نشأة علم النفس وتطوره
نشأة علم النفس وتطوّره
يُعتبر علم النفس من العلوم القديمة والحديثة في آن واحد، حيث وُجد بوجود البشرية. وكان في العصور القديمة يندرج ضمن العلوم الفلسفية، فظهر خلال المحاولات الكثيرة للتفسيرات الفلسفية لمفاهيم الروح والنفس البشرية، والتي كانت تهدف إلى فهم الأسباب العديدة التي تقع وراء التصرفات المختلفة للكائنات الحية، وتعود بدايات تأصيل علم النفس إلى الفيلسوف الإغريقي أرسطو حيث أوجد العديد من الآراء والاعتقادات والنظريات المختلفة تجاه النفس والروح وعلاقتهما بالجسد المادي، وبشكلٍ عامٍ فإن علم النفس قد مر بالكثير من الحقب التاريخية والزمنية؛ كالعصور الإسلامية، وعصر النهضة الأوروبية نهايةً بالعصر الحديث، ومنها إلى استقلاله عن الفلسفة والتي عَملت على صقل العلوم النفسية والفلسفية لتظهر بمظهرها العلمي الحديث.[١]
مراحل تطوّر علم النفس
مرّ علم النفس بالعديد من الفترات الزمنية منذ ظهوره في ظل العلوم الفلسفية قديماً وحتى استقلاله عنها في العصر الحديث،[١] ومن أهم هذه الفترات ما يأتي.
علم النفس في العصور القديمة
ارتبط علم النفس منذ بداية ظهوره بالفلسفة، فتناول الفلاسفة النفس الإنسانية بطريقة ميتافيزيقية أو استبطانية غيبية، حيث كان هناك خلط كبير بين مفاهيم الفكر، والوعي، والروح، والعقل، ووضعها بشكل متقابل مع الجسم والبدن المادي. كما ظهر اهتمام كافة فلسفات الشعوب القديمة بعمليات الإدراك، والعواطف، والمشاعر، فظهرت المساعي الكثيرة لمحاولة تفسير ومعرفة الأسباب الكامنة وراءها ووراء الانفعالات السلوكية المرئية التي يقوم بها الإنسان، فظهرت الكثير من الآراء المتعددة للفلاسفة القدماء والتي كانت تتعلق بعلم النفس والنفس البشرية ومن أهمها ما يأتي:[٢]
- سقراط: حيث كان يتطرق سقراط إلى حقيقة الذات الإنسانية دون الحديث عن العالم الخارجي، وأن على الفرد تأمل ذاته ليستطيع إدراك حقيقتها، حيث آمن بمبدأ الاستقراء العقلي والقياس الاستدلالي في دراسته للنفس الإنسانية وتصوراتها الأخلاقية. وبشكل عام فقد كانت الذات والنفس هي المصدر الرئيسي والحقيقي للمعرفة عند سقراط.
- أفلاطون: يؤمن أفلاطون بالروح والتي اعتبرها من أصل سماوي، أما الجسد فقد اعتبره من أصل مادي، بالتالي فإن الروح هي التي تعمل على التحكم بالجسد وتسييره، كما كان يرى أنه لا يمكن تحصيل المعرفة المطلقة إلا عن طريق تحرير النفس من أسرها الجسدي وسموها إلى عالم المثاليّات، حيث إن الحقائق والوقائع تظهر جليةً بالنظر إلى الروح لوحدها بشكل منفصل.
- أرسطو: كان يرى أرسطو أن النفس والعقل أو ما أُطلق عليه الروح جزءٌ غير منفصلٍ عن الجسم المادي، أي إنه نفى إمكانية الفصل بينهما، فاعتقد أن الروح هي حقائق ومعانٍ تعود في أصلها إلى الجسم المادي أو المحسوس الذي توجد داخله، واستحال بذلك الفصل بينهما كما يستحيل الفصل بين المادة وشكلها، وأضاف أيضاً أن هذه النفس هي المصدر الأسمى للفضائل الإنسانية.
