كيف كرم الإسلام الإنسان

الإنسان ذاك المخلوق المكرم

أوجد الله الكون، وشاءت إرادته -سبحانه- أنْ يخلق فيه خلقاً كثيراً، فخلق الملائكة المطهّرين، وخلق الجنّ، وخلق الحيوانات على اختلاف أنواعها ومسمّياتها، كما خلق الأشجار والنّبات بشتّى أنواعه، وأودع فيها الحياة، وخلق ما لا علم للإنسان به، قال الله تعالى: (وَيَخلُقُ ما لا تَعلَمونَ)،[١] لكنّ الله -عزّ وجلّ- لم يكرّم أحداً من مخلوقاته كما أكرم الإنسان، وفي هذا يقول المولى سبحانه: (وَلَقَد كَرَّمنا بَني آدَمَ وَحَمَلناهُم فِي البَرِّ وَالبَحرِ وَرَزَقناهُم مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلناهُم عَلى كَثيرٍ مِمَّن خَلَقنا تَفضيلًا)،[٢] وتتعدّد مظاهر تكريم الله للإنسان بجوانبٍ كثيرةٍ، وأوجهٍ مختلفةٍ، وانبثق عن هذا التكريم الإلهي مسؤولياتٍ وتشريعاتٍ وأحكامٍ، وقد نال هذا الموضوع اهتمام أهل العلم؛ فتناولوه بالبحث والسّبر، وكشفوا عن دلالاته ومقاصده؛ فكيف كرّم الإسلام الإنسان؟

جوانب اهتمام الإسلام بالإنسان

خلق الله الإنسان من طينٍ، ثمّ نفخ فيه من روحه، ليصبح الإنسان بعد ذلك بتركيبته التي أرادها الله -تعالى- إنساناً مكرمّاً، حيث يجمع بين أشواق الرّوح ومتطلبات الجسد وحاجاته، ومن هنا فقد أولى الإسلام الإنسان اهتماماً خاصاً، ومنحه من الحقوق ما ينسجم مع تكريم الله له، وما يضمن له أداء مهمّته في هذه الحياة وفق منهج الله تعالى، ومن أهمّ مظاهر تكريم الإسلام للإنسان:

  • تبدأ حقوق الإنسان في الإسلام قبل ولادته؛ فقد أمر الشرع الحكيم بحسنُ اختيار الزوجة، لتكون بعد ذلك أمّاً ذات نسبٍ معروفٍ بطهره، ولتكون قادرةً على حمل أعباء التربية بعد الحمل والإرضاع، كما سنّ الإسلام أحكاماً خاصّةً بالجنين وهو في بطن أمّه، ودعا إلى حُسْن اختيار اسمه، وأوجب له الرّعاية والنّفقة، وتتابع حقوقه بعد ذلك لتعظم أكثر فأكثر.[٣]
  • طمأن الإسلام الإنسان إلى أنّ حقوقه المقرّرة شرعاً محفوظةً بالأمر بالعدل والنّهي عن الظلم بين النّاس كلّهم، من غير تمييزٍ لأي سببٍ كان، مثل: الدين واللون، والعرق، وغيرها؛ فقال الله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).[٤][٥]
  • حفظ الإسلام للإنسان حقوقاً تعدّ غايةً في الأهمية؛ فحفظ حقّه في حياةٍ آمنةٍ ومكرّمةٍ؛ فجعل نفسه معصومةً، قال الله تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ)،[٦] وجعل الاعتداء عليه بالقتل جريمةً تستحقّ القصاص، فقال سُبحانه: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ)،[٧] بل إنّ الإسلام كرّمه حين حرّم الاعتداء المعنوي عليه، مثل: الغيبة، أو النميمة، أو الهمز، واللمز؛ فقال الله عزّ وجلّ: (وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ).[٨][٥]
  • حمى الإسلام حقّ الإنسان بالتّملك، وشرع من الأحكام والحدود التي تضمن له ماله، وحرّية التّصرف فيه بكلّ ما هو مباحاً ومشروعاً، وقد أكّد النبي -صلّى الله عليه وسلّم- على هذا المعنى في خطبة حجّة الوداع عندما قال: (اعلموا أنَّ دماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم حرامٌ عليكم كحُرمةِ يومِكم هذا، كحُرمةِ شهرِكم هذا، كحُرمةِ بلدِكم هذا).[٩][٥]
  • منح الإسلام غير المسلم حرية الاعتقاد، ومنع إكراهه أو إجباره على الدّخول في الإسلام، قال الله تعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ).[١٠][٥]
  • شكلّت التشريعات الإسلامية ضمانةً للإنسان المحتاج في عيشةٍ كريمةٍ؛ فأوجب له النفقة الشرعيّة، كما أوجب الزكاة والكفّارات، وكفل له حاجاته الأساسية من بيت مال المسلمين، كما أولى الإسلام عنايةً فائقةً بحقوق الضعفاء، وشرع من الأحكام ما يكفل حمايتهم من شتى صور الاعتداء أو الظلم، وخاصّةً حقّ المرأة واليتيم.[٥]
  • حرص الإسلام على الإنسان بعد وفاته، وخروج روحه، فقد دعا إلى حفظ حُرمته، ونهى عن نبش قبره، كما نهى عن سبّه، أو ذكر معايبه، بل إنّه أمر بذكر محاسنه وتعدادها.[٣]

