كيف اصلح نفسي مع الله
علاقة الإنسان بالله
يحرص الكثير من الناس على إقامة العلاقات والصداقات مع الآخرين، وهي فطرةٌ في الإنسان لا يمكنه التخلّي عنها، فكما قيل: الإنسان مدنيّ بالطبع، فلا بد للإنسان أن يألف الناس ويألفوه، لكنّ الأصل في إقامة العلاقة أن يقيم الإنسان علاقته مع الله، ففي هذه العلاقة يكون الفوز والفلاح والسعادة، كما لا يمكن أن تصلح العلاقة مع الآخرين إلّا إن كانت صالحة مع الله عزّ وجلّ، ويأتي ذلك جليّاً فيما كتبته أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- لمعاوية بن أبي سفيان حين طلب منها أن توصيه، فكتبت له أنها سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: (منِ التمسَ رضا اللَّهِ بسَخطِ النَّاسِ كفاهُ اللَّهُ مؤنةَ النَّاسِ، ومنِ التمسَ رضا النَّاسِ بسخطِ اللَّهِ وَكلَهُ اللَّهُ إلى النَّاسِ)،[١] فتجد بعض الناس مَن إذا ذُكر أثنى عليه الناس، وإذا جاء أقبلوا عليه، وقد يكون السبب الرئيس لذلك هو علاقته مع الله، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ اللهَ، إذا أحبَّ عبدًا، دعا جبريلَ فقال: إنِّي أحبُّ فلانًا فأحِبَّه، قال فيُحبُّه جبريلُ، ثمَّ يُنادي في السَّماءِ فيقولُ: إنَّ اللهَ يُحبُّ فلانًا فأحِبُّوه، فيُحبُّه أهلُ السَّماءِ، قال ثمَّ يُوضعُ له القَبولُ في الأرضِ)،[٢] ومن آثار إصلاح العلاقة مع الله تيسير الأمور وإجابة الدعوات، فالفرق كل الفرق بين من تكون علاقته طيبة وحسنة مع الناس، وحين يحتاج أمراً يطلب منهم، وينسى من بيده كل شيء، فالعبد إن أصلح سريرته تولّى الله بإصلاح علانيته، وإن أصلح علاقته مع الله أصلح الله له علاقته مع الناس.[٣]
طرق صلاح النفس
يحتاج صلاح النفس إلى الكثير من المثابرة والمجاهدة، وفيه الحرص على الصدق والإخلاص، كما يحتاج إلى معونة الله تعالى؛ حيث إنّ الزمان مليءٌ بالفتن التي لا يسلم منها أحد، وهناك بعض الأمور التي إن حرص عليها المسلم وصل إلى صلاح نفسه ونجاها من الهلاك، وفيما يأتي بيان لبعض طرق إصلاح النفس بشكلٍ مفصّل:[٤]
- الصحبة؛ وهي من أهم الأمور التي تؤثر في النفس صلاحاً أو فساداً؛ حيث إنّ المرء على دين خليله، وهي التي تشكل شخصيّة الإنسان، ومنها يأخذ الفهم والفكر والسلوك، فعلى المرء أن يحرص عند اختيار صحبته، لأنّها إن كانت صالحة ففيها صلاحه، وإن كانت فاسدة ففيها فساده.
- الاستفادة من الوقت؛ فالوقت هو التجارة الرابحة التي يتاجر بها المسلم مع الله، فإن ضيع الإنسان وقته فقد ضيع عمره، كمن يضيع وقته فيما لا فائدة منه أمام وسائل التواصل وغيرها، كما يجب على المسلم أن يحذر من التسويف ويعلم أن عذاب أهل النار من كلمة سوف.
- العلم؛ فهو أشرف ما يمكن أن ينتسب إليه صاحبه، وقد شرّف الله العلماء ورفع مكانتهم، فقال: (يَرْفَعِ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)،[٥] ومن فضل الله عليهم أن الحيتان في البحار تستغفر لمعلمي الناس الخير، فجُلّ ما يطاع الله -تعالى- به هو العلم، وليس ذلك مقصوراً على العلوم الشرعية وإنّما هو بجميع العلوم والمجالات.
