مراحل تطور علم النفس
علم النّفس
يهتمّ علم النّفس بدراسة سلوك الكائنات الحيّة بشكل عامّ، وسلوك الإنسان بشكل خاصّ، ومن الممكن تعريفه بأنّه العلم الذي يُعنى بدراسة السّلوك الإنساني والعمليات العقليّة للفرد؛ من تذكُّر، وتفكير، وإدراك، وغيرها، ويهدف علم النّفس بصورته العامّة إلى فهم السّلوك ومحاولة تفسيره، وتحديد دوافعه والعوامل التي تؤدّي إلى ظهوره، كما يسعى أيضاً إلى التنبؤ به ومعرفة مدلولاته عن طريق فهمه لطبيعة هذا السّلوك، فيصبح من الممكن توقّع زمن حدوثه وشدّته، بالإضافة إلى الدور المهمّ الذي يُقدّمه علم النّفس من ضبط المثيرات المتغيّرة، وبهذا يُمكن ضبط السّلوك، والتحكّم به، والسيطرة على زمن حدوثه، ومقدار شدّته.[١]
مراحل تطوّر علم النّفس
وُجِد علم النّفس بوجود العلوم الفلسفيّة؛ حيث كان الفلاسفة القدماء يسعون إلى فهم النّفس الإنسانيّة ومكنوناتها، فبدأت المحاولات لتفسير الأنشطة والتغيرات الفسيولوجيّة التي تطرأ وتظهر على الفرد، بالإضافة إلى السعي لفهم الانفعالات السّلوكيّة والنّفسيّة المختلفة، مثل: الحزن، والغضب، والفرح، وغيرها؛ فالإنسان البدائيّ كان على يقين بوجود قوة خفيّة غير مرئيّة تُحرك الإنسان وتدفعه، وتُوجّهه بدوره إلى الخير أو الشرّ، إذاً بدأ علم النّفس بوصفه فرعاً من فروع العلوم الفلسفيّة إلى أن استقلّ في وقت لاحق ليصبح علماً قائماً بذاته، ويظهر من جميع الدراسات التاريخيّة لعلم النّفس أنّه مرّ بالكثير من المراحل والحِقب ابتداءً من مرحلة ما قبل الميلاد، مروراً بالعصور الإسلاميّة والنهضة الأوروبيّة، حتّى العصر الحاليّ،[٢] وكانت على النحو الآتي:
فلسفة ما قبل الميلاد
عالج الفلاسفة القدماء النّفس والرّوح على النحو الآتي:[٣][٢][٤]
- فيثاغورس: كان لفيثاغورس الكثير من الآراء والاعتقادات تجاه النّفس والروح؛ حيث كان يؤمن بمبدأ تناسخ الأرواح، أو انتقال الروح البشريّة من إنسان إلى آخر عند موته.
- سقراط: رأى سقراط أنّ الروح الإنسانيّة والنّفس الرزينة العاقلة هي جزء من الروح الإلهيّة، أما الجسم فهو يتكوّن من عناصر العالم الماديّ المحسوس، وهي الماء، والنار، والتراب، والهواء، وبما أنّه عدّ الرّوح جزءاً من الروح الإلهيّة، فقد آمن بأنّها تقع في موقع المُسيطر دائماً على البدن أو الجزء الماديّ، وبإمكانها ممارسة قوتها بضبط الغرائز والتحكُّم بالشَّهوات.
- أرسطو: فرّق أرسطو بين الجمادات والإنسان، بأنّ الروح الإنسانيّة أو النفس هي مجموعة من الوظائف الحيويّة لجسم الإنسان، ودون هذه الوظائف يكون الجسم عبارةً عن جُثّة هامدة، فقد رأى أنّ الانفعالات السّلوكيّة والحالات النّفسيّة هي تحصيل للوظائف والعمليات الجسميّة.
- أفلاطون: رأى أفلاطون أنّ أفكار نفس الإنسان وروحه لها الأثر الكبير الواضح في تكوين استجاباته وسلوكه، إلاّ أنّه كان يؤمن أنّ هذه الأفكار مستقلة عن الجسم الماديّ للإنسان؛ فهي تتركه عند مفارقته الحياة.
عصر الفلسفة الإسلاميّة
برزت الدراسات الفلسفيّة الإسلاميّة عن طريق العلماء والمفكّرين المسلمين الذين كان لهم الفضل الكبير والأثر الواضح في الدراسات الغربيّة في عصر النهضة الأوروبيّة، وقد ألّف العديد من المفكرين والفلاسفة المسلمين الكثير من الكتب والمؤلفات في مجالات مختلفة من المعرفة بشكل عامّ، وعلم النّفس بشكل خاصّ، ومن أبرز هؤلاء العلماء ما يأتي:[٥]
- ابن سينا: اهتمّ ابن سينا بمراحل الإدراك العقلي، ومراتبه، وآليّة انتقال الصور والخبرات الخارجيّة إلى عقل الفرد وذهنه، كما تطرّق في دراساته إلى موضوعات الاستجابات السّلوكيّة الانفعاليّة للإنسان، مثل: الضحك، والبكاء، وغيرها، كما أشار إلى العلاقة الوطيدة التي تربط بين الأمراض الجسميّة والحالة النّفسيّة، وهو ما يُطلَق عليه حالياً بالطب النّفسي والجسمي.
