ما معنى سبحان الله

التسبيح في القرآن الكريم

كلمة “سبحان الله” لها مكانة عظيمة في الدين، كما تعتبر من أعظم وأشرف الأذكار والعبادات التي تقرّب إلى الله -تعالى-، وقد ورد في فضلها وبيان عظمتها الكثير من الآيات القرآنيّة والأحاديث النبويّة الشريفة، ولكثرة تلك الآيات والأحاديث فإنّه من الصعب حصرها والإحاطة بجميعها، حيث ورد في القرآن ما لا يقل عن ثمانين آية؛ جاءت بصيغ مختلفة ومتنوّعة، ومنها ما جاء بصيغة الأمر، مثل قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّـهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)،[١] ومنها ما ورد بصيغة الماضي، مثل قوله -تعالى-: (سَبَّحَ لِلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).[٢][٣]

ومنها ما ورد بصيغة المضارع، مثل قوله -تعالى-: (يُسَبِّحُ لِلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ)،[٤] ومنها ما جاء بلفظ المصدر مثل ما ورد في قول الله -تعالى-: (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)،[٥]وقد افتتح الله -تعالى- ثماني سور من القرآن الكريم بالتسبيح؛ منها سورة الإسراء؛ فقال: (سُبحانَ الَّذي أَسرى بِعَبدِهِ لَيلًا مِنَ المَسجِدِ الحَرامِ إِلَى المَسجِدِ الأَقصَى الَّذي بارَكنا حَولَهُ لِنُرِيَهُ مِن آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّميعُ البَصيرُ).[٦][٣]

معنى سبحان الله

يُطلق لفظ “سبحان” على ما يُراد به التنزيه، والله -سبحانه وتعالى- منزّه عن كلّ نقص، وقد اتّصف -عزّ وجلّ- بكلّ صفات الكمال والجلال،[٧] أمّا مصطلح “سبحان الله”؛ فهو أمر بالتسبيح؛ أي سبّحوا الله -تعالى-، وقد قال ابن عبّاس -رضي الله عنه- أنّ كل تسبيحة في القرآن تدخل في معنى الصلاة، وقال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنّ سبحان الله اسم يمتنع عن تسمية أيّ مخلوق به،[٨]ومعناها تعظيم الله -تعالى- وتقديسه،[٩] وحين سُئل رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- عن معنى -سبحان الله-، فسّرها بأنّها براءة الله -تعالى- من كلّ سوء.[١٠]

الله -سبحانه وتعالى- بريء من كلّ نقص، وكامل في كلّ شيء؛ أسمائه وصفاته وأفعاله؛ فأسماؤه حسنى لا أسماء أحسن منها، وصفاته عليا ولا يوجد أعلى منها، قال -تعالى-: (وَلِلَّـهِ الأَسماءُ الحُسنى)،[١١] وقال أيضاً: (وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى)؛[١٢] أي أنّ وصفه كامل، أمّا أفعاله فهي أيضاً كاملة حكيمة، يفعل كلّ ما يفعله بحكمة، وهو -سبحانه- المنزّه عن كل عيب ونقص ولعب وعبث وباطل، قال -تعالى-: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا)،[١٣][١٤] وبناءً عليه فالتسبيح يتضمّن تنزيه الله -تعالى- عن كلّ نقصٍ وعيب، وهو أصلٌ عظيم من أصول الدين، وركنٌ أساسيّ من أركان الإيمان بالله -عزّ وجلّ-.[١٥]

أوقات التسبيح

يسبح المسلم ربه في العديد من المواضع التي جاءت بدليل إمّا من القرآن الكريم أو السنّة النبوية، فيما يأتي بيان لهذه المواضع على وجه التفصيل:

