كيف تحسن الظن بالله

حسن الظن بالله

إن حسن الظن بالله سبحانه وتعالى عبادة قلبية بحتة، أي أنه ليس لها طريقة لأدائها كالصلاة والصيام وغيرهما من العبادات، ولكن هذا لا يعني بأن حسن الظن بالله يكون بلا عمل، فهذا ظنٌّ خاطيء تماماً، حيث يجب أن يقترن حسن الظن بالله جلَّ وعلا؛ بالأعمال التي يحبها الله. حسن الظن بحدِّ ذاته ليس له طريقة أداء، وإنما – كما ذكرنا – هي عبادة قلبية، ولكن يجب على العبد الذي يُحسن الظن بالله سبحانه وتعالى أن يقرن هذا الحُسن بالظن مع الأعمال والواجبات المطلوبة في شتى العِبادات والعادات والأخلاق التي يجب أن يتحلى بها؛ فكيف يكون مُحسِناً الظن بالله سبحانه وهو مبتعدٌ عنه. وقد عرَّف بعض العلماء حسن الظن بالله على أنه اعتقاد ما يليق بالله تعالى من أسماء وصفات وأفعال؛ واعتقاد ما تقتضيه من آثار جليلة، فإحسان الظن بالله يكون بالإيمان المُطلق بالله سبحانه وتعالى وأسمائه وصِفاته؛ وقدرته المُطلقة على كال شيء.

أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي

قال تعالى في الحديث القدسي (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي)، في هذا الحديث الشريف لم يقُل سبحانه أنا عند حُسن ظن عبدي بي، بل إن الله عند ظن عبده به، فإن كان ظنه بربه حسناً فسيُلاقي حسناً، وإن كان ظنه بربه سوءاً؛ فسيُلاقي سوءاً، ليس أن الله جلَّ وعلا يأتيك بالسيء – حاشا لله – بل لأن الإنسان الذي يظُنُّ بالله السوء؛ لن يجدَ شيئاً جيداً في كل ما يُعطيه إياه المولى عزَّ وجلَّ. فعلى سبيل المثال؛ شخصٌ عاطِلٌ عن العمل ولديه من الخبرات والمهارات الشيء الكثير، وتعيَّن هذا الشخصٌ في وظيفة براتبٍ متوسط؛ أقل من قدراته وإمكانياته، فإذا كان هذا الشخص ممن يُحسنون الظن بالله؛ فإنه سيجد بأن هذه الوظيفة هي رزقٌ من الله سبحانه وتعالى، وهو أمرٌ أعطاه إياه ربه بغير حولٍ منه ولا قوة. أما إذا كان مُسيئاً الظن بالله؛ فسيرى بأن هذه الوظيفة أقل من قدراته، وأن الله أعطاه إياها انتقاصاً من قدره – تعالى الله عن ذلك – وعِقاباً له. في الحالة الأولى؛ سنجد بأن الشخص الذي يُحسن الظن بالله سيقوم بأداء وظيفته على أكمل وجه، وسيضع فيها مجهوداً وخبرات أعلى بكثير من الراتب الذي يتقاضاه، وهذا ما سيأتي عليه بالنفع الكبير في مسيرته المهنية. أما الشخص الآخر؛ فإنه لن يؤدي ما هو مطلوبٌ منه لأنه أعلى وصاحب خبرات أكبر من مثل هذه الوظيفة، فهو يريد وظيفةً أعلى منها؛ وإنما هو مجبرٌ على هذا الوضع في الوقت الراهن، فهذا الشخص لن يتقدَّم في مسيرته المهنية؛ بل وقد تأتي عليه انتقادات وشكاوى لتقصيره في عمله؛ مما قد يؤدي في النهاية إلى أن يخسره.

