شروط قبول العمل الصالح
العبادة في الإسلام
عرّف العلماء العبادة في الإسلام بتعريفاتٍ عديدةٍ، منها: أنّها اسمٌ لكلّ ما يحبّه الله تعالى، ويرضاه من الأقوال، والأفعال، والأعمال الظاهرة والباطنة، والعبادة في الإسلام مفهومٌ شاملٌ عامٌ، فهو يتعدّى في شموليته ما يظنّه بعض الناس من أنّ الصيام، والصلاة، والزكاة، والحجّ، ونحو ذلك هي العبادة لا غير، بل هي تعظيم الله تعالى، والتذلّل له، والخضوع بين يديه، وإفراده بالطاعة المطلقة، فإن أُمرالمسلم بأمرٍ قام به مباشرةً، وإن نُهي عن شيءٍ انتهى عنه المسلم فوراً، وقد بيّن الإمام ابن تيمية -رحمه الله- أنّ تعريف العبادة في الإسلام تشمل أداء الأمانة، وصِلَة الأرحام، والإحسان إلى الجار واليتيم، والبهائم أيضاً، وهو يشمل حبّ الله تعالى، وحبّ رسوله الكريم، والشكر لله، والرضى بقضائه، والخوف من عذابه، ولا يتحقّق معنى العبودية لدى الإنسان المسلم إلّا بتحقّق ركنين رئيسيين في قلبه، هما: غاية المحبة لله تعالى، مع غاية التذلّل، والخضوع له سُبحانه، فهذه هي العبودية التي خلق الله تعالى الناس من أجلها.[١]
وللعبادة أقسامٌ، فهي تنقسم من حيث نفعها إلى قسمين: العبادة التي يكون نفعها ذاتياً كالصلاة، والصيام، وقراءة القرآن، والأذكار، ونحو ذلك، والعبادة التي يكون نفعها متعدياً للغير، كالزكاة التي يُخرجها الغني من ماله فيُعطيها للفقير المحتاج، والعبادة المتعدية تكون أعظم أجراً ومنفعةً من العبادة الذاتية على فضلها، كما تنقسم العبادة من حيث الاختيار والاضطرار في التذلّل فيها إلى قسمين: عبادةٌ كونيةٌ، وعبادةٌ شرعيةٌ، فالعبادة الكونية هي ما يكون التذلّل والخضوع فيها اضطرارياً، وهي تشمل المؤمن، والكافر، وسائر المخلوقات لمّا فيها من خضوعٍ لسنن الله في الكون، وأمّا العبادة الشرعية فهي ما يكون التذلّل والخضوع لله فيها اختيارياً، وتكون من خلال طاعة الله بما أمر به شرعاً، وذلك باتّباع الرسل، والإيمان بهم، وبما جاؤوا به، ويظهر من تعريف العبادة الشامل في الإسلام أنّ إخلاص النية لله تعالى، وابتغاء مرضاته في كلّ أمرٍ في الحياة يجعله عبادةً، فكلّ مسلمٍ يمكنه عبادة الله -تعالى- وفق تخصصه بابتغاء وجه الله تعالى فيه.[١]
شروط قبول العمل الصالح
يجب على المسلم أن يعرف شروط قبول العبادة، والعمل الصالح عند الله تعالى، فقد انعقد إجماع العلماء من زمن الصحابة رضي الله عنهم، وحتى هذا اليوم على ثلاثة شروطٍ لصحة العمل وقبوله، واستدلوا عليها بأدلةٍ كثيرةٍ من القرآن الكريم والسنة النبوية، وفيما يأتي بيانها:[٢]*الشرط الأول: الإسلام؛ ويُراد به توحيد الله تعالى، والاستسلام له بالطاعة، والانقياد مع التبرء من الشرك كلّه، وهو اتباع أوامر الله -تعالى- بإخلاصٍ ورضا، ودليل ذلك قول الله تعالى: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)،[٣] وإنما تعدّ أداة حصرٍ واختصاصٍ في اللغة، فيكون معنى الآية اختصاص قبول العمل، وحصره في المتقين فقط، والتقوى لا تتحقّق للإنسان إلّا بالإسلام.