علم النفس في عصر الفلسفة الإسلامية
قدم التراث الإسلامي العلمي الكثير من الآراء والنظريات والإثراءات العلمية في كافة أنواع العلوم الإنسانية المختلفة، ومن أبرز هذه العلوم الفلسفة والعلوم النفسية، حيث كان لآراء ودراسات الفلاسفة المسلمين الأثر الكبير في الدراسات والحقائق التي قدّمها العلماء الغربيون في عصر النهضة الأوروبية باطّلاعهم على إثراءات العلماء المسلمين والفكر الإسلامي، ومن أبرز هؤلاء العلماء والفلاسفة ما يأتي:[٣]
- ابن سينا: حيث قسّم وصنّف ابن سينا النفس إلى ثلاثة أنواعٍ وهي النفس النباتية، والحيوانية، والإنسانية، كما أكد على وجود مبدأ الفروق الفردية والاستعدادات والقدرات، وعمل على الربط بين النظريّات الفلسفية، وميادين وطرق تطبيقها، وأثبت وجود العلاقة بين الفكر، واللغة، وبين الإدراك الحسي الظاهر والباطن، بالإضافة إلى تطرّقه إلى مفاهيم التوجه المهني واكتساب الأخلاق.
- الغزالي: كان يرى الغزالي بأنّ الحقائق المطلقة من الممكن إدراكها وتحصيلها عن طريق القلب والإلهام عند الأولياء والأصفياء، ويتم تحصيلها بالوحي عند الأنبياء، وعن طريق الاستدلال، والاستبصار عند العلماء، كما قد وقف الغزالي في كتابه تهافت الفلاسفة على الكثير من المسائل الفلسفية اعتماداً على الدين والمنطق.[٤]
مرحلة الفلسفة الحديثة
ظهر علم النفس في الفلسفة الحديثة خلال عصور النهضة الأوروبية، والذي تميز بالكثير من التغيرات والتطورات التي وصلت إلى النظرة الفلسفية تجاه الروح والعقل والسلوك الإنساني بشكل عام. ومن أهم الفلاسفة الذين برزت نظرياتهم في هذه الفترة الزمنية ما يأتي:[٥]
- جون لوك: كان يرى جون لوك أن الإنسان يولد وهو عبارة عن صفحة بيضاء، تُلوَنها جميع أنواع الخبرات الحسية باكتساب المعارف الذهنية عن طريق الخوض في الواقع التجريبي والبيئي الخارجي.
- ديكارت: حيث قام ديكارت بالعمل على دراسة الشعور كونه من أهم وأبرز خصائص العقل البشري، فقام بذلك بحل الخلاف الحاصل بين العلاقة بين الجسم المادي والعقل غير الملموس.
استقلال علم النفس عن الفلسفة
يُجمع علماء علم النفس ومؤرّخوه على أن استقلال هذا العلم عن العلوم الفلسفية والنشأة الأساسية له كانت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر على يد العالم الألماني فونت حيث اعتبر أنه هو مؤسس علم النفس، والذي نهض بعلم النفس التجريبي حيث عمل بشكل رئيسي على إنشاء أول مختبر نفسي للدراسات السيكولوجية النفسية، ويسبقه اختراع أول جهاز سيكولوجي تجريبي لخدمة البحوث النفسية، واستمر تأثير فونت على الفكر السيكولوجي للدراسات النفسية لعقود طويلة من الزمن، تبع ذلك قيام العديد من المؤتمرات وإنشاء فرع خاص ومستقل في الجامعات لعلم النفس باعتباره علماً مستقلاً من العلوم الإنسانية، كما ساهم العديد من العلماء الآخرين في نشر البحوث وإنشاء المختبرات والقاعات الدراسية الخاصة بهذا العلم.[٦]
المراجع
- ^ أ ب “نظرة تاريخية عن تطور علم النفس”، www.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 11-2-2018. بتصرّف.
- ↑ جميل حمداوي، مدخل إلى علم النفس، صفحة 13-18. بتصرّف.
- ↑ “مراحل تطور علم النفس”، www.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 11-2-2018. بتصرّف.
- ↑ جميل حمداوي، مدخل إلى علم النفس، صفحة 20. بتصرّف.
- ↑ “المراحل التطورية لعلم النفس”، www.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 11-2-2018. بتصرّف.
- ↑ “نظرة تاريخية عن علم النفس العام”، www.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 11-2-2018. بتصرّف.