مدينة بغداد في العصر العباسي
مدينة بغداد
مدينة بغداد هي عاصمة دولة العراق، وهي أكبر مدينة في العراق، ويبلغ عدد سكانها حوالي 7.6 مليون نسمة حسب إحصائية عام 2013 ميلادي، وتأخذ بغداد المرتبة الخامسة والثلاثين عالمياً من حيث عدد السكان، وهي أيضاً مركز تعليمي، واقتصادي، وإداري للدولة بأكملها، ويعدّ موقع المدينة موقعاً جغرافياً مميزاً من حيث توفر المياه فيها مع عدم وجود أخطار لحدوث فياضانات، وهذا كان سبباً أساسياً في زيادة رقعة المدينة وزيادة نفوذها، وبسبب سهولة اتصالها من خلال نهر دجلة من خلال الجسور، حيث يأتي النهر في منتصف المدينة ليقسمها إلى نصفين هما الرصافة والكرخ.
تتشكل المدينة من 27 منطقة تقسم كلّ منطقة إلى أكثر من حي، ولبغداد أيضاً أهمية ثقافيّة وعمرانيّة؛ نظراً لاحتوائها على الكثير من المدارس، والمتاحف، والمسارح، والمكتبات، بالإضافة إلى الآثار الإسلاميّة، وأسوار المدينة، ودار الخلافة، والمدرسة المستنصريّة وغيرها من المعالم.
مدينة بغداد في العصر العباسي
في عهد الخليفة أبي جعفر المنصور
تعتبر مدينة بغداد مدينة عباسية بحتة؛ حيث بناها الخليفة العباسي الثاني أبو جعفر المنصور لجعلها عاصمة للخلافة العباسيّة، وبدأ البناء فيها عام 762 ميلادي وأنهاه عام 766 ميلادي، وتم اختيار الكرخ وهو الجانب الغربي من نهر دجلة الذي يقسم المدينة لاستحداث المدينة المدورة فيه، والتي تُعرف حالياً باسم العطيفية، وتم إنشاء المدينة على شكل دائرة مكوّنة من ثلاث حلقات مركزيّة، بحيث يكون لكلّ واحدة من هذه الحلقات وظيفة معينة، وتمت إحاطة كلّ حلقة مركزيّة بسور خاص بها، وكانت الحلقة المركزيّة مكاناً لقصر الخلافة، والحلقة الوسطى مكاناً للثكنات العسكريّة والحربيّة، والحلقة الأخيرة مكاناً للتجارة، والأعمال، والسكن.
يعتبر التصميم المدور للمدينة تصميماً فريداً ومميزاً في تاريخ بناء المدن، مع العلم أنّ الكثير من المدن القديمة مثل مدن وادي الرافدين كانت مبنية قبل بغداد وعلى شكل بيضاوي أو دائري، لكن لأغراض عسكريّة ودفاعيّة، ومثال على ذلك مدينة المدائن الموجودة في الجزء الجنوبي من بغداد، ومدينة الحضر الموجودة في الجزء الجنوبي الغربي من الموصل.
يوجد لبغداد أربعة أبواب كبيرة، يتقابل كلّ بابين منهما معاً؛ فباب خراسان أو باب الدولة وهو الباب الشرقي مقابل للباب الغربي وهو باب الكوفة، وباب البصرة في الجنوب مقابل لباب الشام في الشمال، ويوجد للمدينة أيضاً سوران أحدهما أعلى من الآخر بنحو 13 متراً، وتفصل بين هذين السورين أرض خالية من المباني كانت مخصصة للفصيل وهو حركات الدفاع.
يعتبر سور المدينة من الأسوار المبنية بشكل متقن ومتين؛ فهو يرتفع لنحو ثلاثين متراً، وعرضه مختلف من الأسفل إلى الأعلى؛ بحيث يصل عرضه في الأسفل حوالي 15 متراً، ويقل العرض تدريجياً ليصل في أعلاه إلى 12 متراً، وكان السبب في ضخامة هذا السور من لأنّه هدف للمنجنيق، وأحيطت المدينة المدورة بخندق للحماية، وبُنيت حافتاه من الآجر والجبص، وكان الماء يصل إلى الخندق من قناة متفرعة من نهر كرخايا.
تمت أول توسعة لبغداد بعد القرار الأمني الذي تم بموجبه ترحيل الأسواق التجاريّة إلى خارج المدينة المدورة، وتعود نشأة الجانب الشرقي من المدينة إلى الخليفة المنصور، حيث أمر المنصور عام 768 ميلادي ولي عهده المهدي أن ينزل مع الجنود إلى الجانب الشرقي في المنطقة المقابلة للمدينة المدورة، وأُطلق اسم عسكر المهدي على المكان، ثمّ تغيّر الاسم إلى محلة الرصافة، واقتطع الخليفة المنصور الأراضي لابنه المهدي ولجنوده.
في عهد الخليفة هارون الرشيد
في عهد الخليفة العباسي الخامس هارون الرشيد في نصف القرن الأول من عمر بغداد، كانت بغداد في قمة ازدهارها، وأثر ذلك الازدهار في توسع المدينة على ضفة النهر الغربيّة في الرصافة، وهي التي تحولت لمركز بغداد حتى هذا اليوم، وكان في المدينة في العصر العباسي الكثير من العلماء في الفقه، واللغة، والأدب، والجغرافيا، والتاريخ، والحساب، والطب، والهندسة، بالإضافة إلى المهندسين المعماريين، والفنانين، والقضاة، والقادة في الجيش، والنحاتين وغيرهم.
لا زالت الكثير من مؤلفات علماء العصر العباسي موجودة إلى اليوم، وكان للعصر العباسي دور كبير في الحضارة الإسلاميّة والإنسانيّة، وحسب الكتب التي كُتبت عن تلك الفترة فإنّ عدد سكان بغداد في العصر العباسي كان متوسطاً وليس ضخماً، لكن الكثير من الناس توافدوا إلى المدينة وغيرها من المدن، وتمت توسعة العمران بشكل رهيب بسبب الأعداد الضخمة التي توافدت بشكل متتالٍ على المدينة وضواحيها، حتى أنّ العدد بلغ عهد الخليفة هارون الرشيد لأكثر من نصف مليون نسمة.
في عهد الخليفة المقتدر بالله
في عهد الخليفة المقتدر بالله وصلت المدينة إلى ذروتها في العمران، والاتساع، والأعداد السكانيّة، وفي عام 865 ميلادي استُحدث في الرصافة والكرخ سور نصف دائري، وتم نقل مركز الخلافة من الكرخ إلى الرصافة.