تأثير الألوان على نفسية الإنسان

الألوان

تظهر أهميّة الألوان في حياة الإنسان في جميع الجوانب والمجالات الحياتيّة المُختلفة كالأدب، والفن، والعلوم الاجتماعية والنفسية، والماديّة، والمعنوية، وغيرها، ويختلف تعريف الألوان باختلاف المجال الذي يتمّ استعمالها فيه، فالفنّانون التشكيليون والرسّامون والعاملون في مجالات الأصباغ والطباعة عرفوا الألوان على أنّها الأحبار والمُكوّنات الصبغية التي تُستعمل في عمليّة إنتاجها، أمّا عُلماء الطبيعة فعرّفوها على أنّها الأشعّة الملوّنة التي تنتج عن عمليّة تحليل الضوء عند استقباله في شبكيّة العين، أي إنّها الأثر الفسيولوجي الذي ينتج عن وجود المادّة الصبغية الملوّنة أو الأشعة والأضواء المُختلفة التي تستقبلها العين وعمليّة مُعالجتها، وتُحلّلها في مراكز الإبصار بالدّماغ عن طريق الجهاز العصبي.[١][٢]

الألوان ودورها النفسي

استخدم الإنسان منذ العصور القديمة الألوان التي كانت تُستخرج من مُستَخلص بعض النباتات في الأعمال الفنية، والتشكيليّة، والآثار، والمباني التي كانت بدورها تُصوّر الحياة الداخليّة والنفسية للإنسان، وتُعبّر عن مشاعره وقيمه وانتماءاته ومُيوله، ممّا جعل الألوان تكتسب دلالاتٍ رمزيّة من الحياة والموت والسعادة والرّحمة والقسوة وغيرها، أمّا في العصر الحالي فقد أثبتت كثيرٌ من الدراسات الحديثة أنّ الألوان تمتلك التأثير الكبير على الخلايا الإنسانيّة؛ حيث إنّ لكلّ لونٍ موجة ضوئيّة خاصّة لها طولٌ مُعيّن يختلف من لونٍ إلى آخر، ولكلّ موجة أثرها الذي يظهر على الجهاز العصبي والحالة النفسية، فالأثر الإيجابي أو السّلبي يعود إلى الكثير من الأسباب منها فسيولوجيّة نفسية، أو البيئيّة الجغرافية والاجتماعيّة، بالإضافة إلى الاختلاف في الأذواق بين الأفراد.[١][٢]

سيكولوجية الألوان

أثبتت الدراسات النفسيّة لعُلماء النفس أنّ الألوان ليست مُجرّد موجات واهتزازات ضوئيّة فحسب؛ بل هي ذات تأثيرٍ كبير يصل إلى أعماق النفس البشريّة؛ فمنها إيجابيّ يُعبّر عن الراحة والحب والفرح والبهجة، ومنها السّلبي الذي يُثير مشاعر القلق والاضطراب والحزن والكره، بالإضافة إلى تأثيرها الواضح على الحالة المزاجيّة والصحيّة؛ حيث استُخدمت الألوان للعلاج منذ العصور والحضارات القديمة كالفراعنة، وبلاد الهند، والصين، بالإضافة إلى كلٍّ من الحضارتين اليونانية والإغريقيّة، وظهرت حديثاً بعض المراكز غير الحكوميّة المُتخصّصة بالعلاج بالألوان.[٣][٤]

وُجدت الكثير من الاختلافات في وضع قاعدةٍ أساسيّةٍ للمدلولات النفسيّة للألوان؛ حيث ظهرت بعض التّعارضات في تفسير مدلولات اللون الواحد بين الفترة الزمنيّة والأخرى، بالإضافة إلى اختلاف الآثار النفسيّة التي تترُكها الألوان عبر الحضارات الإنسانيّة على مرّ العصور، وكانت هناك الكثير من التّصنيفات التي تُفسّر البُعد النفسي لبعضِ الألوان؛ فهنالك من قسّم الألوان بشكل عام إلى أربعة ألوانٍ رئيسيّة هي: (الأحمر، والأزرق، والأخضر، والأصفر)؛ حيث عَبّر اللون الأزرق عن العقل، والذهن، والذكاء، والحكمة، واللون الأصفر عن العواطف، والأحاسيس، والإبداع، والثقة، وتقدير الذات، واللون الأحمر عن الأبعاد الجسميّة والقوة والشجاعة والإقدام، واللون الأخضر عن التّفاعل والتّوازن بين جميع الألوان السابقة، والراحة والتجديد، وغيرها الكثير من التّصنيفات والنظريّات.[١][٥]

الألوان ومدلولاتها النفسية

نظراً للأهميّة النفسيّة التي تتميز بها الألون والآثار النفسيّة الإيجابيّة لها ظهرت استخدامات مدلولاتها النفسية في مُختلف المجالات الحياتية خاصّةً في الميادين والمساكن والمستشفيات والمباني التعليمية، بالإضافة إلى اهتمام الكثير من العلماء بإجراء الدراسات والبحوث العلمية التي بحثت في مدلولات الألوان ورمزيّتها، وظهرت حسب الألوان على النحو الآتي:[٥][٦]

اللون الأبيض

هو اللون الذي يدلّ على النقاء والطهر والفرح والسلام، وأكثر من قد يستفيد من الخصائص النفسيّة للون الأبيض فئة الأطبّاء والعاملين والقائمين على المجال الطبيّ لما يبعثه من مشاعر الرّاحة، والأمل، والتفاؤل، والشفاء في نفوس المرضى، فهو لونٌ ناصع يمتلك خاصية الانعكاس لجميع الألوان والموجات الضوئية الساقطة عليه، كما أنّ له تأثيرٌ فعّال في عمليّة استرخاء الأعصاب وتهدِئتها؛ حيث أثبت فاعليّته في السجون والمَصحّات النفسيّة في علاج وتهدئة النوبات العصبية المفرطة.[٥][٦]

