من أول من خط بالقلم

إدريس -عليه الصلاة والسلام-

أسهم أنبياء الله تعالى في تطور الإنسانية، فلم تقتصر أعمالهم على الدعوة إلى التوحيد، بل استطاعوا المآخاة بين هذه الدعوة والدعوة إلى عمارة الأرض، فالأفكار التي كانت تحلق في فضاءاتهم العقلية السامية كانوا يسبقون بها زمانهم، بل وحتى زماننا هذا، فهم شخصيات نادرة، لن تتكرّر أبداً.

إدريس -عليه السلام- نبي كريم عظيم، يرجع نسبه إلى شيث بن آدم -عليهما السلام-، فهو إدريس بن يارد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث، ويُسمّى في التوراة بخنوخ، أو أخنوخ كما في الترجمة العربية، وقد ذكر الله تعالى في كتابه الأعز مكانة هذا النبي الصِدِّيق، قال تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا، ورَفَعناه مكاناً عليَّاً). وفيما يلي بعض التفاصيل عن هذا النبي العظيم.

أول من خط بالقلم

تميز نبي الله إدريس -عليه السلام- بالعديد من الفضائل والمزايا، منها أنه أول من أعطاه الله تعالى النبوّة بعد كلٍّ من آدم وشيث -عليهما السلام-، وهو أول من خط بالقلم من بني آدم حسبما أورده ابن إسحاق -رحمه الله-، حيث ذهب كثيرون إلى أنّ إدريس هو النبي الذي أشار إليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الشريف: (إنه كان نبي يخط فمن وافق خطه فذاك). وقد أدرك إدريس -عليه السلام- ما يزيد على ثلاثمئة عام من حياة نبي الله آدم -عليه السلام- حسبما جاء به ابن إسحاق أيضاً -رحمه الله-.

دعا إدريس -عليه السلام- إلى توحيد الله -عزَّ وجل-، شأنه بذلك شأن باقي إخوانه من أنبياء الله ورسله الكرام، كما دعا إلى انتهاج النهج الحسن والقويم الذي يرتضيه الله تعالى، وإلى الإكثار من الأعمال الصالحة التي تخلص الإنسان من العذاب برحمة الله وفضله يوم القيامة. ومما تميّزت به دعوة إدريس -عليه السلام- أنّه أمر بتقريب عدة أشياء منها: الذبائح، والبخور، كما وعد إدريس -عليه السلام- بالأنبياء الذين سيتبعونه، والذين سيحملون رسالة الله تعالى ويبثّونها في مختلف الأصقاع.

لُقّب نبي الله إدريس -عليه السلام- بهرمس الهرامسة، وقد أوردت بعض المراجع بعضاً من صفاته الشكلية، منها أنه كان حسن الوجه، عريض المنكبين، قليل اللحم، ضخم العظام، أكحل العينين، إذا غضب احتد، وإذا مشى نظر إلى الأرض، وكان -عليه السلام- قليل الكلام، كثير الصمت، شأنه في ذلك شأن باقي الأنبياء، فبعض الأشخاص يخطؤون حينما يظنون أنّ رسل الله وأنبياءه كانوا كثيري الكلام، فالأنبياء إجمالاً لم يكونوا يتحدثون سوى قليلاً جداً، غير أنهم إن تحدثوا أوصلوا أفكارهم بعبارات قصيرة، فخمة، معبرة، بليغة.