كيف يموت ملك الموت
عالم الملائكة الأبرار
الملائكة من مَخلوقات الله سبحانه وتعالى، وعالم الملائكةِ عالمٌ عظيمٌ من عالم الغيب، وهي مَخلوقاتٌ خَلقها الله سبحانه من نور، روت عائشة أمّ المؤمنين -رضي الله عنها- فقالت: قال رسول الله -عليه الصلاة والسلام-: (خُلِقَتِ الملائكةُ من نُّورٍ، و خلق الجانَّ من مارِجٍ من نارٍ، و خلق آدمَ مِما وُصِفَ لكمْ)،[١] ولم يُبيّن لنا الرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام- ماهيَّة النّور الذي خُلقوا منه أو طبيعته، وعلى هذا فلا يستطيع المسلم الخوض في هذا الأمر؛ فهو من الأمورِ الغيبيّةِ التي لم يرد فيها ما يُبيّنها من القرآن الكريم والسنَّة النبوية.
أمّا رُؤية الملائكة من قِبَل البشر؛ فإنّ البشر لا يستطيعون رُؤيتهم؛ لأنّ لهم أجساماً نورانيّة، وبخاصة أنّ الله سبحانه حدَّ أبصار البشر من القدرة على رؤيتهم، ولم يُشاهد الملائكة على هيئتهم وصورتهم الحقيقية من البشر إلّا رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ فإنَّه رأى جبريل مرّتين فقط؛ حيثُ رآه بالصورة التي خلقه الله سبحانه عليها، ودلَّت النصوص العديدة على أنّه يُمكن للبشر رُؤية الملائكة، في حالة تَمَثُّل الملائكة -عليهم السلام- في صورة بشر.[٢]
كيف يموت ملك الموت
الملائكة -كما ذَكَرَت العديد من النصوص- يَموتون كما يَموت جميع الخلق من الإنس والجن وغيرهم من المخلوقات والكائنات؛ حيثُ جاء ذلك صريحاً وواضحاً في قوله سبحانه وتعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُون)[٣]، فالملائكة الكرام تشملهم هذه الآية؛ لأنهم في السماء، ويَذكر ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: (أنّ الموت يحدث في النفخة الثانية والمُسمّاة بنفخة الصّعق، وفي هذه النفخة يموت جميع الأحياء من أهل السماوات والأرض، إلّا من كتب الله سبحانه له البقاء كما وَرد في أكثر من موضع، وبعد ذلك يَقبض أرواح الباقين، ويَكون آخر من يَموت من الخلائق هو ملك الموت، وينفرد بالحياة الحي القيوم سبحانه؛ الذي كان أولاً والباقي آخراً بعد موت جميع الخلق؛ فيتّصف سبحانه بالديمومة والبقاء، ويقول سبحانه: لمن المُلك اليوم؟ ويكررها ثلاث مرات)[٢].، ثم يجيب الله عز وجل نفسه بنفسه فيقول: (لله الواحد القهَّار) [٤]
تُشير الدلائل أنّ جميع الخلق يموتون؛ حيثُ قال سبحانه وتعالى: (وَلاَ تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون)[٥]، وذَكر عبد الرحمن السيوطي في كتابه، عن محمد بن كعب الْقرظِيّ أنه قال: (وصل إليه أَنّ آخر من يَمُوت -من خلق الله عز وجل- ملك الموت؛ فيُقَال له حينها: يا ملك الموت مُت، فَوَقْتَ ذلك يصرخ ملك الموت صرخة لَو سمعها من في السَّموات ومن في الأَرض لماتوا فَزعًا، ثمّ بعدها يَمُوت، وذكر أيضاً أَن الموت يكون أَشد على ملك الموت من جَمِيع الخلق).[٦]
عِظَم خلق الملائكة
بالحديث عن عِظَم خلق الملائكة الكرام، يرى المسلم في كتابه الحكيم أبلغ عبارة قد قد تَصفُ عظَمة خلق الله سبحانه للملائكة؛ فقد قال سبحانه في سورة التحريم: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون)،[٧] وجبريل -عليه السلام- من الملائكة الذين شاهدهم الرسول -عليه الصلاة والسلام- على صورته التي خَلَقه الله عليها، وكان قد رآه -عليه الصلاة والسلام- مرّتين؛ حيثُ قال تعالى عن المرة الأولى:(وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِين).[٨]، والمرة الثانية ذَكَرَها الله سبحانه في سورة النجم عندما عُرج بالرسول – صلى الله عليه وسلم – إلى السّماوات العُلا؛ فقال: (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى، عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى ).[٩]
