لماذا سمي مذنب هالي بهذا الاسم

المُذنّب

جاءت تسمية المذنب من الكلمة اليونانيّة (Kometes) التي تعني الشعر الطويل، والمذنّب هو جسم صغير يدور حول الشمس، يحتوي كميّاتٍ كبيرةً من الجليد المتطاير، وعندما يقترب المذنّب من الشمس، يتحوّل الجليد المكوّن له من الحالة الصلبة إلى الغازية، ومن ثمّ يتّحد هذا الغاز مع جزيئات من الغبار التي يحملها المذنّب لشكيل هالة تدور حول نواته، ومع مرور الوقت يتدفّق الغبار والغاز عبر المذنّب نحو الفضاء لتشكيل الذّيلين؛ حيث يتكوّن أحدهما جزيئات متأيّنة، في حين يتكوّن الآخر من الغبار. تُعدّ المذنّبات ذات أهميّة كبيرة لدى العلماء، فهي تساعد على فهم كيفيّة تشكّل النظام الشمسي؛ لأنّها أجسام بدائيّة تُعدّ من أوائل الأجسام الصلبة التي تشكّلت في السديم الشمسي؛ فقد تشكلت في المناطق الخارجية منه، وكانت باردةً بما فيه الكفاية لتكثيف الجليد المُتطايِر.[١]

مذنّب هالي وسبب تسميته

يُعدّ مذنّب هالي أحد أقدم المذنبات في التاريخ وأشهرها؛ حيث استطاع البشر رؤيته بوضوح في كلّ مرة يظهر فيها، وكان أوّل من تعرّف عليه وحدّد زمن دورانه حول الشمس عالم الفلك البريطاني إدموند هالي؛ ففي عام 1682م، ظهر مذنب هالي واضحاً ومتوهّجاً في السماء، فشاهده إدموند هالي وأثار اهتمامه، ممّا دفعه إلى دراسة حركته رياضياً، وتوصّل إلى أنّ هذا المذنب يكمل دورة واحدة حول الشمس كلّ 76 سنة، وتنبّأ أنّه سيظهر مرّةً أخرى بعد مرور 76 سنة أخرى من آخر وقت لمشاهدته؛ أي سيظهر في عام 1758م، لكنّه توفّي قبل موعد ظهوره بحوالي ستّ عشرة سنةً، وبالفعل في عام 1758م ثبتت صحة تنبّؤات إدموند هالي، وظهر مذنب هالي لامعاً وجليّاً في السماء، وتقديراً لجهود هذا العالم في اكتشاف المذنب وإثبات دوران المذنبات حول الشمس، تمّت تسمية المذنب الشهير باسمه فسُمِّي مذنب هالي، وتشير الدراسات التاريخيّة إلى أنّ مذنب هالي قد شُوهِد ثلاثين مرّةً منذ عام 240ق.م حتى آخر ظهور له في عام 1986م، إلّا أنّ ظهوره الأخير كان مخيّباً لآمال مُتتبِّعيه؛ فقد بدا خافتاً وبعيداً عن الأرض.[٢]

نبذة عن حياة إدموند هالي

وُلِد عالم الفلك البريطاني إدموند هالي في الثامن من شهر تشرين الثاني/نوفمبر عام 1656م، قُرب مدينة لندن، وتوفي في الرابع عشر من شهر كانون الثاني/يناير لعام 1742م. بدأ هالي تعليمه في مدرسة سانت بول في لندن، وكان من حُسن حظّه أنّه عاصر فترة الثورة العلميّة التي أسّست الفكر الحديث، وفي عام 1673م التحق بكلية كوينز التابعة لجامعة أوكسفورد، وكان شغفه لدراسة علم الفلك قد بدأ بعد زيارته المرصد الملكيّ، وتعرّفه على الراصد الفلكيّ جون فلامستيد الذي كان يعمل فيه آنذاك.[٣]

أجزاء مذنّب هالي

يتكوّن مذنب هالي وغيره من المذنبات من أربعة أجزاء مرئيّة أساسيّة، وفيما يأتي بيان لكلٍّ منها:[١]