- الشرط الثاني: الإخلاص؛ ويُراد به ابتغاء وجه الله -تعالى- وحده في العبادة، والأعمال الصالحة جميعها، دون رياءٍ، أو مصلحةٍ دنيويةٍ، أو نحوها، ودليل اشتراط الإخلاص لقبول العمل قول الله تعالى: (فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ)،[٤] ويُفسد إخلاص العبد بعمله ثلاثة أمورٍ، وهي:
- الرياء؛ وهو إظهار العمل والعبادة للناس؛ من أجل الحصول على إعجابهم وثنائهم.
- السمعة؛ وهي إخبار الناس، وتحديثهم بعبادة الإنسان، وأعماله الصالحة بُغية نيل إعجابهم.
- فعل العبادة، أو العمل الصالح من أجل مصلحةٍ دنيويةٍ.
- الشرط الثالث: اتّباع الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ويُراد بذلك موافقة العمل الصالح الذي يقوم به العبد لسنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ لأنّ من خالف سنته في العبادة كان عمله مردودواً، بنصّ حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، الذي ورد فيه: (من أحدَث في أمرِنا -أو دينِنا- هذا ما ليس فيه فهو رَدٌّ).[٥]
مُعينات على العمل الصالح
لا بدّ للإنسان من معيناتٍ تقوّيه، وترفع من همّته حتى يداوم على العمل الصالح، ويتمسّك به، وفيما يأتي بيان جانبٍ منها:[٦][٧]
- التعرّف على فوائد وثمرات العمل الصالح؛ لأن الإنسان إذا عرف فائدة ما يقوم به من أعمالٍ، وثوابه كان ذلك أدعى في قيامه به، واستمراره عليه.
- الخشية من سوء الخاتمة؛ فهذا يُعين الإنسان على الثبات، والمداومة في العمل الصالح لمّا يخشاه من الموت على غير ذلك.
- الحرص على مخالطة الناس الصالحين، والعيش في بيئةٍ صالحةٍ، فالإنسان كما يُقال ابن بيئته.
- التخفيف على النفس في العبادة، ويراد بذلك ألا يحمّل الإنسان نفسه ما يشق عليها من العبادات، حتى لا تصل النفس إلى مرحلة الملل، والكسل عن العبادات، فتتركها.
- الإلحاح على الله -تعالى- بالدعاء والمسألة، فقد أثنى الله -عزّ وجّل- على الراسخين في العلم؛ لأنّهم كانوا يدعونه، فيقولون: (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ).[٨]
- الحرص على حضور مجالس العلم، والذكر، كالمحاضرات ونحوها.
- القراءة والتتبع في سير الصالحين، وخاصّةً الصحابة رضوان الله عليهم؛ لأنّ ذلك يبعث في نفس الإنسان الهمّة والعزيمة.
- الإكثار من الاستغفار، ومن ذكر الله عزّ وجلّ، فهذا عملٌ سهلٌ يسيرٌ إلّا أنّ نفعه عظيمٌ جداً، فهو يزيد الإيمان في قلب الإنسان.
- الابتعاد عن مفسدات القلب، كالغناء، واللهو، والطرب، ونحوها، وهجر رفاق السوء الذين يدعون الإنسان إلى المعاصي والآثام والفواحش والمنكرات.
المراجع
- ^ أ ب أيمن الشعبان، “مفهوم العبادة”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-30. بتصرّف.
- ↑ أبو الحسن هشام المحجوبي، وديع الراضي (2013-7-16)، “شروط قبول العمل”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-30. بتصرّف.
- ↑ سورة المائدة، آية: 27.
- ↑ سورة الزمر، آية: 2.
- ↑ رواه ابن تيمية، في نظرية العقد، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 14، صحيح.
- ↑ عادل عبد الوهاب عبد الماجد (2015-7-13)، “المداومة على الطاعات: فضائلها – ثمراتها – أسبابها “، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-30. بتصرّف.
- ↑ “10 وسائل للمداومة على العمل الصالح بعد رمضان “، www.ar.islamway.net، 2004-11-15، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-30. بتصرّف.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 8.