعتقدون قدرتهم يوم القيامة على التغلّب عليهم، إلّا أنّ الحقيقة التي غابت عن وَعْيهم أنّ الله -تعالى- قد أعطى لكلّ واحدٍ من خَزَنَة جهنم قوّةً وبأساً تمكّنه من مواجهة الناس أجمعين، وقد ذكر العلّامة ابن رجب -رحمه الله- في تفسير الفتنة التي ذُكرت في الآية الكريمة مبيّناً أنّ المقصود منها عدّة خَزَنَة جنّهم، حيث جعل الله عددهم فتنةً للمُشركين؛ ليظنّوا أنّهم قادرين على مُدافعتهم ومُمانعتهم، فقال: “والمشهور بين السلف والخلف أنّ الفتنة إنّما جاءت من حيث ذكر عدد الملائكة الذين اغترّ الكفار بقلتهم، وظنّوا أنّهم يُمكنهم مُدافعتهم ومُمانعتهم، ولم يعلموا أنّ كلّ واحدٍ من الملائكة لا يُمكن البشر كلّهم مقاومته”.[٤]
عدد أبواب جهنّم
ورد بيان عدد أبواب جهنّم في القرآن الكريم، وتحديدها بسبعة أبوابٍ، قال -تعالى-: (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوعِدُهُم أَجمَعينَ*لَها سَبعَةُ أَبوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنهُم جُزءٌ مَقسومٌ)،[١٢] وقد ذكر الإمام ابن كثير -رحمه الله- في تفسير الآيات السابقة أنّ الله -تعالى- قد أعدّ لكلّ جزءٍ من أهل النّار باباً يدخلون منه، بحيث يدخل كلّ مستحقٍّ للنّار من الباب الذي خُصّص له، وقد خطب الإمام عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- بالناس يوماً، مبيّناً لهم كيفيّة خَلْق أبواب النّار، وأنّ الله -تعالى- قد جعلها طبقاتٍ بعضها فوق بعضٍ، فإن امتلأ الباب الأوّل، فُتِح الثاني، فإن امتلأ فُتِح الثالث، فقال: “إنّ أبواب جهنّم هكذا -قال أبو هارون- أطباقاً بعضها فوق بعضٍ”، وقال أيضاً: “أبواب جهنّم سبعة بعضها فوق بعضٍ، فيمتلئ الأوّل، ثمّ الثاني، ثمّ الثالث، حتى تمتلئ كلّها”.[٤]
المراجع
- ↑ سورة الزمر، آية: 71.
- ↑ ناصر بن علي عايض حسن الشيخ (1995)، مباحث العقيدة في سورة الزمر (الطبعة الأولى)، السعودية: مكتبة الرشد، صفحة 624. بتصرّف.
- ↑ سورة التحريم، آية: 6.
- ^ أ ب ت عمر سليمان الأشقر (1998)، الجنة والنار (الطبعة السابعة)، الأردن: دار النفائس، صفحة 19-27. بتصرّف.
- ↑ سورة المدثر، آية: 30.
- ↑ كاملة الكواري، تفسير غريب القرآن (الطبعة الأولى)، بيروت: ابن حزم، صفحة 30، جزء 74. بتصرّف.
- ↑ محمد صديق حسن خان (1992)، فتح البيان في مقاصد القرآن، بيروت: المكتبة العصرية، صفحة 413، جزء 14. بتصرّف.
- ↑ رواه الترمذي ، في سنن الترمذي ، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم: 3327، غريب إنما نعرفه من هذا الوجه من حديث مجالد.
- ↑ الإمام السيوطي، الدر المنثور في التفسير المأثور ، بيروت: دار الفكر، صفحة 333، جزء 8. بتصرّف.
- ↑ سورة المدثر، آية: 31.
- ↑ إبراهيم الأبياري (1405)، الموسوعة القرآنية ، صفحة 395-396، جزء 11. بتصرّف.
- ↑ سورة الحجر، آية: 43-44.