الإيمان المطلق بالله وبأسمائه الحُسنى وصِفاته وقدرته

إن بداية حسن الظن باله تعالى تكون في الإيمان المطلق به وبأسمائه الحُسنى وصِفاته وقدرته، وأسماء الله الحُسنى لها الكثير من المعاني الجليلة التي لن يعرفها العبد إلا بالبحث والتقصِّي وكثرة القراءة ليعرفها معرفتها حق معرفتها، فتدعو الله بالاسم الذي تريد في الوقت الذي تريد. الإيمان المُطلق بقضاء الله وقدره، وأن كل ما يُصيب الإنسان هو بإرادة الله سبحانه؛ ويجب عدم سخط المخلوق على قضاء الخالق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (واعلم أنَّ ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك)، فما يُصيبك هو لك ومن نصيبك، وإيمانك بهذا يأتيك بالخير الكثير كم أخبرنا نبينا عليه الصلاة والسلام حين قال (عجبًا لأمر المؤمن إنَّ أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سرَّاء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرَّاء صبر فكان خيرًا له)، فهو مؤمن بالله وبقضائه وقدره، يفرح للسرَّاء ويصبر على الضراء، والله يُجازيه بالخير في كلتا الحالتين. ويجب علينا هُنا أن نفرِّق بين الرضا بالقدر والسخط على المقدور، فالرضا بالقدر من أركان الإيمان، وهو واجبٌ على كل امرءٍ مسلم، أما الرضا بالمقدور فهو غير مستحب، بل يجب السخط عليه. ولتوضيح هذا الأمر؛ فإن المرض إن أصاب إنساناً فهو قضاء وقدر والرضا به واجب، ولكن الله سبحانه لا يرضى بأن يبقى العبد مريضاً، بل يجب عليه أن يبحث عن العلاج ويذهب إلى الطبيب ليأخذ الدواء الذي يُخرجه من سقمه، وهذا ما يُسمى بالسخط على المقدور، فارضَ بقضاء الله؛ ولكن إن كنتَ تستطيع أن تُغيِّر إلى الأحسن فليكن.

التحلي بالمعنويات العالية والتفاؤل

التحلي بالمعنويات العالية والتفاؤل من سُبُل حسن الظن بالله، فالمؤمن يعرف جيداً بأن كل عُسرٍ بعده يُسره كما وعد الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم في قوله (إن مع العُسرِ يُسراً إن مع العُسرِ يُسراً)، فالمؤمن يعلم علمَ اليقين بأن هذا الضيق سينفرج، وبأن الهم سيزول، وأن رحمة ربه واسعة لا يقفُ شيئاً في طريقها؛ وأنا أبوابه جلَّ وعلا لا تُغلقُ في وجه عِباده، فلا يترك أمله بالله ولا يدخل اليأس إلى قلبه، فاليأس يزيد الأمر سوءاً، فيكبر الهم ويضيق الصدر، ويكفي بأن الله سبحانه أخبرنا أن اليأس من صِفات الكافرين في قوله تعالى (إنَّه لا ييأس من رَوح الله إلاَّ القوم الكافرون)، فالمؤمن لا ييأس من الله ولا يأتي في باله أن الله تخلى عنه، بل إنه يعتقد تماماً بأنه في اختبار؛ وأن نتيجة هذا الإختبار إلى إحدى نتيجتين يكون هو الفائز في كلتا الحالتين، إما إلى الفرج؛ أو أجراً كبيراً يكون له يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون.

التوكل على الله

التوكل على الله من أمور حسن الظن بالله، فالإنسان يفعل ما يستطيع أو يقدر عليه، ولكن هناك أموراً تكون خارج قدرته وتخرج عن سيطرته؛ فيتركها لله الواحد القهَّار، من الأمثلة على ذلك أطفال الأنابيب، فهذه طريقة علمية لحل مشكلة العقم عند الأزواج، فيقوم الزوجين بأداء من عليهما من فحوصات وتجهيزات وأخذ أدوية ومنشطات؛ حتى تتم عملية تخصيب البويضة في الأنبوب، ثم يقوم الطباء بإعادة تلك الأجنة إلى رحم المرأة. حتى هذه اللحظة؛ قام الزوجان بأداء دورهما في هذه العملية، ولكن إتمامها وتكليلها بالنجاح يكون بحصول الحمل وثباته، وهذا أمرٌ ليس للعبد سيطرة عليه، فهو بيد الله سبحانه وتعالى، والزوجين في هذه الحالة قاما بعمل دورهما وتركا الباقي لمشيئة المولى جلَّ في عُلاه، وليس أنهما تركا الأمر على ما هو عليه؛ وقالا إنها من عند الله، فالتوكُّل يكون مع السعي وليس التَّخلي.

أداء الفروض

إن من حسن الظن بالله أداء فروضه وإطاعة أوامر واجتناب نواهيه، فليس من حسن الظن بالله أن يُقدم الإنسان على السرقة ويدعو الله ألا يتم التعرُّف عليه؛ ويكون محسِناً الظن بالله بأنه سيُفلتُ بما سرق، فهذا من إساءة الأدب مع الله سبحانه. يجب على المؤمن الذي يؤمن بالله أن يؤدي فروضه في مواعيدها، ويؤدي حقوق الناس ولا يأكلها بالباطل، يكون طيب الخُلق حسن المعشر وذو أخلاقٍ عالية، يكون مِثالاً يُحتذى به. أما ما عدا ذلك فمن الرياء وليست في إحسان الظن بالله في شيء، فالله جميلٌ يُحب الجمال، والله طيبٌ لا يقبل إلا طيباً، كن جميلاً وطيباً ليكون إحسان ظنك بالله في محله.