كيف نشكر الله
شكر الله تعالى
تتفرّع الأعمال الصالحة إلى أنواعٍ كثيرةٍ، وهذه الأعمال منها ما هو متعلّقٌ بفعل الجوارح؛ كالصلاة وغيرها، ومنها ما هو متعلّقٌ بالقلب؛ كالخوف والرجاء، والتوكّل والإنابة واليقين والورع، والإخبات والتوبة، والمراقبة والإخلاص، وغيرها، ومنها ما هو متعلّقٌ بالجوارح والقلوب معاً؛ كالشكر؛ فالشكر من الأعمال الصالحة التي يتقرب بها العبد إلى خالقه سبحانه وتعالى؛ لنيل رضاه، وله في الدين الإسلامي منزلةٌ عظيمةٌ، فقد أمر الله به عباده، ونهى عن الإتيان بضده، وبه وصف خواصّ خلقه، ووعد أهله بأحسن الجزاء في الدنيا والآخرة، وجعله سبباً للمزيد من فضله،[١] وفي هذا المقال سيتمّ تناول عبادة شكر الله على النعم من حيث المعنى والحكم والكيفيّة التي يكون عليه شكر الله تعالى، وثمار وفوائد الشكر، وبيان أنواع شكر الله تعالى.
معنى شكر الله تعالى وحكمه
معنى الشكر
لفظ الشكر كغيره من الألفاظ في اللغة العربيّة، له معنيان: واحدٌ في اللغة وآخر في الاصطلاح، وفيما يأتي بيانٌ لكلا المعنيين:
- الشكر في اللغة اسمٌ، ويُقال: شكره، وشكر له، ويشكر شكراً، وشكوراً وشكراناً، الشكر: عرفان الإحسان ونشره، والشكر من الله: المجازاة والثناء الجميل.[٢]
- الشكر في الاصطلاح: هو ظهور أثر نعم الله -سبحانه وتعالى- على عبده في قلبه من خلال الإيمان به، وفي لسانه، من خلال حمده والثناء عليه، وفي جوارحه من خلال عبادته وطاعته.[٣]
حكم شكر الله تعالى
ذهب الفقهاء والأئمة من المذاهب الفقهيّة، إلى أنّ شكر الله على نعمه واجبٌ في الشرع من حيث الجملة، ولا يجوز تركه بالكليّة، وقد أُستدلّ على ذلك بالآيات القرآنيّة الكريمة التي فيها الأمر بالشكر؛ كقول الله -سبحانه وتعالى- في القرآن الكريم: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ)،[٤] وقول الله تعالى أيضاً: (فَاذْكُرُوا آلاَءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)،[٥] ويُستحب الإكثار من شكر الله تعالى على نعمه.[٦]
كيفيّة شكر الله تعالى
الشكر اعترافٌ من العبد المؤمن بحصول النعمة من المنعم سبحانه وتعالى، وإقراره بهذه النعمة باللسان، واستعمالها في طاعة الله، أمّا كيفيّة شكر الله -سبحانه وتعالى- فتتحقّق بحصول أركان الشكر والتي لا تصحّ إلا به، وهذه الأركان هي:[٧]
- أن يشهد العبد بقلبه؛ بنسبة النعمة إلى المُنعِم سبحانه وتعالى، مع حصول المحبة والخضوع للمُنعِم سبحانه، كما جاء في قوله تعالى: (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ).[٨]
- أن يثني العبد على الله -سبحانه وتعالى- بلسانه، وينسب الفضل لله وحده، ويتبرّأ من حوله وقوته، قال الله سبحانه وتعالى: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ).[٩]
- أن يستعمل العبد النعمة التي أنعم الله بها عليه في طاعة الله وحده ولا يستعملها في سخط الله، قال الله تعالى: (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ).[١٠]
وممّا يعين العبد على أداء شكر الله حقّ الشكر ما يأتي:[٧]
- التقرب إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء بأن ييسير له الشكر في كلّ حالٍ.
- استحضار كمال قدرة الله وكمال رحمته ولطفه بالعباد، وتفضّله عليهم بالنعم.