  • النواة: هي عبارة عن جسم صلب، يتكون من خليط من الجليد المتطاير وجسيمات الغبار السيليكاتية والعضوية، يبلغ قطرها بضعة كيلومترات.
  • الهالة: هي هالة من الغبار والغاز تدور حول النواة، وتتشكّل عندما يقترب المذنب من الشمس.
  • ذيل الغبار: يتشكّل هذا الذيل من جسيمات الغبار، وبفعل ضغط أشعة الشمس يظهر كذيل منحنٍ طويل يندفع من نواة المذنب نحو الخلف.
  • الذيل الأيوني: يتكوّن هذا الذيل من الغازات المتطايرة في الهالة عندما تتأيّن بفوتونات فوق بنفسجية من الشمس، وبفعل الرياح الشمسية تتجه الأيونات إلى نقطة بعيدة عن الشمس، فيظهر الذيل مندفعاً نحو الخلف، ويتوهّج باللون الأزرق بسبب أيونات ( CO) التي يحملها.

مسار مذنّب هالي

تُعدّ نقطة الأوج التي تقع بين مداري كوكب نبتون وكوكب بلوتو أبعد مسافة يصلها مذنّب هالي عن الشمس في كلّ دورة حولها، وللتعرّف أكثر على مسار مذنّب هالي تتبّع العلماء في عام 1948م مساره، فكان في ذلك الوقت يسير خارجاً من نقطة الأوج، وفي عام 1964م دخل مدار نبتون، وتعدّى مدار كوكب أورانوس في عام 1977م، بعد ذلك دخل مذنب هالي مدار كوكب زحل في عام 1980م، ثمّ دخل مدار كوكب المشتري في عام 1984م، ومع مرور الوقت أخذ مذنب هالي بالاقتراب من كوكب الأرض شيئاً فشيئاً، حتّى أصبح داخل مدار كوكب الأرض في شهر كانون ثاني/يناير من عام 1986م، بعدها أكمل طريقه نحو مدار كوكب الزهرة ووصله في بداية شهر شباط من عام 1986م، وفي التاسع من شهر شباط من نفس العام وصل إلى نقطة الحضيض، وهي أقرب نقطة إليه من الشمس.[٢]

دور المسلمين في اكتشاف مذنّب هالي

رغم أنّ الفضل في الأساس يعود إلى إدموند هالي في اكتشاف الفترات الدورية لظهور المذنبات، إلا أنّه ليس أول من رصد ولاحظ ظهور المذنبات، حيث كان للتراث الإسلاميّ دور مهمّ في وصف ظهور المذنبات، ومن بينها مذنب هالي الشهير، كما تبيّن التطابق الكبير بين تواريخ الرصد في التاريخ الإسلامي ومواعيد ظهور المذنب التي تنبّأ بها إدموند هالي؛ فعلى سبيل المثال، تحدّث ابن إياس عن ظهور مذنب هالي في كتابه بدائع الزهور في عام 1454م، وسجل ابن الجوزي ظهور المذنب أيضاً في كتاب المنتظم عام 913م، وفي التراث الإسلامي؛ فإنّ عام 222هـ الموافق لعام 837م كان أقدم تاريخ رُصِد فيه ظهور المذنب، كما ورد في رسالة خاصة للفيلسوف أبي إسحق الكندي، وقد تحدّث ابن الأثير أيضاً في كتابه الكامل في التاريخ عن ذلك، ووصف هذا المذنب بقوله: (في سنة اثنتين وعشرين ومئتين للهجرة، ظهر على يسار القبلة كوكب ذو ذنب، وبقي يُرى نحو أربعين ليلةً، وكان أوّل ما طلع من المغرب، ثمّ رني نحو المشرق، وكان أبيض طويلاً، فهال الناس وعظُم أمرُه عليهم).[٤]

المراجع

  1. ^ أ ب “Comet ASTRONOMY”, www.britannica.com, Retrieved 22-3-2018. Edited.
  2. ^ أ ب أحمد محمود شمعون، عماد مجاهد (2017)، مقدمة في علم الفلك (الطبعة الأولى)، عمان-الأردن: دار الخليج، صفحة: 241-243. بتصرّف.
  3. “Edmond Halley BRITISH SCIENTIST”, www.britannica.com, Retrieved 22-3-2018. Edited.
  4. خير سليمان شواهين، مرحلة الإشراق كإحدى مراحل العملية الإبداعية (الطبعة الأولى). بتصرّف.