  • التسبيح أثناء الصلاة وبعدها؛ وقد ورد في السنّة النبويّة الشريفة بأن المسلم يفتتح صلاته بالتسبيح، وذلك من خلال قوله: (سُبحانَكَ اللَّهمَّ وبِحمدِكَ، وتبارَكَ اسمُكَ، وتعالى جدُّكَ ولا إلَهَ غيرُكَ)،[١٦] كما ويكون التسبيح أثناء القراءة في قيام الليل، وفي الركوع والسجود، ثمّ عند الانتهاء من الصلاة فإنّه يسبّح الله -تعالى- ثلاثاً وثلاثين مرّة، وقد ورد ذلك في الحديث الذي رواه أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (مَن سَبَّحَ اللَّهَ في دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ ثَلاثًا وثَلاثِينَ، وحَمِدَ اللَّهَ ثَلاثًا وثَلاثِينَ، وكَبَّرَ اللَّهَ ثَلاثًا وثَلاثِينَ، فَتْلِكَ تِسْعَةٌ وتِسْعُونَ، وقالَ: تَمامَ المِئَةِ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له المُلْكُ وله الحَمْدُ وهو علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ غُفِرَتْ خَطاياهُ وإنْ كانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ).[١٧][١٨]
  • التسبيح في الصباح والمساء؛ وقد ورد الدليل في القرآن الكريم والسنّة النبويّة على ذلك، قال -تعالى-: (وَسَبِّح بِحَمدِ رَبِّكَ قَبلَ طُلوعِ الشَّمسِ وَقَبلَ غُروبِها وَمِن آناءِ اللَّيلِ فَسَبِّح وَأَطرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرضى)،[١٩] وقد ورد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (مَن قالَ: حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، مِئَةَ مَرَّةٍ، لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ يَومَ القِيَامَةِ، بأَفْضَلَ ممَّا جَاءَ به، إِلَّا أَحَدٌ قالَ مِثْلَ ما قالَ، أَوْ زَادَ عليه).[٢٠]
  • التسبيح عند التعجّب؛ فإن سمع المسلم شيئاً غير مألوف، أو وقع أمامه فعل أو سمع قولاً دعاه إلى الاستغراب؛ فقد شرع له أن يسبّح الله -تعالى-؛ فقد ورد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أخبر: (أنَّهُ لَقِيَهُ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ في طَرِيقٍ مِن طُرُقِ المَدِينَةِ، وهو جُنُبٌ فَانْسَلَّ فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ، فَتَفَقَّدَهُ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فَلَمَّا جَاءَهُ قالَ: أيْنَ كُنْتَ يا أبَا هُرَيْرَةَ قالَ: يا رَسولَ اللهِ، لَقِيتَنِي وأَنَا جُنُبٌ فَكَرِهْتُ أنْ أُجَالِسَكَ حتَّى أغْتَسِلَ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: سُبْحَانَ اللهِ! إنَّ المُؤْمِنَ لا يَنْجُسُ)،[٢١] فرسول الله -صلى الله عليه وسلّم- تعجّب من ظنّ أبي هريرة -رضي الله عنه- حين اعتقد أنّ الجنب لا يجالس أحداً ولا يصافح أحداً.[٢٢]
  • التسبيح عند القيام من المجلس، خاصّة المجلس الذي كان في الغلط، والتسبيح هنا مستحبّ، لما ورد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن الرسول -عليه السلام-، أنّه قال: (مَن جلسَ في مجلِسٍ فَكَثرَ فيهِ لغطُهُ ، فقالَ قبلَ أن يقومَ من مجلسِهِ ذلِكَ : سُبحانَكَ اللَّهمَّ وبحمدِكَ ، أشهدُ أن لا إلَهَ إلَّا أنتَ أستغفرُكَ وأتوبُ إليكَ ، إلَّا غُفِرَ لَهُ ما كانَ في مجلِسِهِ ذلِكَ).[٢٣][٢٤]

المراجع

  1. سورة الأحزاب، آية: 41-42.
  2. سورة الحشر ، آية: 1.
  3. ^ أ ب عبد الرزاق البدر (2003)، فقه الأدعية والأذكار (الطبعة الثانية)، الكويت : ناقص ، صفحة 201-202، جزء 1. بتصرّف.
  4. سورة الجمعة ، آية: 1.
  5. سورة الصافات ، آية: 180-182.
  6. سورة الإسراء ، آية: 1.
  7. حسن الزهيري ، شرح صحيح مسلم، صفحة 9، جزء 52. بتصرّف.
  8. منصور السمعاني (1997)، تفسير القرآن (الطبعة الأولى )، الرياض: دار الوطن ، صفحة 201، جزء 4. بتصرّف.
  9. ناصر العقل ، دروس الشيخ ناصر العقل، صفحة 16، جزء 9. بتصرّف.
  10. مكّي بن أبي طالب (2008)، الهداية إلى بلوغ النهاية في علم معاني القرآن وتفسيره، وأحكامه، وجمل من فنون علومه (الطبعة الأولى )، الإمارات العربية المتحدة : جامعة الشارقة ، صفحة 4123، جزء 6. بتصرّف.
  11. سورة الأعراف، آية: 180.
  12. سورة الروم ، آية: 27.
  13. سورة ص، آية: 27.
  14. محمد بن العثيمين (2006)، فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (الطبعة الأولى )، القاهرة : المكتبة الإسلامية للنشر والتوزيع، صفحة 182، جزء 2. بتصرّف.
  15. “معنى كلمة التسبيح ” سبحان الله وبحمده “”، www.islamqa.info، 5-3-2008، اطّلع عليه بتاريخ 24-7-2020. بتصرّف.
  16. رواه العيني، في نخب الافكار، عن أبو سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 3/520، صحيح.
  17. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن أبي هريرة ، الصفحة أو الرقم: 597، صحيح .
  18. محمد المنجد، دروس للشيخ محمد المنجد، صفحة 8، جزء 14. بتصرّف.
  19. سورة طه، آية: 130.
  20. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن أبي هريرة ، الصفحة أو الرقم: 2692، صحيح .
  21. رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن أبي هريرة ، الصفحة أو الرقم: 371، صحيح .
  22. محمد المنجد، دروس للشيخ محمد المنجد، صفحة 13، جزء 14.
  23. رواه الألباني ، في صحيح الترمذي ، عن أبي هريرة ، الصفحة أو الرقم: 3433، صحيح .
  24. وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية (1427)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دار السلاسل ، صفحة 272-273، جزء 10. بتصرّف.