عوامل النهضة في العصر الحديث

الأمم

حياة الأمم على هذه الأرض تتشابه إلى حد بعيد مع حياة الإنسان، فكما تمر على الإنسان فترات يكون فيها في قمة عطائه، تمر أيضاً على الأمم والحضارات فترات تجمع فيها المجد من كافة أطرافه، غير أن دوام الحال من المحال –كما يقال-، وبعد الرخاء تأتي الشدة، فبعد أن تتألق الأمم من كافة النواحي، وبعد أن يسطع نجمها، يخفت ضياؤها بسبب عوامل الضعف والانحدار التي تعتريها.

ضعف الأمم

لا يمكن أن تضعف أمة من الأمم إلا من خلال تواجد أسباب الضعف وعوامل الانحدار والتردي في جسدها، ولعلَّ العامل الرئيسي لضعف الأمم والذي يعتبر أساس انحدارها وجوهره الحقيقي يكمن في عدم الاهتمام ببناء الإنسان، والانشغال عنه بالأمور الأخرى.

كما حدث في قصة سور الصين العظيم، فبدلاً من أن ينشغل الصينيون في بناء الإنسان، وتوعيته، والارتقاء به، وتهذيبه، انشغلوا برص الحجارة فوق بعضها البعض ظناً منهم أن السور العظيم الذي يعملون على تشييده سيقيهم نيران الهجمات الخارجية، غير أن الأعداء لم يحتاجوا لا إلا هدم السور، ولا إلا تسلقه حتى، فكل ما فعلوه هو رشوة الحارس الصيني الذي قام بإدخالهم بشكل طبيعي إلى الأراضي خلف السور.

عوامل النهضة في العصر الحديث

تتأثر النهضة في عصرنا الحالي للعديد من العوامل سنذكر بعضاً منها كالتالي:

الأخلاق

كلمة الأخلاق من الكلمات الفضفاضة التي تتسع لبحر من القيم، وأساليب التعامل بين أبناء المجتمع الواحد. ولعلَّ أبرز القيم والأخلاق التي يجب أن تشيع بين أبناء الأمة الواحدة: الصدق في التعامل، والأمانة، والعدل، والبعد عن العنصرية ومسبباتها، والاتحاد ليس فقط مع الآخرين الذين يتشاركون معنا في بعض العناصر، بل مع مختلف أصناف الناس، فهذه الأمور وغيرها هي أساس النهضة في كافة العصور والأزمان.

يعاني العالم اليوم من انحدار شنيع في الأخلاق، وهذا بادٍ وواضح من حجم الدمار الذي أصاب العالم نتيجة الحروب التي خاضتها الدول في القرنين المنصرم والحالي، وأيضاً من تفكك المجتمعات والأسر نتيجة لسيطرة النواحي المادية على حياة الإنسان المعاصر بشكل رئيسي، ومن هنا فإن عودة الأخلاق تعتبر علاجاً شافياً وفعالاً للعديد من الأمراض الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية المتفشية اليوم، حيث تتحقق بهذه العودة النهضة المنشودة.

إعلاء قيمة الروح الإنسانية

غياب الاهتمام بالروح الإنسانية لدى البعض أدى إلى تدهور كبير في الكيان الإنساني، حيث أصاب هذا الانحدار الإنسان في مقتله، فسيطرت المادية على الحياة، وصار كل شيء قابلاً للبيع والشراء.

الإعلاء من قيمة الروح يكون من خلال العودة إلى الدين الحقيقي، والفن الإبداعي، حيث يعتبر الدين والفن الوسيلتين الرئيسيتين اللتين يمكن للروح أن تنهض بهما، وحتى يستوفيا غاياتهما على أكمل وجه، يجب أن يقصدا لذاتهما وليس للاستفادة منهما في جمع الثروات المهولة كما يحصل اليوم.

النهضة الفكرية

الفكر الإنساني هو الوسيلة التي تنتقل بها الأمة من أحط الدرجات إلى أعلى المراتب إذا ما توافرت العوامل الأخرى. من أهم وأبرز دلائل تطور الفكر الإنساني هذه الثورة العلمية الهائلة التي اشتعلت في العالم كله، والتي امتازت باستمراريتها، وتطورها السريع، إلى أن وصلت التقنيات الحديثة، ومختلف أنواع العلوم إلى ما وصلت إليه في يومنا هذا، غير أن النهضة الفكرية والعلمية لا يجب أن تبقى محصورة بيد فئة معينة من الدول، بل يجب أن تمتد إلى مختلف مناطق العالم من أجل أن يحدث نوع من توازن القوى، فالعالم اليوم بات بقطب واحد فقط، وهذا من أهم أسباب انتكاسة اليوم.

إعادة اكتشاف المناطق المهمشة

أسهم اكتشاف الأمريكيتين وأستراليا في إحداث نهضة حقيقية للعالم كله فيما مضى؛ وذلك لحجم الثروات الهائلة التي تحتوي عليها هذه المناطق. اليوم يحتاج العالم إلى إعادة اكتشاف وتنقيب ولكن من نوع آخر، ففيما مضى كانت الاكتشافات تندرج تحت اسم الاكتشافات الجغرافية، أما اليوم فالعالم بحاجة إلى الاكتشافات الإنسانية التي يمكنه من خلالها استغلال القدرات الضائعة والمبعثرة في العالم كله، وخاصة في المناطق النائية التي تعاني من التهميش، والأمراض المجتمعية: كالفقر، والجرائم، وغيرهما، وما أكثر هذه المناطق في العالم اليوم.

إنهاء التوترات في كافة مناطق العالم

يعاني إنسان اليوم بشكل رئيسي من خطري الحروب والإرهاب، فقد أدى هذان الخطران وغيرهما إلى موت أعداد لا تحصى من الناس، وإلى دمار في البنى التحتية، وإلى تهجير أعداد كبيرة من السكان في مناطق النزاع، ولو أن الأموال التي تنفق على الحروب يتم استثمارها في المجالات الإنسانية النافعة لما آلت الأمور إلى ما آلت إليه في يومنا هذا، ومن هنا فإن إنهاء الحروب من أهم عوامل النهضة الإنسانية في العصر الحديث، حيث تعتبر هذه الجرائم من أشد الأخطار التي تؤثر على إنسان اليوم.