مفهوم الشخص في الفلسفة
الفلسفة
تُعدّ كلمة الفلسفة (بالإنجليزيّة: Philosophy) ذات منشأ يونانيّ؛ فهي في الأصل مُشتقّة من كلمة يونانيّة تتكوّن من مُفردتين؛ (فيلين) وتعني الحبّ أو الرّغبة، بينما تعني الكلمة الثانية (صوفيان) الحكمة، وبهذا فإنّ الكلمتين مُجتمعتين تعنيان حُبّ الحكمة، إلّا أنّ هذا التعريف لا يفي كلمة الفلسفة حقّها، لذا عُرِّفت الفلسفة بأنّها البحث عن عِلَل الأمور؛ بغرض الكشف عن المعاني والأسباب الكامنة والعميقة لها؛ أي معرفة دوافع ومسبّبات الأحداث والظواهر بطريقة تفصيليّة مُتعمِّقة. تقوم طبيعة الدراسات الفلسفيّة على الحكم بالمعايير المنطقية للأشياء، والنظر إلى الأمور من مُنطلَق شموليّ وبطريقة كُليّة، واعتبرها البعض أنّها دراسة الظواهر بطريقة نظريّة وتأمُّلية لا شأن لها بالتطبيقات الواقعيّة، ونفى البعض هذا المفهوم الخاطئ عنها، وقد اختلفت آراء العلماء والفلاسفة فيها منذ العصور القديمة وحتى العصر الحديث.[١]
الشّخص في الفلسفة
حاز مفهوم الشخص على اهتمام كبير من قِبل علماء العلوم الإنسانية المختلفة ، ومُفكّريها، وفلاسفتها؛ ففي اللغة العربية فإنّ الجسم الذي له ارتفاع وظهور، يُعبَّر عنه في الغالب بكلمة الإنسان، كما ذكر معجم المعاني مفهوم الشخص في الفلسفة بأنّه الذات التي بإمكانها الوعي بكينونتها المُستقلّة بملءِ إرادتها، ويتناول علم الفلسفة مفهوم الشخص بصفته يمثّل الجانب المعنويّ والروحيّ للبنية الماديّة والبيولوجية للفرد، فيشمل مصطلح الشخص الهويّةَ، ومدى مطابقتها لذاته التي تُعدّ الجوهر الروحيّ الظّاهر في الطِّباع، واختلفت مُسمَّيات الشخص أو الجوهر على مدى تاريخ العلوم الفلسفية، فأُطلِقت عليه ألفاظ عليه النّفس، والفكر، والشعور، وغيرها.[٢][٣]
مفهوم الشّخص عند الفلاسفة
تناول علماء الفلسفة مفهوم الشخص؛ كلٌّ حسبَ رؤيته الخاصّة لمفهوم الذّات، وبيان ذلك فيما يأتي:
ديكارت
تميّز ديكارت بنظرته العقلانيّة؛ فلم يكن يعترف بالمعرفة التجريبيّة؛ حيث رأى أنّ ما يُشكّل هُوية الشخص وجوهره هو العقل، ويظهر ذلك عنده في عبارة (أنا أفكّر)؛ فالتفكير يعني عنده الحقيقة الوحيدة التي لا يُمكن الشّك فيها، وإن شكّ فيها الشّخص فإنّه بذلك يثبتها؛ ، فكان فعل الشك بحدّ ذاته دليل إثباتٍ على وجود الشخص؛ لأنّه من إجراءات عملية التفكير، ولهذا كان ديكارت يشكّ في كلّ شيءٍ حتّى يصل إلى الشيء الوحيد الذي يُمكن أن يثق به، وهو فِكره، لذا فالموقف الديكارتي يتّسم بالنزعة العقلانية، أي أنّ الطرح الفلسفيّ تزكية لحقيقة (أنا أُفكر إذاً أنا موجود)، فاستطاع من خلالها إثبات وجوده الخاص عن طريق تجربة الشكّ المنهجيّ التي اعتبرها أهمّ السُّبل في معرفة ماهية الشخص وهُويّته، ولا يقتصر التفكير عند ديكارت على الشّك، بل يشمل أيضاً الفهم، والتخيّل، والإحساس، والإرادة، وغيرها.[٣][٤]
جون لوك
يتّفق جون لوك مع العالم ديكارت في أنّ الشخص قبل كلّ شيء هو كائن ذكيّ ومُفكّر، يمتلك قدرات مختلفة تُمكّنه من القيام بعمليّات الاستدلال والتفكير، إلا أنّ جون لوك يرى أنّ الإنسان يبقى هو نفسه لا يتغيّر، على الرّغم من اختلاف الأزمنة والأمكنة، والذي يجعله كذلك هو شعوره الذي يرافقه في كافة استجاباته وانفعالاته وحالاته الشعورية، مثل: الإحساس، والإرادة، والسمع، والتذوق، وغيرها من العمليات الحسيّة، ولهذا كان يرى عدم قابليّة فصل كلٍّ من الإحساس والفكر عن بعضهما، فالاثنان عنده متلازمان، فلا يُمكن لأيّ شخص أن يسمع مثلاً دون أن يُحسّ ويُدرك أنّه يسمع، ويظهر من هذا أنّ مفهوم جون لوك يتّسم بالنزعة التجريبيّة؛ فالشخص لا يكون هو نفسه دون الاقتران الدائم بين كلٍّ من الفكر والشّعور، أمّا ديكارت فكان يرى أنّ عمليّة التفكير هي التي تلازم ذات الشخص في مختلف الأزمنة؛ فالفكر عنده مُوزّع بين الناس جميعهم بالتساوي، إلا أنّ ما يختلف هو طريقة استخدام هذه الملَكَة.[٣]
