عذاب يوم القيامة

مبدأ الثواب والعقاب

يُعدّ مبدأ الترغيب والترهيب من المبادئ الأساسيّة التي استندت إليها القوانين، والأنظمة، والأديان السماويّة؛ فجعلت من الثواب والعقاب سُنّةً ثابتةً ودائمةً؛ سواء في الحياة الدُّنيا، أو في الحياة الآخرة؛ إذ قرَّر الله -عزّ وجلّ- وحَدّد العقوبات الدُّنيوية في كتابه الحكيم، إضافةً إلى العقوبات الأخرويّة، وقد ورد العذاب في القرآن الكريم بألفاظٍ عدّة، وبيانها على النَّحو الآتي:[١]

  • العذاب: وهو لفظٌ ورد مع مُشتقّاته في كتاب الله -تعالى- ثلاثمئة وسبعين مرّةً.
  • النار: والتي ذُكِرت في القرآن الكريم بالأسماء التسعة، وهي: جهنّم، وجحيم، وسَعِير، وسَقَر، وسَمُوم، وسِجِّين، وحُطَمة، ولَظى، وهاوية.
  • العقاب: ولفظ العقاب وارد في الكتاب الحكيم ثماني عشرة مرّةً.
  • الرِّجْز: وقد ورد لفظ الرِّجْز في عددٍ من المعاني، كالصنم، والكَيد، إضافةً إلى معنى العذاب الذي استُخدِم في أغلب المعاني، إذ اسُتخدِم في كتاب الله -تعالى- في عشرة مَواضع.
  • النَّكَال: وقد وردَ هذا اللفظ في القرآن الكريم خمسَ مَرّاتٍ.

عذاب يوم القيامة

صِفة النار يوم القيامة

يظنّ البعض أنّه قادرٌ على تخيُّل نار يوم القيامة؛ اعتماداً على مقارنتها بنار الحياة الدُّنيا، وحَرّها، إلّا أنّ ذلك تَشوبه الكثير من الأخطاء، فنار الحياة الدُّنيا ليست إلّا جزءاً بسيطاً من نار جهنّم؛ قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (نَارُكُمْ جُزْءٌ مِن سَبْعِينَ جُزْءًا مِن نَارِ جَهَنَّمَ، قيلَ يا رَسولَ اللَّهِ إنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً قالَ: فُضِّلَتْ عليهنَّ بتِسْعَةٍ وسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا)،[٢] كما أنّ حَرّ الحياة الدُّنيا ما هو إلّا نَفَسٌ من أنفاس نار جهنّم؛ فقد أخرج البخاريّ عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (اشْتَكَتِ النَّارُ إلى رَبِّهَا فَقالَتْ: رَبِّ أكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فأذِنَ لَهَا بنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ في الشِّتَاءِ ونَفَسٍ في الصَّيْفِ، فأشَدُّ ما تَجِدُونَ مِنَ الحَرِّ، وأَشَدُّ ما تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ)،[٣] ونار جهنّم هي التي وعد الله أهلها بالعقاب فيها، فهي ذلٌّ ومهانة وندامة وحسرة؛ قال -جلّ وعلا-: (يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ*وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ*وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ*وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ).[٤][٥]

أمّا في ما يتعلّق بطعام أهل النار يوم القيامة فهو كريهٌ شديد المرارة والنتانة والخُبْث، لا يسدّ الجوع، ولا يُفيد الجسم؛ قال الله -تعالى- في ذلك: (لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍ*لَّا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِن جُوعٍ)،[٦] ومنه شجرة الزقّوم النَّتنة والخبيثة في طعمها ورائحتها، والتي تَنبت في نار جهنّم، وتُسقى من صديد أهل النار، فيكون طعمها عظيم الحرارة في البطون؛ قال -تعالى-: (إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ*طَعَامُ الْأَثِيمِ*كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ*كَغَلْيِ الْحَمِيمِ)،[٧] ولا يختلف شراب أهل النار كثيراً عن طعامهم في صفاته؛ فهو شرابٌ شديد الحرارة له طعمٌ كريهٌ ونَتِن، وهو ذو رائحة خبيثة، غليظٌ أسود يجمع بين الدَّم والقَيْح؛ قال -تعالى-: (وَاستَفتَحوا وَخابَ كُلُّ جَبّارٍ عَنيدٍ*مِن وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسقى مِن ماءٍ صَديدٍ*يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسيغُهُ وَيَأتيهِ المَوتُ مِن كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرائِهِ عَذابٌ غَليظٌ)،[٨] كما تكون ثيابهم من القطران؛ وهو النُّحاس المُذاب شديد الحرارة، أمّا فراشهم وأغطيتهم فهي من النار؛ قال -تعالى-: (لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّـهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ).[٩][١٠]