- أبو نصر الفارابي: اهتمّ أبو نصر الفارابي بعلم النّفس الاجتماعي؛ حيث ذكر السِّمات والأنماط الشخصيّة التي يجب على القائد أن يمتلكها، والأُسس النّفسيّة لتماسك الجماعة والبناء الاجتماعيّ، الذي يُعدّ هو جوهر دراسات علم النّفس الاجتماعيّ.
- أبو حامد الغزالي: اهتمّ الغزالي بالكثير من موضوعات علم النّفس كالانفعالات النّفسيّة والسّلوكيّة، مثل: الغضب، والخوف، وغيرها من الانفعالات، ومدى تأثيرها على سلوك الفرد، كما ذكر علاقة الحالة العاطفيّة أو الوجدانيّة من حُبٍّ وكُرهٍ بالسّلوك، بالإضافة إلى دراسة الدوافع بأنواعها المكتسبة، والأوليّة، والثانويّة.
عصر النهضة الأوروبيّة
مع انتقال العلوم الإنسانيّة ومؤلفاتها إلى أوروبا وتبلور الحضارة والنهضة الأوروبيّة، ظهرت العديد من الأبحاث والدراسات في مختلف المعارف والعلوم المجتمعيّة والطبيعيّة بشكل عام وعلم النّفس بشكل خاص، ومن أبرز العلماء الذين أَوْلوا علمَ النّفس الاهتمام الكبير، العالمُ والفيلسوف الفرنسي ديكارت، الذي اعتمد في بدايات دراساته في تفسير الظواهر السّلوكيّة على مبدأ الانعكاس؛ وهو الاستجابات العضويّة اللاإراديّة التي تهدف إلى الوصول إلى حالة من التكيف مع المثيرات البيئيّة الخارجيّة، إلا أنه تبيّن له فيما بعد بأنّ هذا المبدأ لا يكفي لتفسير الظواهر النّفسيّة والعمليات العقليّة المعقدة، مثل: التفكير، والتذكر، والإرادة والعواطف، فأضاف إلى منهجه مبدأ النشاط الروحي، وكل ما يصدر عنه من أفعال واستجابات حسيّة وحركيّة.[٦]
استقلال علم النّفس في العصر الحديث
تتابعت الدراسات النّفسيّة واستمرّت حتّى العصر الحديث؛ حيث ظهرت بوادر استقلال علم النّفس عن العلوم الفلسفيّة بشكل عامّ، إلا أنّ مؤرّخي علم النّفس قد أجمعوا على أنّ استقلاله وخروجه إلى العالم بشكله النهائي كان في النصف الثاني من القرن التاسع عشرعلى يد العالم الألماني فونت؛ حيث أنشأ أول جهاز علمي لخدمة الأبحاث السيكولوجيّة التجريبيّة، واستمرّت أبحاثة ومساعيه بعد ثمانية عشر عاماً حتّى استطاع إنشاء أول مختبر تجريبيّ للدراسات والأبحاث السيكولوجيّة؛ فكان مزوّداً بالتجهيزات الضروريّة من أجهزة وأدوات لازمة لعمليات البحث السيكولوجيّة؛ لدراسة الظواهر النّفسيّة وغيرها.[٧]
المراجع
- ↑ “تعريف علم النّفس”، www.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 8-10-2017.
- ^ أ ب “تاريخ علم النّفس”، www.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 8-10-2017.
- ↑ أحمد عزت راجح (1972)، أصول علم النّفس، مصر: المكتب المصري الحديث، صفحة: 37.
- ↑ بدر الدين عامود، علم النّفس في القرن العشرين، دمشق: اتحاد الكتاب العرب، صفحة: 31، الجزء الأول.
- ↑ “علم النّفس عند علماء المسلمين”، www.alkhaleej.ae، اطّلع عليه بتاريخ 9-10-2017.
- ↑ بدر الدين عامود (2001)، علم النّفس في القرن العشرين، دمشق: اتحاد الكتاب العرب، صفحة: 48-49، الجزء الأول.
- ↑ بدر الدين عامود (2001)، علم النّفس في القرن العشرين، دمشق: اتحاد الكُتّاب العرب، الصفحة: 53، الجزء الأول.