سُئلت أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عن قول الله تعالى: (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى)[١٠]، (قالت : إنَّما ذاكَ جبريلُ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ كانَ يأتيهِ في صورةِ الرِّجالِ . وإنَّهُ أتاهُ في هذِهِ المرَّةِ في صورتِهِ الَّتي هيَ صورَتُهُ، فسدَّ أفقَ السَّماءِ)[١١]، وَوَرد أيضاً في صحيح البخاري الحديث الذي يرويه عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنّه قال عن قولِ اللهِ تعالى: (فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى، فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى) . قال حدَّثَنا ابنُ مسعودٍ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنَّه رأى جبريلَ لهُ ستُّمائةِ جناحٍ)[١٢]، ومن الملائكة الكرام الذين شاهدهم رسول الله -عليه الصلاة والسلام- حَمَلة عرش الرحمن؛ حيثُ رَوى أبو داود في صحيحه عن جابر بن عبد الله أنّ رسول الله -عليه الصلاة والسلام- قال: (أُذِن لي أن أُحدِّث عن ملكٍ من ملائكةِ اللهِ من حملةِ العرشِ، فقال: إنَّ ما بينَ شحمةِ أُذنهِ إلى عاتقِه، مسيرةُ سبعمائةِ عامٍ)[١٣]
أعداد الملائكة الكرام
الملائكة الكرام خلقٌ كثيرُ العدد، ولا يعلم عددهم إلا الله سبحانه وتعالى؛ فهو لم يُعلِم البشر بعددهم، وهو سبحانه المُتَفرِّد بهذا العلم، قال تعالى في سورة المدثر: (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ)،[١٤] أمّا كثرتهم؛ فيتَّضِح من خلال قول جبريل -عليه السلام- عن البيت المعمور عندما سأله النبي -عليه الصلاة والسلام- عنه (عندما بلغه في ليلة الإسراء): (فقلتُ: يا جبريلُ! ما هذا؟ قال: هذا البيتُ المعمورُ، يدخلُهُ كلَّ يومٍ سبعون ألفَ ملكٍ، إذا خرجوا منه لم يعودوا فيه آخرَ ما عليهم )،[١٥] وفي صحيح مسلم عن عبد الله أنّ رسول الله -عليه الصلاة والسلام- قال: (يؤتَى بجَهنَّمَ يومئذٍ لَها سبعونَ ألفَ زمامٍ، معَ كلِّ زمامٍ سبعونَ ألفَ ملَكٍ يجرُّونَها)،[١٦] فعلى هذا القول فإن الذين يأتون بجهنم -والعياذ بالله- يوم القيامة عددهم أربعةُ ملياراتٍ وتسعمئة مليون ملك، فإذا تأمل المسلم في النصوص التي تَتَحدث عن الملائكة؛ عَلِمَ مَدى عِظَم عددهم، فمَلكٌ مُوكَلٌ بالنّطفة، ومَلَكان آخران لكتابة أعمال كُلّ إنسان، وهناك ملائكة مُوكلَة بحفظ الإنسان، وقَرينٌ من الملائكة لهدايته وإرشاده.[٢]
المراجع
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 3238، خلاصة حكم المحدث : صحيح.
- ^ أ ب ت عمر بن سليمان بن عبد الله الأشقر العتيبي (1403 هـ – 1983 م)، عالم الملائكة الأبرار (الطبعة الثالثة)، الكويت: مكتبة الفلاح، صفحة9، جزء 1.
- ↑ سورة الزمر، آية: 68.
- ↑ سورة غافر، آية: 16.
- ↑ سورة القصص، آية: 88.
- ↑ عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (1417هـ – 1996م)، شرح الصدور بشرح حال الموتى والقبور (الطبعة الأولى)، لبنان: دار المعرفة، صفحة 42، جزء 1.
- ↑ سورة التحريم، آية: 6.
- ↑ سورة التكوير، آية: 23.
- ↑ سورة النجم، آية: 13 / 15.
- ↑ سورة النجم، آية: 8.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 177، خلاصة حكم المحدث : صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 3232، خلاصة حكم المحدث : صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن جاب بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 4727، خلاصة حكم المحدث : صحيح.
- ↑ سورة المدثر، آية: 31.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن مالك بن صعصعة الأنصاري، الصفحة أو الرقم: 164، خلاصة حكم المحدث : صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 2842، خلاصة حكم المحدث : صحيح.