مظاهر التكريم الربّاني للإنسان

لقد كرّم الله -سبحانه- الإنسان بأنْ أحسن خِلْقته، وجمّل صورته؛ فليس في المخلوقات جنسٌ أحسن منه صورةً؛ قال الله تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)،[١١] ثمّ كرمّه المولى -تعالى- بأنْ نفخ فيه من روحه على وجه الاختصاص؛ فلم يُعطَ هذا الفضل لأحد سواه، قال الله سبحانه: (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ*فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ)،[١٢] ويتجلّى هذا التكريم عندما أمر الله -سبحانه- ملائكته بالسّجود لآدم -عليه السلام- في مشهدٍ نكص فيه إبليس عن أمر الله تعالى، يقول المولى جلّ وعلا: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ)،[١٣] ولا شكّ أنّ هذا الموقف يشكّل تكريماً استثنائياً للإنسان، وإعدادٌ لمهمّاتٍ جليلةٍ له في الحياة، حيث يتأكّد ذلك بمنح الله الإنسان العقل والقدرة على إعمال التفكير والتّدبر، الأمر الذي قاد الإنسان إلى ما أنتجه من تقدّمٍ هائلٍ في شتّى أنواع العلوم والصناعات، ويميل الإمام القرطبي -رحمه الله- إلى أنّ أهمّ صور التّفضيل للإنسان إنّما كان مرجعه إلى العقل، الذي هو مناط التكليف، وأساس عمارة الأرض وفق مراد الله تعالى، ومن جملة ما يُذكر من مظاهر التّكريم أنّ الله -تعالى- سخّر للبشرية كلّ ما في هذا الكون الفسيح، وجعل كثيراً من المخلوقات الأخرى خادمةً لمهمّة الإنسان في الحياة، ومسخّرةً بين يديه، بل إنّ أهل الاختصاص في علوم الطبيعة يؤكّدون على أنّ المخلوقات الأخرى ابتداءً من النجوم والأقمار والأرض وما فيها من بحارٍ وجبالٍ ومخلوقاتٍ تشكّل توازناً مطلوباً لاستمرار حياته وأداء مهمّته.[١٤]

المراجع

  1. سورة النحل، آية: 8.
  2. سورة الإسراء، آية: 70.
  3. ^ أ ب علي الأهدل (23-8-2014)، “حقوق الإنسان في الإسلام”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 7-8-2018. بتصرّف.
  4. سورة المائدة، آية: 8.
  5. ^ أ ب ت ث ج أحمد الزومان (1-5-2011)، “حقوق الإنسان في الإسلام”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 7-8-2018. بتصرّف.
  6. سورة الإسراء، آية: 33.
  7. سورة المائدة، آية: 45.
  8. سورة الحجرات، آية: 11.
  9. رواه ابن حزم، في حجة الوداع، عن حذيم بن عمرو السعدي، الصفحة أو الرقم: 170، إسناده متصل صحيح.
  10. سورة البقرة، آية: 256.
  11. سورة التين، آية: 4.
  12. سورة ص، آية: 71-72.
  13. سورة البقرة، آية: 34.
  14. أحمد الحزيمي (29-10-2016)، “ما أكرم الإنسان عند الله”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 7-8-2018. بتصرّف.