فوائد صحبة الصالحين الأخيار

أهمية اختيار الصحبة الصالحة

اهتمّ الإسلام بالصُحبة الصالحة؛ لأثرها العميق في توجيه نفس الإنسان وعقله، ونتائجها الإيجابيّة على تقدّم المُجتمع أو تأخُّره، وقد حثّ الله -تعالى- عليها في آياتٍ كثيرة؛ كقوله -تعالى-: (وَاصبِر نَفسَكَ مَعَ الَّذينَ يَدعونَ رَبَّهُم بِالغَداةِ وَالعَشِيِّ يُريدونَ وَجهَهُ وَلا تَعدُ عَيناكَ عَنهُم تُريدُ زينَةَ الحَياةِ الدُّنيا وَلا تُطِع مَن أَغفَلنا قَلبَهُ عَن ذِكرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمرُهُ فُرُطًا)،[١] وقد حرص الإسلام أن يجعل شعائره العظيمة نقطة التقاء المُسلمين؛ لتكثير أعدادهم، وتعاونهم في أدائها، وعدّ أيّ تخلُّف عن جماعة المُسلمين من المعاصي؛ فيجمع المُسلم بين الاختلاط النافع مع المُجتمع والخلوة الطيّبة؛ فالصُحبة الصالحة لها أثر كبير في النجاة من الأزمات حتّى في الآخرة؛ فرغّب الإسلام بها وإخلاصها لوجه الله -تعالى-؛ لقوله -تعالى-: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ).[٢][٣]

والصُحبة الصالحة لها تأثير على سلوك الإنسان، وقد ضرب النبي -عليه الصلاة والسلام- مثالاً للصاحب الصالح والصاحب السيء بقوله: (مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ والسَّوْءِ، كَحامِلِ المِسْكِ ونافِخِ الكِيرِ، فَحامِلُ المِسْكِ: إمَّا أنْ يُحْذِيَكَ، وإمَّا أنْ تَبْتاعَ منه، وإمَّا أنْ تَجِدَ منه رِيحًا طَيِّبَةً، ونافِخُ الكِيرِ: إمَّا أنْ يُحْرِقَ ثِيابَكَ، وإمَّا أنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً)؛[٤] فصاحب السوء ينشغل بالدُنيا ومتاعها وقضاء وقته بالمعاصي وفيما لا فائدة منه، ولا يتقيّد بضوابط الشرع الصحيحة، ممّا يؤثّر على أخلاق غيره وقلبه؛ فلذلك نهى الإسلام عن مُصاحبته، وحثّ على مصاحبة الإنسان الخيّر الذي يساعد صاحبه في تهذيب أخلاقه، ويحثّه على طلب العلم ونشره و غير ذلك من الأمور الخيّرة.[٥]

فوائد صحبة الصالحين الأخيار

تُعد صُحبة الصالحين ومُجالستهم وتتبّع أخبارهم من الأُمور التي تُعزّز حُبّ الخير في النفس وتزيد الرغبة في الوصول إلى ما وصلوا إليه، وتذكّر الصحبة الصالحة الأصحاب بالآخرة، وتحثّ على ترك الدُنيا وحُطامها،[٦] كما وتساعد على تقوية الهمّة والعزيمة، ونظر الإنسان إلى نفسه بالنقص مُقارنةً بالأخيار، وتنبيهه من غفلته عن بعض الأخلاق والعبادات في الحياة اليوميّة،[٧] ممّا يؤدي إلى إحياء القلب، وانشراح الصدر، وإنارة الفكر، والإقبال على الطاعات، والبُعد عن المعاصي؛ فالجليس الصالح يُذكّر بالله -تعالى-، ومُجالسته سبب لتنزّل الرحمة والسكينة وحُضور الملائكة،[٨] كما وتوجب الصحبة الصالحة تحصيل العلم النافع، والأخلاق الفاضلة، والجليس السوء يحرم من ذلك كُله، لقوله -تعالى-: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا).[٩][١٠]

وتُعدّ مُجالسة الصالحين في حياتهم، وقراءة أخبارهم بعد موتهم من وسائل الثبات على الديّن؛ فقد جاء عن ابن القيّم أنّه كان إذا ضاق صدره يذهب إلى الإمام ابن تيمية ليراه ويسمع كلامه؛ ليدُلّه على الخير، ويفتح سمعه وبصره وقلبه على الطاعة،[١١] كما أنّ الصحبة الصالحة تُصحّح مسار الشهوات وتضبطها بضوابط الشرع الصحيحة، وتقوّي الدافعيّة نحو طاعة الله -تعالى-، كما وتوجّه النفس وتُهذّبها.[٥]

صفات عباد الله الصالحين

توجد العديد من الصفات التي يتّصف بها عباد الله -تعالى- الصالحين، وهي كما يأتي:

  • الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر، قال -تعالى-: (يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ).[١٢][١٣]
  • إخلاص قُلوبهم وتجرُّدها لله -تعالى-، وابتغاء الأجر منه، قال -عزّ وجلّ-: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ).[١٤][١٥]
  • اتّصافهم بصفات الإسلام وأخلاقه؛ كالحياء وهو ممّا يتّصف به الصادقون الصالحون، كما أنّه من صفات الأنبياء -عليهم السلام-،[١٦] كما أنّهم يخافون عند ذكر الله -تعالى-؛ لقوة إيمانهم، ومُراقبتهم لله -تعالى-، قال -عزّ وجلّ-: (إِنَّمَا المُؤمِنونَ الَّذينَ إِذا ذُكِرَ اللَّـهُ وَجِلَت قُلوبُهُم وَإِذا تُلِيَت عَلَيهِم آياتُهُ زادَتهُم إيمانًا وَعَلى رَبِّهِم يَتَوَكَّلونَ * الَّذينَ يُقيمونَ الصَّلاةَ وَمِمّا رَزَقناهُم يُنفِقونَ * أُولـئِكَ هُمُ المُؤمِنونَ حَقًّا لَهُم دَرَجاتٌ عِندَ رَبِّهِم وَمَغفِرَةٌ وَرِزقٌ كَريمٌ).[١٧][١٨]
  • إحسانهم في عبادتهم لله -تعالى-، وإحسانهم إلى عباده،[١٩] وابتعادهم عن اللغو والباطل، قال -تعالى-: (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً)،[٢٠][٢١] كما أنّهم لا يحضرون الزور ولا يشهدونه ولا يعملون به، ويترفّعون عن اللهو بكافّة أنواعه، ويتوبون إلى الله -تعالى- توبةً نصوحاً ويتبعونها بالعمل الصالح؛ تقرباً لله -تعالى-،[٢٢] بالإضافة إلى سلامة صدورهم من الغلّ والحقد والحسد والغشّ للمُسلمين ولعباد الله -تعالى-، قال -عزّ وجلّ-: (وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ).[٢٣][٢٤]

المراجع

  1. سورة الكهف، آية: 28.
  2. سورة الزخرف، آية: 67.
  3. أسماء وجيه أبو صفية (2011)، الصُحبة في ضوء القُرآن الكريم، غزة: الجامعة الإسلامية، صفحة 1-2. بتصرّف.
  4. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو موسى الأشعري، الصفحة أو الرقم: 5534، صحيح.
  5. ^ أ ب ليلى عبد الرشيد عطار (1998)، آراء ابن الجوزي التربوية «دراسة وتحليلا وتقويما ومقارنة» (الطبعة الأولى)، ميريلاند – الولايات المتحدة الأمريكية: منشورات أمانة للنشر، صفحة 181، جزء 1. بتصرّف.
  6. عبد الملك بن محمد القاسم، أولئك الأخيار، الرياض: دار القاسم، صفحة 3. بتصرّف.
  7. خالد بن عبد الرحمن الحسينان (2009)، هكذا كان الصالحون، مصر: مركز الفجر للإعلام، صفحة 1، جزء 1. بتصرّف.
  8. محمد نصر الدين محمد عويضة، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 279، جزء 4. بتصرّف.
  9. سورة الفرقان، آية: 27-29.
  10. عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله بن ناصر بن حمد آل سعدي (1423هـ)، بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار (الطبعة الرابعة)، السعودية: وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، صفحة 140، جزء 1. بتصرّف.
  11. محمد بن إبراهيم بن إبراهيم بن حسان، دروس للشيخ محمد حسان ، صفحة 12، جزء 24. بتصرّف.
  12. سورة التوبة، آية: 71.
  13. إبراهيم زيد الكيلاني (1984)، الرأي العام في المجتمع الإسلامي (الطبعة السادسة عشرة)، المدينة المنورة: الجامعة الإسلامية، صفحة 247. بتصرّف.
  14. سورة البينة، آية: 5.
  15. محمد بن إبراهيم بن إبراهيم بن حسان، دروس للشيخ محمد حسان ، صفحة 7، جزء 34. بتصرّف.
  16. أبو التراب سيد بن حسين بن عبد الله العفاني، دروس الشيخ سيد حسين العفاني، صفحة 1، جزء 12. بتصرّف.
  17. سورة الأنفال، آية: 2-4.
  18. عبد الله بن عبد الحميد الأثري (2003)، الإيمان حقيقته، خوارمه، نواقضه عند أهل السنة والجماعة (الطبعة الأولى)، الرياض: مدار الوطن للنشر، صفحة 189، جزء 1. بتصرّف.
  19. سعيد بن علي بن وهف القحطاني، نور التقوى وظلمات المعاصي في ضوء الكتاب والسُّنَّة، الرياض: مطبعة سفير، صفحة 19، جزء 1. بتصرّف.
  20. سورة الفرقان، آية: 72.
  21. أبو عبد الله مصطفى بن العدوى شلباية، دروس للشيخ مصطفى العدوي، صفحة 7، جزء 12. بتصرّف.
  22. أحمد حطيبة، تفسير الشيخ أحمد حطيبة، صفحة 1، جزء 124. بتصرّف.
  23. سورة الحشر، آية: 9.
  24. عائض بن عبد الله القرني، دروس الشيخ عائض القرني، صفحة 13، جزء 255. بتصرّف.