أهمية توحيد الألوهية

الإيمان وأهميته

لا شكّ أنّ الإيمان الرّاسخ هو حياةٌ للقلوب، وبلسمٌ للسعادة، وهو طريق النجاة عند لقاء الله في الآخرة، وكلّما ترقّى العبدُ في درجات الإيمان تمكّنت حلاوته في قبله، واطمأنّت نفسه، وفي تحقيق هذا المعنى صحّ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: (ثلاثٌ مَن كُنَّ فيهِ وجَد حلاوَةَ الإيمانِ: أن يكونَ اللهُ ورسولُه أحبَّ إليه مما سِواهما، وأن يُحِبَّ المرءَ لا يُحِبُّه إلا للهِ، وأن يَكرهَ أن يَعودَ في الكُفرِ كما يَكرهُ أن يُقْذَفَ في النارِ)،[١] وحقيقة الإيمان تقوم على أركانٍ ثلاثة، لا يستقيم معناه، ولا يصحّ فهمه إلّا بهذه الأركان، وهي: اعتقاد القلب، وقول اللسان، وعمل الجوارح؛ فهي كلٌّ مجتمعٌ، لا تجتزء، ولا يُنتقص منها، لأنّ العلاقة بينها علاقةٌ تلازميّة؛ فإيمان القلب ملازمٌ لإيمان الجوارح، فلو ادّعى أحدهم أنّه مؤمن بقلبه مع إعراض جوارحه عن الطاعات وإقبالها على المعاصي والموبقات لكان ذلك ادّعاءً باطلاً، يرفضه الشرع الحكيم والمنطق السليم، حيث إنّ الإيمان إذا وَقَر في قلب العبد انطلقت جوارحه بالعمل ولسانه بالشهادة، وقد أجمل الإمام الحسن البصري -رحمه الله تعالى- هذا الفهم للإيمان عندما قال: (ليس الإيمان بالتمنّي ولا بالتحلّي، ولكن شيء وقر في القلب وصدقه العمل).[٢]

توحيد الألوهية

يُقصد بالتوحيد عند أهل الاصطلاح أنّه: العلم المصاحب للاعتراف بحقيقة تُفرّد الرّب -سبحانه- بصفات الكمال، والإقرار باختصاصه بصفات العظمة والجلال، وأنّه وحده المستحقّ للعبادة، وينقسم التوحيد إلى ثلاثة أقسام، وأوّلها توحيد الألوهية، بل وأهمّها من حيث اشتماله على أقسام التوحيد الأخرى، وبيانها فيما يأتي:

  • توحيد الألوهية: وهو العلم والاعتراف بأنّ الله هو المستحقّ دون غيره أنْ يكون معبوداً من خلقه كلّهم، ويستلزم هذا الاعتراف إخلاصَ الدين لله وحده، وتوحيدُ الألوهيّة يَضمّ كلّ أقسام التوحيد؛ فالألوهيّة صفةٌ تَعمُّ وتشمل كلّ أوصاف الكمال، وجميع أوصاف الربوبية التي يلزم منها استحقاقه بالعبادة وحده دون أحدٍ سواه، وقد كان هذا التوحيد هو مقصد دعوة الرسل كلّهم، وخطابَ الكتب السماوية جميعها، لأنّ التوحيد هو حقّ الله الواجب على العبيد، بل هو أصل الدّين وأساس قبول الأعمال.[٣]
  • توحيد الأسماء والصفات: ويعني الاعتقاد بانفراد الربّ -عزّ وجل- بصفات الكمال المطلق من كلّ الوجوه، وبكلّ أوصاف العظمة والجلال والجمال، وأنّه لا يشاركه فيها أحد بوجهٍ من الوجوه، وأنّ هذه الصفات هي التي أثبتها الرّب -تبارك وتعالى- لنفسه، أو جاءت بخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعلى المسلم إثباتها لله تعالى من غير تشبيه أو تعطيل أو تحريف، وتوحيد الأسماء والصفات يقتضي نفي ما نفاه الله -سبحانه- عن نفسه، أو نفاه عنه النبي -عليه الصلاة والسلام- من النقائص والعيوب، ونفي أيّ صفة تُنافي كماله -سبحانه-.[٣]
  • توحيد الربوبية: وتعني اعتقاد العبد أنّ الله -عز وجل- هو الرّب المتفرّد بخلق المخلوقات، وتدبير أمرها، ونوالها رزقها، فهو -سبحانه-الذي ربَّى كلّ خلقه بالنّعم، وتكرّم عليهم بالرعاية والحفظ، وعلى المسلم أنْ يؤمن أنّ أفعال الله -سبحانه- لا يفعلها غيره في هذا الوجود، مثل: الخلق، والرَّزق، والإحياء، والإماتة، وما إلى ذلك من صفات الربوبية التي يحيل العقل أنّ مخلوقاً قادراً على فعلها أو التّحكم بها.[٤]