- الزيادة من النوافل؛ فيجعل الإنسان من وقته حيزاً للطاعة، ويعوّد نفسه على كثرة الذكر، فإنّ النفس إذا تعوّدت على الطاعة نفرت من المعصية، قال رسول الله: (وما يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافلِ حتَّى أُحبَّه، فإذا أحببتُه: كنتُ سمعَه الَّذي يسمَعُ به، وبصرَه الَّذي يُبصِرُ به، ويدَه الَّتي يبطِشُ بها، ورِجلَه الَّتي يمشي بها، وإن سألني لأُعطينَّه، ولئن استعاذني لأُعيذنَّه)،[٦] فمن أراد الصلاح والاستقامة فليسلك طريق الله، وهو في معيّته وعونه.
الآثار النفسية لتقوية الصلة بالله
تُعدّ النفس مصدر السلوك عند الإنسان، وذلك بحسب ما يُملى عليها من الأوامر والعواطف، وعليه فإنّ الإسلام اعتنى بالنفس اعتناءً خاصاً، وإنّ الصلة بالله عزّ جلّ تؤثر مباشرة في النفس الإنسانية، ممّا يؤدي إلى تصحيح العقيدة الإسلامية، وربط المسلم مباشرة بالله من خلال الإكثار من ذكر الله فتطمئن نفسه، قال تعالى: (أَلا بِذِكرِ اللَّـهِ تَطمَئِنُّ القُلوبُ)،[٧] وحين تطمئن النفس يصبح الإنسان قادراً على التحكم في انفعالاته، فالإنسان في طبعه إن أصابه المكروه والعسر كان جازعاً، وإن أصابه اليسر والسرور كان مانعاً ممسكاً، إلّا المصلين الذين يحافظون على أداء الصلوات في أوقاتها، والمؤدون حق الله في أموالهم التي يملكونها، وهو ما يُعرف بالزكاة، فلا يُقصّرون فيها، ولا يتهرّبون منها، كما يؤمنون بيوم الحساب ويستعدون له بالإكثار من الأعمال الصالحة، ويحافظون على فروجهم من كلّ ما يكون عليهم محرماً، كما قال تعالى: (إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ).[٨][٩]
ويجدر الذكر أنّ الإنسان مخلوقٌ جُبِل على الخوف الشديد في كلّ حالاته، سواءً كان في الشدة أم في الرخاء، وأشدّ حالاته خوفاً لحظة زوال النعمة عنه، فلا يستطيع أن يتمالك نفسه، مع ما يلازمه من قلة الصبر على الشدة، وهذه الصورة التي وصف الله تعالى الإنسان عليها حين يكون قلبه فارغاً من الإيمان، بعيداً عن خالقه، لا يتبع منهجه، ولا يستعين بذكره وعبادته، ويبقى على هذا الحال طالما كان بعيداً عن ربه بتقصيره في صلواته وعدم التحلّي بالفضائل والأخلاق الإيمانية من الإيمان باليوم الآخر وأداء حق الله للسائل والمحتاج، وحفظ الفرج، والوفاء بالعهود والأمانات، والقيام بالشهادة، والمحافظة على الصلاة، وهذه الأخلاق الواردة في قوله تعالى: (الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ…..).[١٠][٩]
المراجع
- ↑ رواه الألباني ، في صحيح الترمذي، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 2414 ، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2637، صحيح.
- ↑ فهد الصالح (21-10-2017)، “العلاقة مع الله”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 29-12-2018. بتصرّف.
- ↑ بيومي إسماعيل (16-2-2010)، “أريد أن أصلح نفسي.. ولكن!”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 29-12-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة المجادلة، آية: 11.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 6502، صحيح.
- ↑ سورة الرعد، آية: 28.
- ↑ سورة المعارج، آية: 19-22.
- ^ أ ب سمير الأبارة (7-11-2015)، “تقوية الصلة بالله تعالى وآثارها النفسية”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 29-12-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة المعارج، آية: 23-33.