أنواع العذاب يوم القيامة

جعَل الله -جلّ وعلا- في نار جهنّم أنواعاً وأصنافاً من العذاب الذي أعدّه لأهلها، وأشدّ هذه الذنوب الشِّرك بالله -عزّ وجلّ-، والنِّفاق؛ فالله ليس غافلاً عن عباده، وهو العالم بكلّ شيءٍ من قولٍ، أو فعلٍ، أو غيرهما، وهو العالم أيضاً بما في النَّفْس؛ فقد قال: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ)،[١١] ولا شكّ في أنّ العبد خاضعٌ لرقابةٍ دائمةٍ في كلّ شيءٍ، ويوم القيامة يكشف الله الأمور، ويُعرَض الجميع على الخالق رَبّ العالمين، ويصير أهل النّار إلى العذاب الذي وُعِدوا به، ومن أصنافه ما يأتي:[١٢]

  • السَّحب على الوجوه في نار جهنّم؛ إذ قال -تعالى-: (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ*يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ).[١٣]
  • حَشْر أهل النار وهم عُمْيٌ وبُكْمٌ وصُمٌّ على وجوههم إلى نار جهنَّم؛ إذ قال -تعالى-: (وَنَحشُرُهُم يَومَ القِيامَةِ عَلى وُجوهِهِم عُميًا وَبُكمًا وَصُمًّا مَأواهُم جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَت زِدناهُم سَعيرًا).[١٤]
  • تقليب الوجوه في النار؛ فقد قال -تعالى-: (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّـهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا).[١٥]
  • انصهار أهل النار في جهنّم؛ قال -تعالى-: (فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ*يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ).[١٦]
  • حَشر أهل النار في مكانٍ ضَيّقٍ في نار جهنّم؛ قال -تعالى-: (وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا*إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا*وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُّقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا*لَّا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا).[١٧]
  • التردّي من الجبال؛ وذلك بالصعود إلى الأعلى، ثمّ السقوط في نار جهنّم؛ قال -تعالى-: (سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا).[١٨]
  • جَرّ الأمعاء؛ وذلك للحديث الوارد عن أسامة بن زيد -رضي الله عنه-؛ إذ قال: (سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: يُؤْتَى بالرَّجُلِ يَومَ القِيَامَةِ، فيُلْقَى في النَّارِ، فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ، فَيَدُورُ بهَا كما يَدُورُ الحِمَارُ بالرَّحَى، فَيَجْتَمِعُ إلَيْهِ أَهْلُ النَّارِ، فيَقولونَ: يا فُلَانُ ما لَكَ؟ أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُ بالمَعروفِ، وَتَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ؟ فيَقولُ: بَلَى، قدْ كُنْتُ آمُرُ بالمَعروفِ وَلَا آتِيهِ، وَأَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ وَآتِيهِ).[١٩]

أسباب العذاب يوم القيامة

أنعمَ الله -تعالى- على عباده بالدِّين الذي يُؤمّن المنافع لهم؛ سواء في الحياة الدُّنيا أو في الحياة الآخرة، ولا شكّ في أنّ إتيان الطاعات لا ينفع الله -تعالى-، ولا يضرّه -جلّ في عُلاه- ارتكاب المعاصي؛ فهو مالك المُلك الغنيّ العظيم؛ قال -تعالى-: (وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّـهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)،[٢٠] إلّا أنّ سعادة الإنسان في الدُّنيا والآخرة مُرتبطةٌ بإيمانه بالله -عزّ وجلّ-، والعمل بشَرْعه الذي أرسلَ من أجله الرُّسل مُبشِّرين ومُنذِرين، وأنزلَ الكُتُب؛ فتحقيق العبوديّة والإيمان بالوحدانيّة يكون بامتثال أوامر الله -تعالى-، والبُعد عمّا نهى عنه، فمَن التزم بذلك فقد فاز في الحياة الدُّنيا وفي الآخرة، أمّا مَن لم يلتزم فوعيده خُسرانٌ في الدُّنيا، وفي الآخرة،[٢١] والخُسران في الآخرة يتمثّل بنار جَهنَّم التي يصلاها؛ لتكذيبه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بما جاء به من توحيدٍ لله -عزّ وجلّ-، بالإضافة إلى عدم طاعته لله ورسوله، وارتكاب المعاصي؛ قال -تعالى-: (فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى*وَلَـكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى)،[٢٢][٢٣] وقد أوضح الله -تعالى- في كتابه الحكيم العديد من المعاصي التي تُلقي صاحبَها إلى التَّهْلُكة، ومن أبرز تلك المَعاصي:[٢٤]

