بحث عن نعيم الجنة
طريق الجنة
إنّ من عظيم فضل الله -تعالى- على عباده أن وصف لهم الجنة، وبشّرهم بها في حياتهم الدنيا حتى يحبونها، ويرغبون بها، وإن كانت قد حفّت بالمكاره والصعوبات، وكذلك فإنّ الله -تعالى- حذّر عباده من النار، ومن حرّها وعذابها، ووصفها لهم بأبشع الصفات والألقاب، حتى يخافونها، ويبتعدون عنها، وعمّا يقرّب إليها من قولٍ وفعلٍ، وحتى عندما وصف الله -تعالى- مهمة أنبيائه ورسله أخبر أنّهم مبشّرين ومنذرين، حيث قال: (رُسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ)،[١] فهم مبشّرون بالخير والأجر والثواب عند الله سبحانه، ومنذرون من شديد وطول عذابه في حال عصيانه والإشراك به.
ولقد فصّل الله -تعالى- عن طريق الأنبياء والرسل للناس سبيل الوصول إلى مرضاته، والفوز بجناته في الآخرة، فإنّه لا شكّ أنّ من أراد دخول الجنة وجب عليه الجدّ والاجتهاد في ذلك، واتّباع أوامره جل وعلا، وأُولى تلك الخطوات الإخلاص لله وحده، وإفراده بالعبادة، والتوجّه القلبيّ، قال الله تعالى: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا*إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا*فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا)،[٢] وكذلك فإنّه من بعد الإخلاص لله تكون الاستقامة على الطريق التي يرضاها، فلا يكون التقرّب لله -تعالى- إلّا فيما شرع الله ورضاه، ومن الطرق إلى الرضا والجنة كذلك تقوى الله تعالى، والخوف منه ومن عذابه، قال الله تعالى: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ)،[٣] ومن الخوف من الله سبحانه- وخشيته تكون طاعته، ومن طاعته تكون طاعة رسوله صلّى الله عليه وسلّم، يقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (كلُّ أمتي يدخلون الجنةَ إلّا من أبى، قالوا: يا رسولَ اللهِ، ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنةَ، ومن عصاني فقد أبى).[٤][٥]
نعيم الجنة
إذا رضي الله -تعالى- عن أحد عباده فأدخله جنته، كان ذلك أعظم فضلٍ ونعيمٍ قد غمره طوال عمره، فإنّه من دخل الجنة كانت نهاية أحزانه وشقائه وفقره ومرضه وبأسه، وبدايةً لكلّ حياةٍ وسعادةٍ وصحةٍ وسرورٍ، لا ينقضي فينتهي، حيث قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في وصف غمسةٍ واحدةٍ في الجنة: (يؤتَى بأشدِّ النَّاسِ بؤساً في الدُّنيا من أَهلِ الجنَّةِ فيُصبَغُ صبغةً في الجنَّةِ فيقالُ لهُ يا ابنَ آدمَ هل رأيتَ بؤساً قطُّ هل مرَّ بِك شدَّةٌ قطُّ فيقولُ لا واللَّهِ يا ربِّ ما مرَّ بي بؤسٌ قطُّ ولا رأيتُ شدَّةً قطُّ)،[٦] وذلك لأنّه نسي جميع ما مرّ به من أحزانٍ وشقاءٍ، عندما رأى الجنة ونعيمها وجمالها لحظةً واحدةً.[٥]
إنّ أول ما يصيب المؤمن من نعيم الجنة حين يدخلها، هو أنّه يدخلها زمرةً وجماعةً مع المؤمنين أصحابه وأحبابه، يدخلون فيزيد جمال كلّ واحد فيهم، كأنّهم أقمارٌ في ليلة البدر، قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: (أوَّلُ زُمرةٍ تدخلُ الجنَّةَ مِن أمَّتي، علَى صورةِ القمرِ ليلةَ البدرِ، ثمَّ الَّذينَ يلونَهُم علَى أشدِّ نجمٍ، في السَّماءِ، إضاءةً، ثمَّ هم بعدَ ذلِكَ مَنازلُ)،[٧] ثمّ إذا دخلوا لم يعودوا يتغوطون ولا يتبولون، لا يصيبهم الأذى أبداً، ويتزوّج كلّ رجلٍ منهم كما في الحديث الصحيح زوجتان، لا يتباغضون، ولا يخلتفون، كلّهم على قلب رجلٍ واحدٍ، يتفاوتون في المنازل والدرجات، ويكون أقلّ واحدٍ منهم حظاً في النعيم كملك أعظم الملوك في الدنيا، ومثله عشر مرّاتٍ، فذلك أدناهم منزلةً وأجراً.[٨]
