أين يوجد كهف أصحاب الكهف
سبب نزول آيات قصّة أهل الكهف
حين أخبر النبي -صلّى الله عليه وسلّم- قومه بالرسالة المنزلة إليه من ربّه، أرسلت قريشٌ رجالاً منها إلى أحبار اليهود في المدينة، فرغبوا أن يتأكدوا من صدق النبي صلّى الله عليه وسلّم، وسبب إرسالهم رجلاً إلى اليهود خاصةً؛ لأنّهم من أهل الكتاب من قبل، فقال لهم أحبار اليهود، أن ابعثوا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، فاسألوه عن ثلاثة أمورٍ، فإن أجاب، كان نبياً من عند الله تعالى، وإن لم يعرف بم يجيب، فقد تقوّل القول، والأسئلة الثلاث هي عن فتيةٍ ذهبوا في الدهر، فماذا يعرف عنهم، وعن الروح، وعن رجلٍ طوّافٍ في الأرض، بلغ مشارق الأرض ومغاربها، فسألوا النبي -صلّى الله عليه وسلّم- تلك الأسئلة، فأبطأ عليه الوحي خمس عشرة ليلةٍ، ثم نزل بآياتٍ من القرآن الكريم، تجيب عن تلك الأسئلة.[١]
موقع كهف أهل الكهف
اختلفت الروايات التي تذكر المكان الذي حدثت فيه وقائع قصة أصحاب الكهف، فبالرغم من ثبوت حدوثها، وذكرها في القرآن الكريم، إلّا أنّ الآيات الكريمة لم تعرّج على المكان الذي مكث فيه الفتية، أو حتى الزمن الذي عاشوا فيه، وإنّ هناك أقوالاً بأنّ مكان كهفهم قد يكون في أحواز تونس، في أرضٍ تدعى سكرةً، قرب المرسى، فإنّ هناك الكثير من الكهوف التي قيل إنّ اليهود كانوا يلجأون إليها؛ خوفاً من بطش الروم وظلمهم، وهناك أقوالٌ أخرى تذكر بأنّ الكهف هو صخرة بيت المقدس، وغيرها ينقل أنّها قرب أنطاكيا، وهناك قولٌ يدلّ بأنّ الكهف في مدينةٍ يقال لها أفسوس، وهي ما يقال لها طرسوس في الوقت الحالي، وهو القول الراجح عن بعض أهل العلم.[٢][٣]
التعريف بقصّة أصحاب الكهف
ورد في الكتب أنّ فتية الكهف كانوا يعيشون في قومٍ يعبدون الأصنام، ويتقرّبون إليها من دون الله تعالى، وفي يوم عيدٍ لهم، اجتمع الناس يسجدون ويتقرّبون من أصنامهم، فوقع في نفوس فتية الكهف الإنكار على ما يصنع قومهم، وشعروا بأنّهم ليسوا على شيءٍ وهم على ذلك الحال، فجمع الله -تعالى- فيما بينهم، ورفع عن قلوبهم الغفلة، فأدركوا أنّه قد وجب عليهم هجر قومهم، وتجنّبهم خوفاً من الفتنة على دينهم، واتفق اجتماع الفتية في مكانٍ واحدٍ، حيث قال الله تعالى: (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا*فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا)،[٤] فدعوا ربّهم أن يجيرهم من خزي الدنيا والآخرة، وحينئذٍ شملتهم رحمة الله -سبحانه- في كهفهم، فسخّر الله -تعالى- لهم الشمس تشرق عليهم من جهة الجانب الغربي للغار، ثمّ تميل قليلاً حتى ترتفع في السماء، ثمّ إذا حان الغروب دخل جزءٌ من الشمس من الجهة الشرقيّة من الغار، وكلّ ذلك من حكمة الله تعالى، وحسن رعايته لهم.[٥]
ثم يتمّم الله -تعالى- رحمته بالفتية الصالحين، إذ يرعى تقلُّبهم من جنبٍ إلى جنبٍ كلّ عامٍ، حيث قال الله تعالى: (وَنُقَلِّبُهُم ذاتَ اليَمينِ وَذاتَ الشِّمالِ وَكَلبُهُم باسِطٌ ذِراعَيهِ بِالوَصيدِ لَوِ اطَّلَعتَ عَلَيهِم لَوَلَّيتَ مِنهُم فِرارًا وَلَمُلِئتَ مِنهُم رُعبًا)،[٦] وأمّا كلبهم فقد ورد أنّه نائمٌ بالباب خارجاً، لم يدخل معهم تأدّباً، وأمّا ذكر الله -تعالى- له، فإنّ فيه دلالةٌ على حُسن الصحبة، وما تلحق بصاحبها من خيرٍ، فحين صاحب الكلب أناساً صالحين، استحقّ أن يذكر معهم في القرآن الكريم.[٥]