  • الشِّرك بالله -تعالى-.
  • عدم الالتزام بضوابط شَرْع الله، وتكاليفه.
  • طاعة أهل الضلال في نَهجهم.
  • النِّفاق الذي يكون صاحبه في الدَّرْك الأسفل من النار بسببه.
  • الكِبْر؛ وهو من الصفات العامّة لأهل النار.

كيفيّة النجاة من العذاب يوم القيامة

تتعدّد أسباب النجاة من العذاب يوم القيامة، وهي ترتبط بالإيمان بالله -تعالى-، والحرص على العمل الصالح، وحُبّ الله -تعالى-، والصيام، بالإضافة إلى مخافته -عزّ وجلّ-، كما أنّ النجاة من النار تكون بالاستجارة برَبّ النار منها،[٢٥] وعلى ذلك فإنّ أسباب النجاة من نار جهنّم كثيرةٌ وعديدةٌ تتلخّص فيما يأتي:[٢٦]

  • الإيمان بالله -تعالى- وتوحيده، وذلك من أعظم أسباب النجاة؛ فشهادة ألّا إله إلّا الله وأنّ محمّداً رسول الله وسامٌ كبيرٌ لِمَن آمنَ بهما في الحياة الدُّنيا ويوم القيامة.
  • تقوى الله -تعالى-، والإيمان به، وطاعته في ما أمرَ به، واجتناب ما نهى عنه.
  • حُبّ الناس في الله -تعالى-، بالإضافة إلى صِلَة الرَّحِم.
  • سلامة القلب من الشِّرك والشكّ.

المراجع

  1. يوسف فوزي عودة عبد العال (2013)، لفظ العذاب ومشتقاته في القرآن الكريم دراسة لغوية، غزة: الجامعة الإسلامية، صفحة 9-11. بتصرّف.
  2. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 3265، صحيح.
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 3260، صحيح.
  4. سورة المعارج، آية: 11-14.
  5. “صفة النار من الكتاب والسنة”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 23-6-2020. بتصرّف.
  6. سورة الغاشية، آية: 6-7.
  7. سورة الدخان، آية: 43-46.
  8. سورة إبراهيم، آية: 15-17.
  9. سورة الزمر، آية: 16.
  10. محمد بن إبراهيم التويجري، موسوعة فقه القلوب، السعودية: بيت الأفكار الدولية، صفحة 3595-3598، جزء 4. بتصرّف.
  11. سورة ق، آية: 16.
  12. ماهر أحمد الصوفي (2010)، النار أهوالها وعذابها، بيروت: المكتبة العصرية، صفحة 232-241. بتصرّف.
  13. سورة القمر، آية: 47-48.
  14. سورة الإسراء، آية: 97.
  15. سورة الأحزاب، آية: 66.
  16. سورة الحج، آية: 19-20.
  17. سورة الفرقان، آية: 11-14.
  18. سورة المدثر، آية: 17.
  19. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أسامة بن زيد، الصفحة أو الرقم: 2989، صحيح.
  20. سورة العنكبوت، آية: 6.
  21. “أسباب سقوط العذاب في الآخرة”، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 23-6-2020. بتصرّف.
  22. سورة القيامة، آية: 31-32.
  23. محمد نصر الدين محمد عويضة، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 23، جزء 3. بتصرّف.
  24. عمر سليمان الأشقر (1998)، اليوم الآخر الجنة والنار (الطبعة السابعة)، الأردن: النفائس، صفحة 53-57. بتصرّف.
  25. عمر سليمان الأشقر (1998)، الجنة والنار (الطبعة السابعة)، الأردن: النفائس، صفحة 111-113. بتصرّف.
  26. مراد سلامة (27-1-2016)، “سبل السلامة من أهوال يوم القيامة”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 23-6-2020. بتصرّف.