والجنة قد تزينت وتهيأت لساكنيها، فكان بناؤها من لبن الفضة والذهب، وترابها المسك والزعفران، حصباؤها اللؤلؤ والجواهر، ثمار شجارها كالقلال، ألين من الزّبد، وأحلَى من العسل، ساق الشجر فيها من الذهب والفضة، وأنهارها جاريةً من اللبن والخمر والعسل، وشراب أهل الجنة التسنيم والكافور والزنجبيل، وطعامهم الفاكهة واللحوم، وتوجد شجرةً في الجنة تظلّ للراكب المجدّ مسيرة مئة عامٍ لا يقطعها، وأمّا الخدم والغلمان فهم حسان مخلّدون لهم، وصفهم الله -تعالى- بأنّهم كاللؤلؤ المكنون لجمالهم، وإذا كان ذاك الوصف للخدم، فالوصف أعظم للحور والزوجات، فإنهنّ الكواعب الأتراب، قد أذن الله -تعالى- أن يبقين في سنّ الشباب، يرى لجمالها مخّ ساقها من وراء اللحم، فهي كالياقوت والمرجان، بحيث لا تبصق، ولا تتمخّط، ولا تحيض، لم يطمثها قبل المؤمن إنسٌ ولا جانّ، ولقد وصف الله -تعالى- جنته في كثير من المواضع في القرآن الكريم، منها قوله: (فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ*لَّا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً*فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ*فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ*وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ*وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ*وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ).[٩][١٠]
تمام نِعَم الجنة
جعل الله -تعالى- من تمام نِعم العباد في الجنة أن يطمئنّوا على أنّ حالهم في النعيم هذا أبديٌّ لا ينتهي، فإنّهم إن أيقنوا ذلك زادوا فرحاً على فرحهم، ورضا على رضاهم، ولقد ورد عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه وصف حال الناس بعد دخول أهل الجنة الجنة، ودخول أهل النار النار، فيُنادى فيهم فينتبهون، ثمّ يُؤتى بكبشٍ أملحٍ هو الموت مُجسّداً، فيعرفه أهل الجنة وأهل النار، فيؤتي به على الصراط فيُذبح، ثمّ ينادي منادٍ يا أهل الجنة خلودٌ فلا موت، ويا أهل النار خلودٌ فلا موت، فيزداد أهل الجنة فرحاً وغِبطةً على حالهم.[٨]
وأمّا أعظم النعم التي يغمر الله -تعالى- بها عباده، فإنّه لم يُذكر بعد، وهو تمام رضا الله -سبحانه- على عباده، وفي الحديث الشريف أن المؤمنين إذا تنعّموا وتمتّعوا كلٌ في جنته، نُودي فيهم أنّ هل رضيتم، فيتساءل أهل الجنة إن كان هناك خيرٌ من رضا الله -تعالى- عليهم، وإدخالهم جنّته، فيُخبر النبي عليه السلام: (فيكشِفُ الحجابَ، فما أُعطوا شيئاً أحبَّ إليهِم من النظرِ إلى ربّهم عز وجلَّ، وفي روايةٍ: وزادَ، ثم تَلا هذهِ الآيةَ: لِلّذِينَ أَحْسَنُواْ الحُسْنَى وَزِيَادَةٌ)،[١١] فكانت أعظم نعم أهل الجنة في الجنّة أن ينظروا إلى وجه ربهم تعالى، حيث قال الله تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ*إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ).[١٢][١٠]
المراجع
- ↑ سورة النساء، آية: 165.
- ↑ سورة الإنسان، آية: 9-11.
- ↑ سورة الرحمن، آية: 46.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 7280، صحيح.
- ^ أ ب “الجنة وما يقرب إليها”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-3. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 2807، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2834، صحيح.
- ^ أ ب “وصف الجنة”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-3. بتصرّف.
- ↑ سورة الغاشية، آية: 10-16.
- ^ أ ب “وصف الجنة وشيء من نعيمها”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-3. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن صهيب بن سنان، الصفحة أو الرقم: 181، صحيح.
- ↑ سورة القيامة، آية: 22-23.