ذكر الله -تعالى- أنّ الفتية مكثوا في كهفهم ثلاثمئةٍ وتسع سنين، وهم على نفس الحال، فلمّا استيقظوا سأل بعضهم بعضاً عن المدّة التي لبثوها، فظنّوا أنّها ما يقارب اليوم، ثمّ رأوا بأن يُرسلوا واحداً منهم، ليشتري لهم طعاماً، وتواصوا بوجوب اللطف واللين في الدخول إلى المدينة، حتى لا ينتبه أحدٌ إلى أمرهم، حيث قال الله -تعالى- واصفاً حديثهم: (فَابعَثوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُم هـذِهِ إِلَى المَدينَةِ فَليَنظُر أَيُّها أَزكى طَعامًا فَليَأتِكُم بِرِزقٍ مِنهُ وَليَتَلَطَّف وَلا يُشعِرَنَّ بِكُم أَحَدًا)،[٧] ثمّ عللّوا خوفهم وتوجّسهم بأنّهم إن اطلع أحدٌ على حالهم، فلا بدّ أن يحاول ليرجعهم إلى ملة الكفر والشرك، ولن يفلح أهل الإيمان إن اتّبعوا حديث قومٍ مشركين، حيث قال الله تعالى :(إِنَّهُم إِن يَظهَروا عَلَيكُم يَرجُموكُم أَو يُعيدوكُم في مِلَّتِهِم وَلَن تُفلِحوا إِذًا أَبَدًا)،[٨] وحين خرج أحد الفتية ليشتري لإخوانه طعاماً تنكّر؛ حتى لا يعرفه أحدٌ، وما إن دفع بالمال ثمناً لما اشتراه، استغرب من حوله من النقود التي يحملها، واستنكروا عليه ذلك، فأخبرهم خبره، وما كان من أمرهم هو ومن معه، فانطلقوا معه ليريهم مكانهم، فسبق الناس، فدخل الكهف، وأخبر أصحابه بما حصل، فعلموا أنّ ذلك من حكمة الله وقدرته، ورحمته بهم، وقد قيل بأنّ الفتية عاشوا بعد ذلك، وقيل بأنّهم ماتوا، وذُكر أنّ الناس لم يدخلوا الكهف مهابةً بعدما حصل.[٥]
عدد أصحاب الكهف
لم يذكر الله -تعالى- في القرآن الكريم عدد أصحاب الكهف، فجعله غير معلومٍ، حيث قال الله تعالى: (سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ)،[٩] ولقد ورد عن ابن عباس أنّه قال بأنّه من القليل الذي يعلم عددهم؛ وهو سبعةٌ، والسبب في ترك الله عددهم مبهماً، هو التركيز على ما ينبغي تعلّمه، إذ لا طائل من معرفة عددهم على وجه التحديد، ولذلك ختم الله -تعالى- الآية بقوله: (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ).[٩][١٠]
المراجع
- ↑ “سبب نزول سورة الكهف”، www.fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-22. بتصرّف.
- ↑ “لا يعرف مكان كهف أصحاب الكهف على وجه التحديد”، www.fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-22. بتصرّف.
- ↑ “هل قصة أصحاب الكهف موجودة في التوراة أو الإنجيل؟”، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-22. بتصرّف.
- ↑ سورة الكهف، آية: 10-11.
- ^ أ ب ت “قصة أصحاب الكهف”، www.library.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-22. بتصرّف.
- ↑ سورة الكهف، آية: 18.
- ↑ سورة الكهف، آية: 19.
- ↑ سورة الكهف، آية: 20.
- ^ أ ب سورة الكهف، آية: 22.
- ↑ “الراجح في عدد أصحاب الكهف”، www.fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-22. بتصرّف.