قل للسحاب إذا حدته الشمأل – الشاعر البحتري
قُلْ للسّحابِ، إذا حَدَتْهُ الشّمألُ،
وسَرَى بلَيْلٍ رَكْبُهُ المُتَحَمِّلُ
عَرّجْ عَلى حَلَبٍ، فَحَيِّ مَحَلّةً
مأنُوسَةً فيها لِعَلْوَةَ مَنْزِلُ
لغُرَيْرَةٍ، أدْنُو وَتَبْعَدُ في الهَوَى،
وأجُودُ بالوُدّ المَصُونِ، وَتَبْخُلُ
وَعَلِيلَةِ الألحَاظِ، نَاعِمَةِ الصّبَا،
غُرِيَ الوُشَاةَ بِهَا، وَلَجّ العُذّلُ
لا تَكذِبِنّ، فأنتِ ألطَفُ في الحَشا
عَهْداً، وأحْسَنُ في الضّمِيرِ وأجملُ
لوْ شِئتِ عُدْتِ إلى التّناصُبِ في الهَوَى،
وَبَذَلْتِ مِنْ مَكْنُونِهِ ما أبْذُلُ
أحْنُو عَلَيكِ، وفي فؤادي لَوْعَةٌ،
وأصُدّ عَنكِ، وَوَجهُ وِدّي مُقبِلُ
وإذا هَمَمْتُ بوَصْلِ غَيرِكِ رَدّني
وَلَهٌ إلَيكِ، وَشَافِعٌ لكِ أوّلُ
وأعِزُّ ثُمّ أذِلُّ ذِلّةَ عَاشِقٍ،
والحُبّ فِيهِ تَعَزّزُ وَتَذَلّلُ
إنّ الرّعِيّةَ لَمْ تَزَلْ في سِيرَةٍ
عُمَرِيّةٍ، مُذْ سَاسَها المُتَوَكّلُ
ألله آثَرَ بالخِلاَفَةِ جَعْفَرَاً،
وَرَآهُ نَاصِرَهَا الذي لا يُخْذَلُ
هيَ أفضَلُ الرُّتَبِ، التي جُعِلَتْ لَهُ
دُونَ البَرِيّةِ، وَهوَ مِنْهَا أفضَلُ
مَلِكٌ، إذا عَاذَ المُسِىءُ بِعَفْوِهِ،
غَفَرَ الإسَاءَةَ، قَادِراً لا يَعْجَلُ
وَعَفَا كَمَا يَعْفُو السّحابُ، ورَعْدُهُ
قَصْفٌ، وَبَارِقُهُ حَرِيقٌ مُشْعَلُ
يَتَقَبّلُ العَبّاسُ عَمَّ مُحَمَّدٍ،
وَوَصِيَّهُ، فِيمَا يَقُولُ وَيَفْعَلُ
شَرَفٌ خُصِصْتَ بِهِ، وَمَجْدٌ باذخٌ،
مُتَمَكّنٌ فَوْقَ النّجُومِ، مُؤثَّلُ
فَهَل الرُّوَافِضُ نَاقِِصُوكَ قُلاَمَةً
إِنْ غَيَّرُوا بِضَلالِهِمْ أَو بَدَّلُوا
لَنْ يَسْتَطِيعُوا نَقْلَ حَظِّكَ بَعْدَ ما
أَرْسَى بهِ قُدْسٌ وخَيَّمَ يَذْبُلُ
لا يَعْدَمَنْكَ المُسْلِمُونَ، فإنّهُمْ
في ظِلّ مُلْكِكٍ أدْرَكُوا ما أمّلوا
حَصّنتَ بَيضَتَهُمْ، وَحُطتَ حَرِيمَهُم،
وَحَمَلتَ من أعبَائِهِمْ ما استَثْقَلُوا
فَادَيْتَ بالأسرَى، وَقَدْ غَلِقُوا، فَلاَ
مَنٌّ يُنَالُ، وَلاَ فِداءٌ يُقْبَلُ
وَرَأيتَ وَفْدَ الرُّومِ، بَعْدَ عِنَادِهِمْ،
عَرَفُوا فَضَائِلَكَ، التي لا تُجهَلُ
نَظَرُوا إلَيْكَ، فَقَدّسوا، وَلَوَ أنّهُم
نَطَقُوا الفَصِيحَ لَكَبّرُوا وَلَهَلّلُوا
لحَظُوكَ أوّلَ لحظَةٍ، فاستَصْغَرُوا
مَنْ كَانَ يُعظَمُ فيهِمِ، وَيُبَجَّلُ
أحضَرْتَهُمْ حِججاً لوِ اجتُلِبَتْ بها
عُصْمُ الجِبَالِ، لأقْبَلَتْ تَتَنَزّلُ
وَرَأوْكَ وَضّاحَ الجَبينِ، كَمَا يُرَى
قَمَرُ السّمَاءِ التَّمِّ، لَيلَةَ يكمُلُ
حَضَرُوا السِّماطَ فكُلّما رَامُوا القِرَى
مَالَتْ بِأيْديهِمْ عُقُولٌ ذُهَّلُ
تَهْوِي أكُفُّهُمُ إلى أفْوَاهِهِمْ،
فتََجُورُ عَن قَصْدِ السّبيلِ، وَتَعْدِلُ
مُتَحَيِّرُونَ، فَباهِتٌ مُتَعَجّبٌ،
مِمّا يَرىَ، أوْ نَاظِرٌ مُتَأمّلُ
وَيَوَدُّ قَوْمُهُمُ الأولى بَعَثُوا بهمْ
لَوْ ضَمّهُمْ بالأمْسِ ذاكَ المَحْفِلُ
قَدْ نَافَسَ الغِيبَ الحُضُورُ على الذي
شَهدوا، وَقَد حَسَدَ الرّسولَ المُرسِلُ
عَجَّلْتَ رِفْدَهُمُ ،وأَفْضَلُ نَائِلٍ
حُبِيَ الوُفودُ بهِ الهَنِيءُ الأَعْجَلُ
فَالله أسْألُ أنْ تُعَمِّرَ صَالِحاً،
وَدَوَامُ عُمْرِكَ خَيْرُ شيءٍ يُسألُ