أهمية توحيد الألوهية

من الصعب تناول مسألة أهمية توحيد الألوهية بأسطر معدودة، ولكنّ لعلّ من أظهر ما يمكن قوله في هذا الباب ما يأتي:

  • يُعدّ التوحيد أوّلَ منزلٍ في طريق السائرين إلى الله، وهو المشترك الأوّل في دعوة الرّسل -عليهم السلام- جميعاً، قال تعالى: (وَلَقَد بَعَثنا في كُلِّ أُمَّةٍ رَسولًا أَنِ اعبُدُوا اللَّـهَ وَاجتَنِبُوا الطّاغوتَ).[٥][٦]
  • يُعدّ توحيد الألوهية هو مفتاح دخول الجنة، والوصول بسلامٍ إلى الدار الآخرة، وبه ينتقل الإنسان من الشّقاء إلى الهناء، والرّبط بين الإقرار والعمل بكلمة التوحيد من جهة والجنّة من جهة أخرى ربط لازم، حيث صحّ عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: (من شهِدَ أن لا إلهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللَّهِ حرَّمَ اللَّهُ عليهِ النَّارَ).[٧][٨]
  • يجمع توحيد الألوهية بين إقرار القلب وصالح العمل، وهو بذلك يقود الإنسان في معتقداته وتصرّفاته إلى الصراط السّويّ الذي ارتضاه الله -سبحانه- للبشرية، قال -تعالى-: (قُل إِنَّما أَنا بَشَرٌ مِثلُكُم يوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلـهُكُم إِلـهٌ واحِدٌ فَمَن كانَ يَرجو لِقاءَ رَبِّهِ فَليَعمَل عَمَلًا صالِحًا وَلا يُشرِك بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)،[٩] ومن الطبيعي أن يكون هذا الانقياد مُصاحباً للعمل الصالح، قال الله -تبارك وتعالى-: (وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّـهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى).[١٠][٨]
  • تبرز أهمية توحيد الألوهيّة من حيث كونه متعلّقاً بأفعال العباد، فالعباد يُفردون الله بالعبادة الظاهرة؛ كالحجّ والصلاة وغيرها، والعبادة الباطنة؛ كالخوف، والرجاء، والتوكّل، وغيرها، وعلى هذا فالجانب العلميّ في توحيد الأوهية أكثر وضوحاً منه في توحيد الربوبية.[١١]
  • يُعدّ توحيد الألوهية فاصلاً بين الإسلام والشّرك؛ خلافاً لتوحيد الربوبية؛ فقد آمن مشركو مكّة بكون الله تعالى خالقاً ورازقاً، ولكنّهم لم يؤمنوا به إلهاً واحداً لا شريك له، قال سبحانه: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّـهُ)،[١٢] ولم يُخرجهم إيمانهم بربوبيّة الله -تعالى- من دائرة الشّرك إلى دائرة الإيمان.[١١]
  • يُنظر إلى توحيد الألوهيّة على أنّه متضمّنٌ وشامل لكلّ معاني التوحيد الأخرى؛ حيث إنّ من أفرد الله -سبحانه- بالعبادة فهو مُقرٌّ ضمناً بتفرّده -عزّ وجلّ- في أمر الخلق، والرّزق، والملك، والتدبير، والهيمنة، والإحاطة، وغير ذلك من أفعال الله -تبارك وتعالى-.[١١]

المراجع

  1. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 16، صحيح.
  2. موقع المقالات (26-7-2003)، “حقيقة الإيمان عند أهل السنة”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 31-12-2018. بتصرّف.
  3. ^ أ ب إصدارات الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، “توحيد الإلهية”، www.alifta.net، اطّلع عليه بتاريخ 22-12-2018. بتصرّف.
  4. بدر بن علي العتيبي، “مقدمة لطيفة في تقسيم التوحيد”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 22-12-2018. بتصرّف.
  5. سورة النحل، آية: 36.
  6. موقع المقالات (17-6-2002)، “التوحيد حقيقته وأنواعه”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 31-12-2018. بتصرّف.
  7. رواه الإمام مسلم، في صحيح مسلم، عن عبادة بن الصامت، الصفحة أو الرقم: 29، صحيح.
  8. ^ أ ب موقع المقالات (30-3-2014)، “شروط لا إله إلا الله”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 31-12-2018. بتصرّف.
  9. سورة الكهف، آية: 110.
  10. سورة لقمان، آية: 22.
  11. ^ أ ب ت موقع المقالات (15-6-2014)، “فروقٌ بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 31-12-2018. بتصرّف.
  12. سورة لقمان، آية: 25.