- تفكّر العبد في كثرة النعم التي أنعم الله -سبحانه وتعالى- بها عليه، والتي لا يستطيع حصرها ولا إحصاءها.
- تفكّر العبد بأنّه لا يستطيع أن يعبد الله -سبحانه وتعالى- حقّ العبادة، وأنّه لا يقوم بحقوق الله سبحانه وتعالى؛ وذلك لعجز العبد وغفلته وجهله.
- تأمّل العبد في عظيم جزاء شكر الله في الدنيا والآخرة.
- تفكّر العبد في عِظم السؤال والوقوف بين يدي الله عن شكر النعم التي أنعم بها عليه.
- النظر إلى أحوال الفقراء والمساكين الذين هم أقلّ حالاً منه.
أنواع شكر الله تعالى
إنّ لشكر الله تعالى أنواعاً ثلاثةً، وهذه الأنواع هي:[٦]
- شكر الله -سبحانه وتعالى- على نعمه التي أنعم بها على عباده، والعبد في جميع أموره وأحواله إنّما هو متقلّبٌ في نعم الله، وقد جاء في القرآن الكريم كثيرٌ من الآيات الكريمة التي ورد فيها تعدادٌ لنعم الله، من خلق الأرض والسماء والشمس و القمر وغيرها الكثير.
- شكر الله -سبحانه وتعالى- على دفعه للنقم، سواءً اندفعت عن الفرد نفسه أو عن ولده أو عموم المسلمين.
- الشكر عندما يصاب العبد بشيءٍ من المكروهات من المصائب والآلام.
فضل الشكر ومنزلة الشاكرين
لشكر الله على نعمه، وللشاكرين منزلةٌ عظيمةٌ وفضائل كثيرةٌ، منها:[١١]
- أنّ من أسماء الله تعالى الشاكر والشكور.
- أنّ الشكر من صفات الأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام.
- أنّ الله تعالى أمر عباده بشكره.
- أنّ الشكر من صفات عباد الله المؤمنين، ففي الحديث النبوي يقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ؛ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ).[١٢]
- أنّ الشكر سببٌ لرضى الله تعالى عن عبده، قال الله تعالى: (إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ ۖ وَلَا يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ ۖ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ۗ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۗ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ).[١٣]
- أنّ شكر الله أمانٌ للعبد من عذاب الله.
- أنّ شكر الله سببٌ في زيادة النعم، قال الله تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ).[١٤]
- أنّ الشكر سببٌ في حصول العبد على الأجر العظيم في الآخرة.
- أنّ رضا الله تعالى معلّقٌ بشكره؛ فمتى شكر العبد ربَّه نال رضاه.
- أنّ الله تعالى وصف عباده الشاكرين بأنّهم قلّةٌ بين عباده.
المراجع
- ↑ خالد حسين محمد البعداني (28-12-2012)، “الشكر”، www.jameataleman.org، اطّلع عليه بتاريخ 13-8-2018. بتصرّف.
- ↑ “تعريف ومعنى الشكر”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 13-8-2018. بتصرّف.
- ↑ محمد صالح المنجد (2009)، الشكر (الطبعة الأولى)، السعودية: مجموعة زاد للنشر والتوزيع، صفحة 8. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 152.
- ↑ سورة الأعراف، آية: 69.
- ^ أ ب وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية – الكويت (1427هـ)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: دار الصفوة، صفحة 174-178، جزء 26. بتصرّف.
- ^ أ ب خالد بن سعود البليهد (14-8-1434)، “شكر الله تعالى”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 13-8-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة النحل، آية: 53.
- ↑ سورة الضحى، آية: 11.
- ↑ سورة سبأ، آية: 13.
- ↑ أحمد أبو عيد (1-8-2016)، “فضل الشكر وجزاء الشاكرين”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 13-8-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن صهيب بن سنان ، الصفحة أو الرقم: 2999، صحيح.
- ↑ سورة الزمر، آية: 7.
- ↑ سورة ابراهيم، آية: 7.