لاشوليي
يَرى لاشوليي أنّ أساس الشخص والهويّة هو الحفاظ على الطِّباع، وترابط الخبرات السابقة في الماضي مع الأحداث الحاضرة داخل الذاكرة، أي أنّ المُحدّد الرئيس للشخص هو الهويّة باعتبارها ذاتاً تتطابق مع ذاتها، وتتميّز بها عن غيرها، وأنّ هذه الهوية ترتبط بالزمان كنتيجة لأداء مجموعة من الآليّات والعمليّات النفسيّة كالمزاج، والذاكرة التي تخزّن الماضي وتوصله بالحاضر، ويظهر بذلك أنّ هوية الشخص هي عبارة عن بنيته النفسية المتّصلة بالذاكرة، حيث إنّ كلّ ما يُضاف إلى هذه الذاكرة يساعد على تنمية هويّة الأنا، التي تحدّد بدورها ردّات الأفعال والاستجابات المختلفة في شتّى المواقف والحالات النفسيّة.[٥]
كانت
رأى أنّ العقل والأخلاق هما أساس الشخص وأساس قيمته وكرامته، فالإنسان أو الشخص في نظر كانت هو ذات العقل العملي الأخلاقي؛ فأيّ قيمة داخليّة مطلقة لديه يُمكن استمداد كرامتها من هذا العقل؛ لذا تتجاوز قيمتها أيّ سعر، ولهذا فإنّ كلّ شخص بوصفه ذاتاً أخلاقيّةً لديه قدرة على تشريع مبادئ، يُلزِم بها نفسه بمحض إرادته، وهذه القدرة تُعطي للشخص الحقّ في أن يُلزم الآخرين بالتعامل معه وفق هذه المبادئ، ممّا يقتضي احترامه وتقديره من قبل الغير ومن قبل الفرد تجاه نفسه، وهذا يعني أنّ شخص الفرد هو قانون ذاته، وعليه فيجب على الشخص فهم ووعي خاصيّات تكوينه الأخلاقي والعقلي الذي يقع بدوره داخل مفهوم الفضيلة، ويظهر ممّا سبق أنّ آراء كانت انطلقت من نظرته تجاه الشخص البشريّ بإبراز قدراته كذات أخلاقيّة.[٦]
شوبنهور
يرى شوبنهور أنّ الإرادة هي أساس هوية الشخص على عكس الآراء المُغايِرة، التي كانت ترى أنّ هوية الشخص أساسها الوعي والذاكرة، فتؤكّد كتابات شوبنهور أنّه من غير الممكن تحديد هوية الشخص من خلال بنيته الماديّة أو صورته الجسميّة والشعورية؛ نظراً لأنّها في تغيُّر وتطور دائمين ومستمرّين، فكان يرى أنّ هوية الشخص تحدّدها الإرادة كونها عنصراً ثابتاً غير قابل للتغيير؛ بسبب عدم خضوعها للزمن، على عكس الشعور الذي يتغيّر بتغير الزمان، ولهذا فإنّ الإرادة عند شوبنهور هي جوهر أساسيّ للإنسان؛ بحيث تفوق أهميّتها العقلَ الذي كان غرض وجوده خدمة هذه الإرادة وتنفيذ متطلباتها.[٥]
ابن سينا
اتّخذ ابن سينا مسمّى النفس تعبيراً عن هويّة الشخص التي تُمثل الجانب الروحيّ أو النزعة الروحيّة، التي تلازم الفرد في جميع مراحل حياته منذ ولادته وحتّى مماته، وتكون هذه النفس موجودةً بشكل فطريّ بحيث تُميّز شخص صاحبها وهويّته، وتتغذّى هذه النفس بما يُسمّى بالقوة الحافظة وهي الذاكرة، وذكر ابن سينا في كتاباته أنّ عملية التذكر هي التي تمنح الفرد وتكسبه الشعور بثبات هويّته، ويظهر هذا في إحساس الفرد داخلَه بأنّ شخصه ووحدة هويّته الذاتية مستمران وثابتان معه أثناء مروره بالظروف والمواقف المختلفة التي تطرأ عليه؛ أي استمراريّة عملية التواصل بين الخبرات السابقة والخبرات الحاضرة بشكل دائم.[٣]
المراجع
- ↑ يحيى هويدي (1989)، مقدمة في الفلسفة العامة (الطبعة التاسعة)، مصر: دار الثقافة للنشر والتوزيع، صفحة: 21-25.
- ↑ “تعريف ومعنى شخص في معجم المعاني الجامع-معجم عربي عربي”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 5-11-2017.
- ^ أ ب ت ث “مفهوم الشخص”، www.eduphilo.com، اطّلع عليه بتاريخ 5-11-2017.
- ↑ د. توفيق شومر، “العقل والعقلانية”، www.philadelphia.edu.jo، اطّلع عليه بتاريخ 19-11-2017.
- ^ أ ب “الشخص والهوية”، www.philopress.net، اطّلع عليه بتاريخ 5-11-2017.
- ↑ “الشخص مجزوءة الوضع البشري”، falsafa.info، اطّلع عليه بتاريخ 5-11-2017.