اللون الأسود

هو لونٌ قاتم ومُعتم، لا يعكس أيّ موجةٍ ضوئيّةٍ مُلوّنة تسقط عليه؛ فهو يمتصّ جميع ألوان الطيف التي تُوجّه إليه ممّا يُضفي حالةً من الغموض على شخصيّة الفرد، واللون الأسود في مُعظم حالاته يوحي بالكآبة، ويُشكّل تهديداً للأفراد الذين يخافون من الظلام نظراً لخصائصه المُعتمة، كما يُعتبر في كثيرٍ من البلدان وسيلةً من وسائل الحداد والتّعبير عن الحزن، إلّا أنّه من الجميل استعماله بُملازمته للون الأبيض في الفنون بأنواعها كونه يُؤدّي لخلق التناقض الفنّي الذي يبعث على الجمال، وذكر البعض دلالاتٍ أخرى للون الأسود؛ كالحِنكة، والأمان، والكفاءة.[٥][٦]

اللون الأحمر

اللون الأحمر هو لون النار والدم والثورة، إلى جانب أنّه لونٌ يدلّ بشكلٍ عام على العواطف، والمشاعر الجيّاشة، بالإضافة إلى القوّة والحيويّة والنشاط والمثابرة، كما أنّه يُستخدم للتعبير عن حالات الغضب والخطر كما هو الحال في إشارة المرور، وهو لونٌ يعمل كمُحفّز لعمليّة التنفّس، ويرفع مُعدّل نبضات القلب، وهو لونٌ ملفت للأنظار يستدعي الانتباه بشكل سريع، وهو من أكثر الألوان دفئاً وحرارة.[٥][٦]

اللون الأزرق

هو لون السماء والبحر، يدلّ على الأفق الممتد والكبير فيُضفي إحساساً من السعة والراحة على النفس البشرية، كما أنّه لونٌ هادئ وشفّاف يستدعي القدرة على خلق أجواء الهدوء والتأمّل، ويُساعد على الاسترخاء بشكل فعّال، ومن الممكن أن يدلّ أيضاً على الحكمة والصداقة، ويشترك مع اللون الأبيض في تعبيره عن السلام والمحبّة والتآلف، وبشكل عام هو لونٌ مُفضّل ومُحبّب للنفس الإنسانية بشكل عام، يظهر أثره في تهدئة الأعصاب واسترخائها، بالإضافة إلى أنّه يُخفّض تلقائياً من مُستوى ضغط الدم وسُرعة التنفّس.[٥][٦]

اللون الأصفر

هو لون الشمس والذهب، وهو دافئ يُعبّر عن حرارة الضوء لكن بشكل أقل نصاعةً، كما أنّه لون جميل وجذّاب وساحر تظهر خصائصه ودلالاته النفسيّة في مُقاومة أمراض الانهيارات العصبية، كما يتميّز اللون الأصفر بطول موجته بشكل نسبي، بالإضافة إلى أنّه مُحفّز عاطفي قويّ له تأثيرات عديدة على النفس البشرية إلّا أنّ هذه التأثيرات تتفاوت حسب درجاته، فهو في مستواه المُعتدل والمُريح يساعد على توليد الروح المعنويّة ودعمها، كما أنّه يُعزّز الثقة بالنفس والتفاؤل، أمّا في درجاته المُرتفعة والتي قد تكون مُزعجةً وغير مرغوب فيها فمن المُمكن أن تظهر له الآثار العكسيّة؛ كإثارة مشاعر الخوف، والتوتّر، والقلق.[٥][٦]

اللون الأخضر

يتوسّط اللون الأخضر الدائرة اللونية بين اللون الأزرق واللون الأصفر، فهذا الموقع يَجعلُه يقع بين هدوء اللون الأزرق وحرارة اللون الأصفر؛ لذا فإنّه إذا ازداد برودةً وتَدرّجاً نحو اللون الأزرق ظهر دوره في استِدعاء السّكينة والهدوء والحكمة، وإذا ازداد حرارةً وتدرّجاً نحو اللون الأصفر يظهر أثره في تحفيز الحيويّة ومشاعر التفاؤل والدفء، كما أنّه لونٌ مريحٌ للعينين ينفذ إليها بسهولة.[٥][٦]

المراجع

  1. ^ أ ب ت كلود عبيد (2013)، الألوان (الطبعة الأولى)، بيروت- لبنان: المؤسسة الجامعية للنشر والتوزيع، صفحة 7-10.
  2. ^ أ ب أحمد فاضل، هارون هجو (2011)، تكنولوجيا التلوين، السودان- الخرطوم: دار جامعة السودان للنشر والطباعة والتوزيع، صفحة 1.
  3. “التأثير النفسي للألوان”، برنامج هيلب وبوب، اطّلع عليه بتاريخ 11/6/2020.
  4. أحمد فاضل، هارون هجو (2011)، تكنولوجيا التلوين، السودان -الخرطوم: دار جامعة السودان للطباعة والتوزيع، صفحة 9.
  5. ^ أ ب ت ث ج ح خ د “الدلالات النفسية للألوان وبماذا توحي”، أكاديمية نيرونت، اطّلع عليه بتاريخ 11/6/2020.
  6. ^ أ ب ت ث ج ح خ أحمد فاضل، هارون هجو (2011)، تكنولوجيا التلوين، السودان: دار جامعة السودان للنشر والطباعة والتوزيع، صفحة 9-11.

شاركنا برأيك عبر: قضية للنقاش?

هل هناك علاقة بين الألوان التي ينجذب إليها الشخص وبين شخصيته؟ كيف ذلك؟